علق المؤرخ الامريكي خوان كول على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي زعم أن الولايات المتحدة كان لها دور أساسي في وجود قناتي بنما والسويس، مشيرًا إلى أن السفن الأمريكية يجب أن تمر مجانًا عبرهما. واعتبر كول أن هذا الادعاء مجرد حلقة جديدة في سلسلة الأكاذيب والمغالطات التي تميّز بها ترامب طوال فترة ولايته.
و كمؤرخ متخصص في تاريخ مصر، عبّر كول عن انزعاجه من التلاعب بالحقائق التاريخية، موضحًا أن الولايات المتحدة لم يكن لها أي دور في بناء قناة السويس، وأكد أن فكرة ربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط تعود إلى العصور القديمة، حيث حفرت قنوات خلال عهود الفراعنة وملوك الفرس، لكنها لم تتخذ شكلها الحديث إلا بفعل جهود فرنسية في القرن التاسع عشر، بعد حملة نابليون بونابرت على مصر.
كول أشار إلى أن المشروع الذي أنجز لاحقًا كان نتيجة عمل فرنسي-مصري مشترك، حيث لعب المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس دورًا أساسيًا في إقناع سعيد باشا، حاكم مصر، بحفر القناة. وقد تم تنفيذ المشروع بسواعد العمال المصريين، الذين عانوا من ظروف قاسية في ظل نظام السُخرة.
أما عن رواية ترامب للفضل الأمريكي في إنشاء القناة، فرأى كول أنها تجاهلت تماما الحقائق التاريخية. فقد افتتحت القناة عام 1869 في عهد الخديوي إسماعيل، الذي جعل من افتتاحها حدثًا عالميًا كبيرًا، متوجًا ذلك بتكليف جوزيبي فيردي بتأليف أوبرا “عايدة” خصيصًا للمناسبة.
وتناول كول فترة حكم إسماعيل باشا، الذي حاول تحديث مصر وربطها بأوروبا، لكنه تورط في ديون ضخمة دفعته إلى بيع حصة مصر في قناة السويس للبريطانيين عام 1876. هذا البيع شكّل بداية فترة من الهيمنة الأجنبية على مصر، انتهت بغزو بريطاني مباشر عام 1882 لقمع ثورة أحمد عرابي.
كما أشار كول إلى أن قناة السويس ظلت تحت السيطرة البريطانية حتى منتصف القرن العشرين، رغم الاستقلال الشكلي لمصر. ولم يتم استرجاع السيادة الكاملة عليها إلا بعد تأميم الرئيس جمال عبد الناصر للقناة عام 1956، مما فجّر أزمة السويس.
كول أوضح أن التدخل الأمريكي بقيادة الرئيس دوايت أيزنهاور ضد العدوان الثلاثي على مصر، جاء من منطلق حماية النظام الدولي الجديد الذي يحظر الاعتداء على الدول الأخرى. كما كان أيزنهاور يخشى أن يؤدي استمرار الاستعمار إلى دفع بلدان مثل مصر والجزائر نحو المعسكر الشيوعي.
وفي ختام تعليقه، انتقد كول محاولات ترامب قلب الحقائق واستغلال قناة السويس لأغراض سياسية، محذرًا من أن مثل هذا الخطاب قد يؤدي إلى نتائج كارثية، ليس فقط لمصر بل للولايات المتحدة نفسها، التي قد تجد نفسها – كما قال ساخرًا – في المستقبل بحاجة إلى المساعدات من الدول التي تحاول الآن ابتزازها.