35.5 C
تونس
11 يوليو، 2025
وطنية

لحماية المال العام دون تجريم الاجتهاد الإداري:تعديل الفصل 96 في منعرج الحسم

من المرتقب أن تنظم الأكاديمية البرلمانية التابعة لمجلس نواب الشعب قريبا يوما دراسيا لتعميق النقاش حول مبادرة تعديل الفصل 96 من المجلة الجزائية، بعد أن تمت المصادقة عليها صلب لجنة التشريع العام، وسط مساعٍ حثيثة لعرض المقترح على الجلسة العامة قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية.

و لطالما أثار الفصل 96 من المجلة الجزائية انتقادات واسعة من قبل موظفين وإداريين، بسبب صيغته العامة وعباراته التي اعتبرت الفضفاضة و التي تجعل منه أداة زجرية حادة.

ويعود الجدل إلى ما يعتبره كثيرون “تجريما مفرطًا” للأخطاء الإدارية، ما أدى في حالات كثيرة إلى عزوف المسؤولين عن اتخاذ قرارات مصيرية خشية الوقوع في فخ الملاحقة الجزائية.

و ينص الفصل 96 من المجلة الجزائية على معاقبة الموظف العمومي أو شبهه بالسجن لمدة عشر سنوات وبخطية مالية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو الضرر الحاصل للإدارة، في حال استغل صفته لتحقيق فائدة غير مشروعة لنفسه أو لغيره، أو أضر بالإدارة، أو خالف التراتيب القانونية لتحقيق هذه الفائدة أو الضرر.

وقد سبق أن تناول رئيس الجمهورية هذه المسألة في تصريح سابق، حين دعا إلى تعديل الفصل في إطار “تحقيق توازن بين حماية المال العام وضمان استمرارية المرفق العمومي”، مع التأكيد على أن الموظف لا يجب أن يُحاسب جزائيا على مجرد اجتهاد إداري لا يتضمن سوء نية أو مصلحة خاصة.

صيغة جديدة

و بعد أشهر من النقاشات داخل لجنة التشريع العام، خرج النواب بصيغة موحدة لمقترحي القانون عدد 15 و28 لسنة 2023، تمثلت اهم ملامحها في تخفيض العقوبة السجنية من عشر سنوات إلى ست سنوات، مع الاقتصار على خطية مالية تساوي الضرر الحقيقي اللاحق بالإدارة، بدلًا من اعتماد المنفعة المحققة للمخالف كمقياس أساسي، وذلك لتقليص هامش التقدير وتوضيح معايير التجريم.

وفي محاولة لتضييق مجال التأويل، تم التنصيص على شرط “التعمد” عند ارتكاب الفعل المجرّم، حتى يُفصل بوضوح بين الأخطاء العفوية والتجاوزات المتعمّدة ذات البعد الإجرامي. كما تمت إزالة عبارة “مخالفة التراتيب” وتعويضها بتعابير قانونية أكثر تحديدًا لتفادي الغموض.

وشمل التعديل ايضا توسيع نطاق الأشخاص المشمولين، ليشمل كل مستخدم في مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية تساهم الدولة في رأسمالها، في خطوة اعتُبرت ضرورية لحماية المال العام في مختلف الفضاءات التي لها علاقة بالتمويل العمومي، ولو بشكل غير مباشر.

نقاشات معمقة

و لم يمر المشروع دون إثارة ردود فعل من مختلف الأطراف، فقد اعتبرت نقابة القضاة خلال الاستماع الى ممثيلها في لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب أن حماية المال العام تقتضي الإبقاء على أدوات زجرية رادعة، لكنّها حذّرت من بعض الصياغات الغامضة، على غرار الجمع بين “التعمد” و”سوء النية”، وطالبت بتحديد دقيق لمفاهيم حسن النية، كما رفضت منح الحصانة لموظفين ينفذون تعليمات كتابية قد تتضمن تجاوزات.

و في السياق ذاته، عبّر ممثلو هيئة المحامين عن خشيتهم من أن يؤدي حذف بعض العبارات القانونية أو عدم تعديل الفصول المرتبطة بها إلى تضارب في التأويل القضائي، كما دعوا إلى استبدال عبارة “تعليمات” بـ”أذون كتابية” لتوفير غطاء قانوني صريح للمأمور. وأكدوا على ضرورة ضبط صفة الجاني بدقة، وربط المتابعة القضائية برأي محكمة المحاسبات كضمانة للجدية.

ولم يكن موقف رئاسة الحكومة ووزارة العدل الذي تم التعبير عليه صلب اللجنة رافضا لمبدأ التعديل، بل على العكس، تم التعبير عن دعم واضح لمراجعة الفصل 96 في إطار تطوير السياسة الجزائية وتحديث المنظومة القانونية لمكافحة الفساد دون تعطيل العمل الإداري.

لكن ممثلي الحكومة لم يخفوا تحفظاتهم على بعض جوانب الصيغة المقترحة، لاسيما العقوبة السجنية المنقحة التي قد تُحدث تداخلاً في تصنيف الجريمة، بالإضافة إلى معارضة اشتراط حكم صادر عن محكمة المحاسبات قبل تحريك الدعوى العمومية لما يحمله من تعقيدات قانونية وإجرائية.

ودعت الوظيفة التنفيذية إلى ضرورة توحيد المفاهيم القانونية المستخدمة داخل الفصل المعنيّ ومشتقاته، مقترحة الصياغة “مخالفة النصوص القانونية والترتيبية الجاري بها العمل”، مع التشديد على أن الصيغة النهائية ينبغي أن تضمن وضوحًا كافيًا يحول دون تعدد القراءات والاجتهادات القضائية المتضاربة.

ويُنتظر أن يشهد اليوم الدراسي المرتقب مشاركة أوسع لمكونات المجتمع المهني والمدني، لتدقيق المفاهيم وإعادة اختبار الصياغة من زوايا متعددة، بما يضمن أن يكون الفصل المعدل أداة فاعلة في التصدي للفساد دون أن يكرّس عقلية الخوف أو يجمّد القرار الإداري.

ويرى مراقبون ان مراجعة الفصل  96 من المجلة الجزائية أحد المفاتيح الأساسية لإعادة ثقة الموظف في النظام القانوني، واستعادة ديناميكية القرار داخل المؤسسات العمومية، بعيدا عن ثقافة “الانتظار والتردد” التي عطّلت مصالح الدولة والمواطنين على حد سواء في سنوات

يمكن القول انه بين ثنائية الردع والحماية، يبقى الرهان الأساسي هو تأسيس أرضية قانونية تجعل من الفعل الإداري مسؤولية قائمة على الشفافية لا مقامرة قانونية محفوفة بالمخاطر. 

Related posts

بوعسكر : هيئة الانتخابات لا يمكنها البقاء مكتوفة الأيدي أمام مخالفات خطيرة

Moufida Ayari

تحسّن سعر صرف الدينار أمام الدولار الأمريكي

Na Da

مجلس النواب: إقرار جلسة عامة يوم 26 ديسمبر للنظر في مشروعي قانونين

Ichrak Ben Hamouda

Leave a Comment