26 C
تونس
11 يوليو، 2025
اقتصاد

لا يرحبون بها إلا خلال الأزمات العالمية:أصحاب النزل “يعطلون” السياحة الداخلية بأسعارهم “الخيالية”

مع قدوم فصل الصّيف يَصل الموسم السياحي في تونس ذروته. وعندما نتحدث عن السياحة في تونس فإن أول ما يتبادر إلى الذهن فنادق المناطق الساحلية والسيّاح الأوروبيين، وبدرجة أقل السياح المغاربيون (الجزائريون أساسا)، والحال أن هناك مكوّن أساسي في السوق السياحية التونسية يكاد لا يذكره ولا يتذكره أحد: السيّاح المحليون. هؤلاء السياح المنسيون لا تُخَصّص لهم عروض سياحية جذابة بأسعار منخفضة مثلما يتمتّع بذلك الأجانب، ولا يتمّ استقبالهم في المطارات والموانئ بعروض فلكلورية شعبية و”عِقد الياسمين” وتغطية إعلامية خاصة. وهم غير مرحّب بهم كثيرا في المنشآت السياحية الفخمة وشواطئها “الخاصة” كما ان الاسعار المقدمة لهم فوق طاقة التونسيين دون ان يوجد ما يبرر ذلك وحتى ان تعلل اصحاب الفنادق بان التونسي لا يحجز الا في وقت متاخر فهذا الكلام مردود عليهم لان الاسعار من نار ولا يمكن مقارنتها بالاسعار المقدمة للاجانب حتى وان حجز التونسي في شهر ماي.

مساهمة مهمة لكنها مهملة

في سنة 2024 قضّى التونسيون 5،8 مليون ليلة في مختلف الفنادق التونسية، أي 21،3 % من جملة الليالي المقضاة خلال كامل السنة، والتي بلغ عددها 27 مليون ليلة، حسب أرقام عرضها وزير السياحة، سفيان تقية، خلال حضوره جلسة  في مجلس نواب الشعب يوم 22 مارس 2025. وكان نَفس الوزير قد أكّدَ خلال جلسة عمل  استراتيجية لتطوير السياحة الداخلية، عُقِدَت في ديسمبر 2024، أن السياحة الداخلية تساهم بحوالي 25 % من إجمالي حجم النشاط السياحي في تونس. 

وبحسب الأرقام الواردة في التقرير الإحصائي السنوي للديوان الوطني التونسي للسياحة لسنة 2023، نجد أنّ السياح التونسيين المقيمين في تونس أنفقوا 2،732 مليار دينار من جملة 11،122 مليار دينار هي حجم العوائد المباشرة لقطاع السياحة (إيواء، مطاعم ونقاط بيع مشروبات، نقل، خدمات سياحية أخرى)، وإذا ما احتسبنا أيضا السّلع والخدمات غير المباشرة فإن إنفاق التونسيين خلال أنشطتهم السياحية تجاوز مبلغ 4 مليارات دينار (من جملة 14،5 مليار دينار، أي حوالي 28 %). تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الأرقام تشمل الإنفاق الذي يمر عبر المسالك المنظمة، ولا تشمل المبالغ التي يُنفقها التونسيون في وحدات الإيواء السياحي غير المهيكلة خلال قضاء عطلهم في شقق وفيلات لا يُصرّح ملاّكها بأنشطتها ومداخيلها أو لدى أقارب او أصدقاء يقطنون في مدن سياحية. وبما أن أسعار الجزء الأكبر من الفنادق والمنشآت السياحية المرخّصة بعيدة عن متناول العديد من التونسيين، فمن المؤكد أن الإيواء غير المهيكل يستقطب جزءا هاما من السياح المحليين ومن الليالي السياحية المقضاة، فضلا عن النفقات التي تذهب إلى المطاعم الشعبية ومحلات المواد الغذائية والخضر واللحوم وغيرها والباعة المتجولين وغيرهم.وهو ما يزيد في تحريك الدورة الاقتصادية في عديد الجهات الساحلية مثل غار الملح ورفراف وبعض معتمديات نابل او المهدية وغيرها من الاماكن التي يقبل عليها التونسي في فصل الصيف للتنعم ببحورها وهوائها العليل. 

هناك مؤشر آخر على تطور الإنفاق السياحي لدى التونسيين، وهو تزايد عدد وكالات الأسفار العاملة في البلاد: من 570 وكالة  سنة 2008  إلى 987 في سنة 2014، وصولا إلى 1675 وكالة في عام 2023.  هذه الأرقام والمعطيات، على الرغم من أهميتها ودلالاتها، لا تحظى باهتمام كبير في الخطاب الرسمي والإعلامي، إذ يتم عادة التركيز على عدد السياح الأجانب، خاصة الغربيين، وعدد الليالي المقضاة في النزل المصنفة وحَجم العائدات بالعملة الصعبة. 

الوزارة تؤكد على اهمية السياحة الداخلية

شدّد وزير السياحة سفيان تقية، يوم الأربعاء 25   جوان 2025 ، خلال يوم إعلامي مفتوح حول السياحة الداخلية على أهمية السياحة الداخلية التي تُعتبر قطاعا حيويا لدفع التنمية المحلية جهويا ووطنيا. وأكّد سفيان تقية على أنّ مؤشّرات عدد الليالي المقضاة للتونسيين المقيمين بلغت حولي 6 ملايين ليلة، ما يُمثّل 2.5 مليون تونسي، وهو ما يُمثّل 38% من إجمالي المقيمين في النزل، مما يعكس حجم إقبال التونسيين على المنتوج السياحي الوطني ومكانة السياحة الداخلية ودورها المتنامي في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية.

وأكّد سفيان تقية على أنّ الوزارة تعمل على تطوير القطاع بما يُلبي حاجيات التونسيين، لذلك تمّ تنظيم ورشتيْ نقاش اليوم حول تعزيز هذه المكتسبات بملاءمة المنتوج السياحي لمتطلبات السياحة الداخلية وضمان جودة السياحة التونسية وآفاق ترويج السياحة الداخلية بالتنسيق مع أهل المهنة الذين قدّموا عدّة إضافات.

وأشار إلى أهمية اعتماد الرقمنة والتطبيقات الالكترونية للتعريف بالعروض وتنظيم الحجوزات ودور أصحاب المؤسّسات الناشئة في تسليط الضوء على أهمية الرقمنة في تنظيم الحجوزات وتوفير أسعار تفاضلية من خلال التعامل مع وكالات أسفار معتمدة والتي تضمن حقوق المستهلك، معتبرا أنّ الرحلات المنظّمة تكتسي أهمية خاصّة في منظومة السياحة الداخلية باعتبارها أداة عملية لتسيير النفاذ للعروض وتوفير عروض موجّهة ومتكاملة لفائدة السائح التونسي.

تقنين حق التونسي في السياحة الداخلية بأسعار عادلة

طالبت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك في بلاغ لها يوم 30 جوان 2025، بإطلاق مبادرة تشريعية عاجلة وملزمة تُكرّس حقّ المواطن التونسي وخاصة العائلات ذات الدخل المحدود في الانتفاع بنسبة لا تقلّ عن 30 بالمائة من الطاقة السياحية الوطنية، تُخصّص له بأسعار تفاضلية، واضحة وشفافة، وتخضع للرقابة من قبل جهات مستقلة.

و دعت المنظمة إلى تفعيل آلية وطنية دائمة للسياحة الاجتماعية، تُعبّأ في إطارها الموارد والمنشآت العمومية غير المستغلة خلال العطل والمواسم على غرار المبيتات والمطاعم المدرسية والجامعية ، دور الشباب والثقافة ، مراكز التخييم والمركّبات الرياضية وذلك لتوفير الإقامة والأنشطة لفائدة الأطفال والتلاميذ والطلبة والشباب، ضمن برامج ترفيهية، ثقافية وتربوية متكاملة.

ودعت إلى إدراج بند خاص في قانون المالية القادم، يُرصد فيه تمويل عمومي قار لدعم السياحة الاجتماعية والداخلية، إلى جانب إقرار حوافز ضريبية للمؤسسات السياحية التي تلتزم بالانخراط في هذا التوجه.

وأكدت أن حقّ المواطن في الترفيه والمعرفة الجغرافية والثقافية ببلاده هو حق مدني أصيل، لا يخضع فقط لمنطق السوق، بل يُعدّ ركيزة من ركائز الانتماء والمواطنة والتنمية المتوازنة.

ملامح السياحة الداخلية في تونس

إذا ما استَنَدنا إلى الأرقام الرسمية لسنة 2024، فسنجد أن 2،4 مليون سائح تونسي قضّوا 5،8 مليون ليلة في النّزل، أي أن معدّل الليالي المُقضَّاة هو 2،4 ليلة لكل سائح. هذا المعدّل ليس بعيدًا عن معدل الليالي المقضاة من طرف السياح الأجانب: حوالي 7 مليون سائح قضوا 21،3 مليون ليلة في المنشآت السياحية، أي بمعدّل 3 ليالي تقريبا لكل فرد. طبعًا هذه الإحصائيات تقتصر على المنشآت الفندقية المُصنّفة، ولا تُحتَسب عدد الليالي المقضاة في أشكال الإيواء الأخرى. هناك أيضا اختلافات كبيرة عند تفحص نفقات السائح المحلي والسائح الأجنبي (استنادا إلى ارقام  المعهد الوطني للإحصاء). يخصص التونسي 26 % من نفقاته السياحية للايواء، و22 % للمطاعم والمقاهي والحانات، و5 % مصاريف تنقل، و34 % لمواد استهلاكية متنوعة و13 % لخدمات مختلفة. أما السائح الأجنبي فيخصص لهذه البنود النسب التالية: 39،5 % و12،4 % و21،1 %  و20 % و7 % .وبما أن معدل الليالي المقضاة في النزل متقارب لدى الشريحتين، في حين أن نفقات الإيواء أعلى لدى الأجانب، فيمكن أن نستنج -استنادا أيضا إلى القدرة الشرائية للتونسيين- أن التونسيين يتوجهون أكثر للوحدات الفندقية الأقل تكلفة (الحائزة على تصنيف أقل من 4 نجوم) في حين يقبل الأجانب على الوحدات الأكثر رفاهية (4 و5 نجوم) نظرا لارتفاع مَقدرتهم الشرائية وتمتعهم بتخفيضات وعروض تفاضليّة.  على مستوى الحجوزات مازال الجزء الأكبر من السيّاح الغربيين يُفضّلون الإقامة في فنادق، ويتركون تنظيم رحلاتهم إلى تونس في مختلف تفاصيلها لوكالات أسفار عالمية تتحكّم بشكل كبير في حجم تدفّق السياح وتكلفة الإقامة وبرنامج العطلة. ولكن هذا الواقع في تراجع مستمرّ، إذ أن عدد متزايد من السيّاح -بخاصة الأصغر سنّا- أصبحوا أكثر استقلالية ويُحبّذون تنظيم سفراتهم وبرنامجها بأنفسهم بدلاً من العروض الجاهزة. 

هناك أيضا اختلافات “ثقافية” بين الشريحتين، فالسياحة الداخلية عائلية وجَماعية بامتياز، ومن الرائج كثيرا أن تتقاسم عدة عائلات تربطها صلات قرابة أو صداقة نفس الشقة خلال العطلة للاستمتاع بالصحبة أو تقاسم التكاليف، على عكس السياح الأجانب الذي يأتي أغلبهم كأفراد وأزواج، أو في مجموعات صغيرة. ويُعتبر الموظفون الشريحة الأكثر إقبالا على الفنادق في تونس، نظرا لأن وضعيتهم المهنية المستقرة -حسب معايير البنوك ومسدي الخدمات في تونس- تُتيح لهم تقسيط تكاليف الإقامة، كما أن الكثير من المؤسسات والتعاونيات والنقابات التابعة للقطاع العمومي تربطها اتفاقيات بوكالات أسفار ومنشآت سياحية حتى تضمن أسعار تفاضلية لمنظوريها. ويلاحظ أن تقسيط تكاليف العطلة أصبح أمرا رائجا بقوة في ظل عدم تناسب القدرة الشرائية لعموم التونسيين مع الأسعار التي تَعرضها المؤسسات السياحية، بخاصة في المناطق الأكثر جاذبية.  

على مستوى الوجهات الصيفية، فإن التونسيين يُفضلون التوجه إلى المدن الساحلية السياحية التي تتوافَر فيها إمكانية تأجير شقق بأسعار “مقبولة”، حيث تكون الخدمات والسّلع ملائمة لمقدرتهم الشرائية المحدودة مثل سواحل ولايات المهدية والمنستير وسوسة ونابل. ويتجنّب أغلبهم المناطق الأعلى تكلفة مثل “ياسمين الحمامات” وجربة والضواحي الشمالية للعاصمة تونس، حيث يكون حضور السياح الأجانب أقوى. 

ارتفاع الاسعار حاجز امام  التونسي والتمتع بالسياحة في بلاده

في ديسمبر الماضي اكد رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار أحمد رجب في تصريح لاذاعة خاصة أن الاشكال في عدم إقبال التونسيين على السياحة الداخلية يتمثل في ضعف المقدرة الشرائية، مقارنة بالأسعار المشطة الناتجة عن التضخم وارتفاع أسعار التعريفات مقابل الأجور التي لا تغطي المصاريف. وبين أن السوق الداخلية تمثل بين 20 و30 بالمائة بالنسبة للسياحة ويجب مع ذلك القيام بحملات توعوية للتشجيع على السياحة الداخلية وللحجز المبكر، مبينا أنه منذ 2017 برزت منتوجات سياحية جديدة في تونس.

وأقرّ أحمد رجب بأنه في ذروة الموسم السياحي في جويلية وأوت تكون الأسعار مرتفعة، وبالتالي فإن العمل ضروري على إيجاد أسعار تتماشى مع الحريف ومقدرته الشرائية، مؤكدا الاهتمام بالسائح التونسي في جميع المواسم السياحية سواء في الصيف أو في الشتاء.

مقابل ذلك اعلنت منظمة ارشاد المستهلك على لسان رئيسها لطفي الرياحي في تصريح له لاذاعة خاصة قبل اسابيع قليلة أنّ القدرة الشرائية للعائلة التونسية، لا تسمح له بالترفيه خلال عطلة الصيف،وفق قوله مبينا أنّ كلفة السياحية، داخل نزل  من فئة 3 نجوم، بالنسبة للعائلة تتكون من 4 أفراد، تتجاوز  ألفي دينار، لمدة 5 أيام بينما تصل إلى 6 ألاف دينار لنزل من فئة 5 نجوم، وهي أسعار مُشطّة وفق قوله مضيفا أنّ السياحة بالنسبة للأحياء الشعبية التي تُحاول قضاء عطلة الصيف في الضاحية الشمالية أو الجنوبية لتونس، تترواح بين 150 و200 دينار يوميا. واعتبر لطفي الرياحي، أنّ كلفة السياحة الداخلية مُشطّة جدا، داعيا إلى ضرورة التشجيع على السياحة التضامنية من خلال توفير المطاعم الجامعية والمدرسية لفائدة الأطفال خلال فصل الصيف وأكد رئيس منظمة ارشاد المستهلك، أنّ عديد العائلات التونسية لم تقض العطلة الصيفية منذ سنوات نظرا لتدهور المقدرة الشرائية مقابل ارتفاع أسعار السياحة الداخلية.

ياسين الصيد

Related posts

رئيسة الهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية :”دور مراقب المصاريف العمومية سيكون أكثر مرونة مع إرساء الرقابة المعدلة”

سماح باشا

اليوم: انطلاق عملية الإكتتاب بالقسط الثالث من القرض الرقاعي الوطني

marwa

تونس تسدد ما يناهز 18،1 مليار دينار قيمة إصداراتها على السوق المالية الدوليّة

Na Da

Leave a Comment