11.2 C
تونس
19 ديسمبر، 2024
سياسة وطنية

القاضية روضة القرافي لـ24/24 : المجلس الأعلى للقضاء ليس خطرا داهما حتى نفكر في حله وتشريع السلطة التنفيذية للسلطة القضائية مظهر من مظاهر الفساد

هناك انحراف في مفهوم التدابير الاستثنائية

القضاء حقق الكثير من الضمانات لابد من المحافظة عليها

لن نسمح للسلطة التنفيذية بابتلاع السلطة القضائية

حاورتها : أنيسة طه  

اعتبرت روضة القرافي الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين ,أن بلادنا  تعيش منذ تاريخ بداية التدابير الاستثنائية  في  25 جويلية والى غاية اليوم أي بعد 6 أشهر من تاريخ هذه الإجراءات, وضعية أزمة شاملة ومتعددة الجوانب وهي أساسا  أزمة سياسية  ولكنها أيضا مؤسساتية واقتصادية  واجتماعية  وأكدت القرافي في تصريح لـ24/24 , ان هذه الأزمة هي أزمة مستحكمة وناتجة عن الانحراف  بمفهوم التدابير الاستثنائية, التي تطبق في تونس خارج كل تحديد زمني وبوضع  رئيس الجمهورية يده تقريبا على  كل السلطات وهذا مالا يقتضيه المفهوم القانوني والقديم  للتدابير الاستثنائية والمدروس في فقه القضاء الدستوري.

وهذا نص الحوار كاملا:

كيف تقيمون المشهد السياسي في بلادنا منذ تاريخ انطلاق الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية والى غاية اليوم؟

 لا يمكن بأي حال من الأحوال في المفهوم القانوني للتدابير الاستثنائية ان يعلو أمر مثل الأمر عدد 117 على الدستور ويمس منه, لأنه في التنظيم القانوني والدستوري يعتبر النص الدستوري هو أعلى النصوص ولايمكن لنص أمر أن يعلو الدستور ويضرب أهم مرتكزات دولة القانون وهو مبدا التفريق بين السلط الثلاثة. و للأسف الشديد، فرئيس الجمهورية لا يتحمل لوحده المسؤولية في هذا، بل أيضا مجموعة مستشاري القانون العام الذين يعملون معه وبخلاف ما يروجون له من مغالطات من حيث مقارنة وضع تونس بوضع فرنسا وذلك عند الحديث عن مرور التجربة الفرنسية من دستور الجمهورية الرابعة إلى دستور الجمهورية الخامسة. وما يخفيه هؤلاء في تجربة فرنسا  ان ما حصل كان  بموافقة السلطة التشريعية والبرلمان الفرنسي ودون سن  أمر مثل الأمر 117 بل حصل  اتفاق على تعديل بنود دستور الجمهورية الرابعة حتى تصبح أكثر سرعة وأكثر بساطة في حين أن الامر 117 ضرب نهائيا مبدأ  التفريق بين السلط  وهذا ما  لا يصرحون به  زد على ذلك فإن التجربة الفرنسية تم  تحديدها آنذاك  بستة اشهر على عكس ما هو في تونس  إذ لم يكن هناك اتفاق حول التدابير الاستثنائية وصيغت فيها بدعة الأمر 117  الذي ألغى نظام التفريق بين السلط كما أن هذه التجربة لم تعلق دستورها  الذي بقي قائما ووضعت لجنة لصياغة  دستور جديد وتحديد الفترة كان واضحا بستة أشهر.

اعتبرتم أن حل المجلس الأعلى للقضاء عن طريق مرسوم رئاسي خطا احمرا، لو توضحون أكثر؟

 هذا وجه آخر من المغالطات الكبيرة التي يتحملها من يساعد رئيس الجمهورية على البدع الدستورية بالنسبة للوضع القضائي فمن المعلوم ان التدابير الاستثنائية المعمول بها , والتي تعود الى القانون الروماني فإنه في حالة مواجهة المجتمع  لخطر خارجي وعندما  يتم تفويض السلطات  بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية,  فإن السلطة التي لايقع المساس بها  أبدا هي السلطة القضائية  وحتى  في صورة تفويض السلط والذي يفترض ان يتم بالاتفاق ,يعني تفويض السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية  في الحالات  الاستثنائية فإنه من الممكن ان  يقع اختلال كبير في المجتمع  بسبب جمع السلطة التنفيذية لسلطتين بين  يديها ويصبح هناك تهديد للحقوق والحريات. ولكن مهمة التعديل هنا تكون للسلطة القضائية  التي تقوم  بمهمة الرقيب  فهي التي تحمي من تجاوزات وانحرافات  السلطة  التنفيذية  ضد الحقوق والحريات و هذا من حيث المبدأ  مفهوم  قديم ومدروس للتدابير الاستثنائية  ومن يساعد على التبرير ويبث المغالطات حول  الوضع الاستثنائي هو للأسف  يواصل حملة التبرير الى  اليوم .

 ونحن نرى أن رئيس الجمهورية، أعطى من العلامات الواضحة منذ البداية على توجه وضع اليد على القضاء والعودة به الى الوضع السابق من خلال أول اشارة صادمة في 25 جويلية، بإعلانه ترأس النيابة العمومية في إطار التدابير الاستثنائية. ولولا تراجعه عن ذلك في ظل الصد الكبير للمجتمع المدني، لكان هذا القرار معلنا في الرائد الرسمي مع جملة القرارات التي أعلن عنها من رفع الحصانة على النواب وتعليق البرلمان وإقالة الحكومة.

 وبتقدم الفترة الإستثنائية بدأ الحديث عن حل المجلس الأعلى للقضاء وكلف الرئيس وزيرة العدل بصياغة مشروع قانون للمجلس وشن ضده حملة من الازدراء والاتهام بالتقصير والفساد, وهي حملة ضد كل القضاة وكأن كل القضاة في سلة واحدة وفي ممارسة غريبة وفي شبه تحضير للرأي العام لحل هذا المجلس.

 وهذا ما دفع بالبعض إلى الدعوة للهجوم على المحاكم بدعوى التطهير وبأسلوب الاتهام الشامل في مناسبة أولى في 17 ديسمبر وبعدها في 14 جانفي بفرض حله بالقوة وهذا في نظرنا تحضير لاستضعاف القضاة حتى يصبح حل المجلس أمرا سهلا. ونحن لا نغالط الرأي العام  حول حقيقة وجود إخلالات في الجهاز القضائي  فقد خرجنا من منظومة فساد واستبداد ولم نكن  في الجنة وهذا  الفساد المؤسسي  اما ان تقوم عليه  أنظمة ديمقراطية او العكس وأوجه الفساد هذه مست القضاء والإعلام والأمن والإدارة  والسؤال الأهم هو  كيف ومتى نعالج هذه المظاهر للفساد هل بالرجوع بالقضاء الى التبعية للسلطة التنفيذية أو بتفعيل جهاز الرقابة بواسطة أجهزة الرقابة.

والرئيس اليوم  إذا أراد أن يحقق نتائج فيما يخص  التتبعات ضد القضاة الذين تشوبهم شوائب في مسألة النزاهة  فهو الذي يشرف على التفقدية العامة  ووزيرة العدل ولهم كل الإمكانات لإحالة الملفات للمجلس لتسليط الجزاءات  والتتبعات اللازمة.  وهنا أقول أنه إذا نحن تمكنا قبل 25 جويلية من خلال المجلس من تحقيق نتائج هامة فيما يتعلق بالملفات الـ13 والمتعلقة بالتقرير الشهير للتفقدية العامة,  بما فيها ملف الرئيس الاول ووكيل الجمهورية السابق وكان انطلق العمل عليها من المجلس الاعلى للقضاء من قبل  ثم وتحت الرقابة المجتمعية والضغط الإيجابي بعد البطئ في حل الملفات توصلنا الى نتائج لم تتحقق في تاريخ القضاء التونسي . ثم أن القضاة لم يكونوا قضاة متلبسين بالجرم بل أنهم قضاة في دولة مستبدة عملت على التغطية عليهم وتطويعهم لمصالح أطراف معينة. فالمجلس حقق نتائج في ظل منظومة ما قبل 25 جويلية فمابالك بعد هذا التاريخ ومع بداية المسار الديمقراطي إذ كان من الممكن أن يحقق المزيد من النتائج الإيجابية ومن غير المنطقي التفكير في حله فالمجلس الأعلى للقضاء هو هيكل دستوري والوضع القضائي هو وضع دستوري وحله هو مساس بالوضع بالدستور والسلطة القضائية ولايمكن  في دولة القانون بأي شكل من الأشكال أن  تشرع لها السلطة التنفيذية  فهذا من المحاذير الكبرى لأنها عندما  تشرع لها  تطوعها وتصبح تابعة لها وهو ما يؤسس لفساد النظام .

لاحظنا تباينا كبيرا في المواقف بين الحقوقيين وأهل القضاء في مسألة حل المجلس من عدمها ما هو رأيكم؟

لابد أن يعرف الجميع انه من المخاطرة التورط في المساس بالقضاء في الوضع الحالي لأننا  كقضاة ,في وضع عدم توازن مع السلطة التنفيذية التي تريد التشريع للقضاء ولو فرضنا وتقرر حل المجلس والأمر في يد رئيس الجمهورية فإن أي رجل قانون ومتابع نزيه لا يمكن أن يساند حل المجلس بمرسوم لان في ذلك مساس بالوضع الدستوري للسلطة القضائية وهي احدى سلط الدولة الثلاثة ولن نقول انه  لا توجد مشكلة في قانون هذا المجلس ولكن الأهم هو متى وكيف يمكن حله , ودون وجود ضمانات فنحن الآن في وضعية غياب تام للضمانات, ليس هناك سلطة تشريعية ولا محكمة دستورية  ولا هيئة رقابة على  دستورية  القوانين فأين سنطعن في المرسوم إن صدر. الى جانب غياب  ضمانة اخرى وهي إمكانية الطعن لدى المحكمة الإدارية والتي ألغيت بالأمر 117  ثم أن الوضع الدستوري  للسلطة القضائية  اليوم تختلف فيه الرؤى من خلال نظريتين الأولى  هي رؤية محافظة ترى أن القضاء يجب أن يكون تابعا  للسلطة التنفيذية ورؤية ثانية ديمقراطية, ترى أنه سلطة قائمة بذاتها.  وإذا كان المسار الديمقراطي اليوم متوقفا, وفي فترة سابقة ومع فاعلين ديمقراطيين سواء في مجلس النواب ومع المجتمع المدني تمكن القضاء من الحصول على مستوى رفيع من الضمانات والاستقلالية فتلك القوى الحية ساعدت القضاء كثيرا. أما اليوم فهذه القوى مغيبة وضعيفة وخارج دائرة الفعل لان البرلمان غير موجود فهل سنتحصل على ما يكفي من الضمانات في ظل قرار فردي وآحادي. نحن نرى انه  لابد من العودة للنظام العادي والخروج من وضعية الاستثناء والعودة الى التوازن حتى تكون لدينا دفاعات طبقا لمبادئ دولة القانون ويكون للسلطة التشريعية وحدها مهمة التشريع للقضاء.

ماهو رأيكم في قانون الإقامة الجبرية؟

هذا القانون هو قانون غير دستوري ومخالف للاتفاقات الدولية الملزمة للدولة التونسية بما فيه من مساس بالحقوق والحريات من ذلك الحق في التنقل والحق في الصحة والسلامة الجسدية وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية. فهذه المحكمة قالت ان الأمر عدد 50 لسنة 1978 هو مخالف للمواثيق الدولية ومخالف للشرعية ويخضع لشروط معينة وقد وقع اصدار هذا الامر للنقابيين في تلك الفترة التي عرفت استبدادا مطلقا بعد مواجهات بين السلطة واتحاد الشغل حول تدهور الأوضاع المعيشية . ويشترط في هذا الأمر الاعلام المسبق للمعني بالأمر وحاليا ما نشهده اما ان يقع الاعلام شفاهيا أولا يقع بتاتا حتى لا يتم الطعن فيه لدى المحكمة الإدارية وهو ما أدى الى الغائها للقرارات. ويشترط ان تكون الإقامة محددة في الزمان والمكان وحسب المحكمة الإدارية فإن مبررات قرار الإقامة الجبرية ان يكون المعني خطر على الامن العام وهو ما يفسر أن القرارات الأخيرة هي قرارات مخالفة للشرعية ومفوضة حقوق الانسان تحدثت عن احتجاز خارج القانون.

في الأخير ماهي رسالتك للقضاة وللطبقة السياسية؟

أقول للمجتمع التونسي والقوى الحية أن القضاء التونسي حقق الكثير من الضمانات وأحذر من المساس به ومن مغالطات الرجوع الى الوراء بوضع اليد على القضاء في مسائل تعيين وترقية وتسمية ونقل  القضاة والمشكل ليس في رفض إصلاحه ولكن كيف ومتى يتم الإصلاح حتى لا تبتلعه السلطة التنفيذية عندما تشرع له بمفردها ودون مؤسسات رقابة عليها.

  أما القضاة فادعوهم للتمسك بمؤسستهم على هناتها وبنفس المعنى ان لا يقعوا في اغراءات توريطهم في التراجع بضمانات استقلاليتهم اما المجلس الأعلى للقضاء فله موقف واضح يؤكد انه في وضع دستوري لا يمكن المساس به الا في ظل وجود دستور ومجلس نواب وانه في هذا الوضع الاستثنائي وفي أي حالة من الأحوال لا يشكل خطرا داهما يستوجب حله.  

Related posts

رئيسة الحكومة تشرف على اجتماع خلية أزمة اثر النيران التي اندلعت بملولة

رمزي أفضال

الغرفة الثانية:سنواصل النضال من اجل تحقيق اهداف الثورة

صابر الحرشاني

اجتماع استثنائي للبنك المركزي بسبب الأزمة الروسية الأكرانية

root

Leave a Comment