27.9 C
تونس
21 مايو، 2024
سياسة

بين الرئيس والإتحاد الضغط يُوَلّد الإنفجار

توتّر وتشنّج العلاقات بين الرئيس قيس سعيد والاتحاد العام التونسي للشغل ووصولها تقريبًا لنقطة اللاّعودة مع ظهور مؤشّرات وبوادر تصادم أصبح مسألة وقت لاغير 

خاصة بعد إيقاف الكاتب العام للنّقابة الخصوصيّة لشركة تونس الطرقات السيارة وتصاعد عبارات التهديد والتهديد المضاد بين طرفي الصراع البارد لحد الآن

الرسالة الواضحة والصريحة شكلًا ومضمونًا خاصة في سياقها  المكاني ثكنة الحرس الوطني بالعوينة والتي أرسلها الرئيس قيس سعيد للاتحاد العام التونسي للشغل كانت عنوانًا رئيسيًّا لمرحلة جديدة وحدودًا رسمها الرئيس سعيد كخطوط حمراء يُمنع على الاتحاد تجاوزها أو حتى الاقتراب منها فعندما يقول رئيس الجمهورية وبنبرة حادة تحمل عديد الإشارات والمؤشّرات في عمقها وبين سطورها الحق النقابي مضمون بالدستور لكن لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية فهذا يعني تحييد الاتحاد عن المجال السياسي الذي تعود عليه منذ التأسيس إبان الحركة الوطنية ثم دولة الاستقلال وصولًا للعشرية الأخيرة وهذا ما صرح به الأمين العام المساعد حفيظ، حفيظ لإحدى الإذاعات حيث أفاد قائلًا أن  الاتحاد دعا الى الحوار الوطني والسلطة تعلن الحرب !!!

بات واضحًا أن الرئيس قيس سعيد يرغب وبشدة في نزع الحقيبة الاجتماعية والاستحواذ على الزر الاجتماعي الذي يمسك به الاتحاد منذ ما يزيد عن السبعين سنة

قد يخفى عن البعض سر العلاقة المتوترة وغياب الانسجام وحالة البرود  بين الاتحاد والرئيس قيس سعيد منذ إستلامه مقاليد الحكم لكن من هم متابعين للشأن العام يدركون جيدًا أصل حالة اللاّحرب واللاّسلم بين المنظّمة الشغيلة وسلطة الأمر الواقع متمثلة في الرئيس قيس سعيد حيث تعود الأسباب لفترة الاستحقاق الانتخابي الرئاسي سنة 2019 وتحديدًا عند مرور المرشح قيس سعيد آنذاك للدور الثاني صحبة نبيل القروي ومطالبة الاتّحاد والضغط على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في شخص رئيسها نبيل بفون بإلغاء المسار الانتخابي وإعادته كليًّا بسبب قبوع المنافس نبيل القروي في السجن مما يضرب العملية الانتخابية في جوهرها وينسف مبدأ تكافئ الفرص حسب تعبير الاتحاد العام التونسي للشغل ليعتبر قيس سعيد منذ تلك اللحظة أن الاتحاد استهدفه وحاول قطع طريق قرطاج أمامه بكل ما أوتي من قوة خاصة بعد هزيمة عبد الكريم الزبيدي مرشح الاتحاد  الخفي والذي أقاله قيس سعيد مباشرة أيامًا قليلة  بعد وصوله قصر قرطاج.

وفي خطاب التنصيب يوم 23 أكتوبر 2019 لم ينسى سعيد الردّ على محاولات الاتحاد نسف احلامه بالوصول سدة الحكم واعتلاء كرسي قرطاج  حيث وجه إليهم تلك الجملة الشهيرة التي فيها إن المنظّمات الوطنية دورها الأساسي قوة الاقتراح فقط وهي إشارة لما يحدث اليوم بين السلطة والاتحاد من صراع نفوذ وسلطة قد يتحول لصراع وجود قريبًا

رغم كل محاولات رأب الصدع إلا أن الرئيس قيس سعيد وفلسفته في السلطة وممارسة السياسة كانت النتيجة الرفض القاطع والراديكالي لكامل المنظومة بأحزابها ونخبها ومجتمعها المدني والمنظمات والشخصيات الوطنية ليترجم كل هذا في رفض جميع المبادرات الداعية للحوار الوطني آخرها مبادرة الحوار والإنقاذ للرباعي الجديد.

رئيس الجمهورية كان ينتظر صدور الحكم في قضية إبطال مؤتمر الاتحاد ليتصرف إثر ذلك وفق النتائج الحاصلة ولما كان القرار القضائي بعدم سماع الدعوى ابتدائيا أعلن مباشرة وبطريقة سياسية عبر تعيين محمد علي البوغديري وزيرًا للتربية رفضه مبادرة الإنقاذ ورميها في سلة المهملات مع غيرها من المبادرات وأكثر من هذا رسم حدودًا يمنع على الاتحاد تجاوزها أو حتى الاقتراب منها 

قيس سعيد الذي ضغط وبشكل رهيب قبل وبعد 25 جويلية على جميع مؤسسات الدولة الدستورية وطوعها لصالحه هو الآن بصدد الضغط العالي والقوي على الاتحاد ولي ذراعه بالقوة وسلطة الأمر الواقع.

الأطراف الوحيدة التي يتحاور معها الرئيس قيس سعيد هي القوة الصلبة العسكرية والأمنية رغم الضغط والإحراج الذي يُسببه لها أمام الداخل والخارج الذي يرى في ذلك توريطًا للأجهزة الأمنية والعسكرية في مستنقعات السياسة وهذا ما بدى واضحًا عديد المرات على ملامح وتقاسيم وجوه القيادات الأمنية والعسكرية خلال مجالس الأمن القومي وحتى في اجتماع العوينة الأخير

حالة الإنكار الجماعي التي تعيشها النخبة السياسية والمدنية بجميع اطيافها وأشكالها معارضة ومساندة لمسار الرئيس والجمهورية الجديدة قد تكون نتائجها وعواقبها وخيمة على الجميع خاصة بعد التصنيف الائتماني الخطير والمخيف جدا لتونس وغلق جميع منافذ التمويل والاقتراض  الخارجي بسبب الفشل الجماعي لمسار الانتقال الديمقراطي ومسار 25 جويلية وأكبر حالة إنكار وأخطرها تلك التي يعيشها رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يرفض الاعتراف بفشل مسار الجمهورية الجديدة كما رفضت سابقًا الترويكا الاعتراف بالفشل واعتبرت نفسها أقوى حكومة في تاريخ تونس لتكون النتيجة نكبة 24 جويلية ونكسة 25 جويلية

يبقى ربما النجاح الوحيد الذي قد يُحسب للرئيس قيس سعيد هو الاستحواذ على جميع السُلط وتفرده بالحكم المُطلق وتفكيكه كل المؤسسات الدستورية للدولة والإجهاض على الأجسام الوسيطة وهذا وفقًا  للمعايير الدولية السياسية  يُعتبر  عامل ضعف لأن التجارب الناجحة عادة ما تكون قوتها اقتصادية اجتماعية بالأساس وليست العصى الغليظة وتوريط القوات الأمنية والعسكرية في الصراعات السياسية

الحرب الباردة بين الاتحاد والرئيس قيس سعيد والتي قد تتحول بين اللحظة والأخرى إلى حرب وجود حقيقية وساخنة يبدو أنها قادمة لمحالة خاصة بعد انعقاد الهيئة الإدارية الوطنية  يوم الجمعة 03 فيفري 2023 ورغم أن بيان الهيئة الإدارية كان صوته خافت بالنظر لحجم اللطخة والاستهداف المباشر الواضح والصريح للاتحاد من قـِبل رئيس الجمهورية إلا أن كل شيء يبقى ممكنًا مادامت طبول الحرب تُدق من هنا وهناك

المناخ المتوتر الذي تعيشه البلاد وحالة التوحش السياسي والاجتماعي والاقتصادي تنذر بالخطر الداهم الذي قد يُدمر ويزعزع كيان الدولة ومكتسباتها

الرئيس قيس سعيد الذي هو الآن بلا مشروعية تمنحه الحصانة المعنوية والشعبية وبشرعية قانونية متآكلة وفي غياب الإنجاز وحالة الإنكار التي يعيشها يعتمد فقط على قوة الأمر الواقع التي قد لا تصمد كثيرًا ولا تستطيع الاستمرار في سياسة الهروب إلى الإمام في غياب صمام الأمان ألا وهو السلم الاجتماعي والاقتصادي وما الضغط الرهيب الذي يمارسه الرئيس سعيد على الجميع إلا مؤشر على زلزال وانفجار اجتماعي قد يكون الرئيس قيس سعيد أول ضحاياه سياسيًا.

خالد الهرماسي

Related posts

إنتخاب إبراهيم بودربالة رئيسا لمجلس نواب الشعب

رمزي أفضال

نجلاء بودن لمجلس حقوق الانسان:حرية التعبير والحق في التظاهر هما حجر زاوية في منظومة حقوق الانسان في تونس

yosra Hattab

عبير موسي تطالب نور الدين الطبوبي بالتبرّؤ من تصريحات الناطق الرسمي باسم المنظّمة الشغيلة

هادية الشاهد

Leave a Comment