منذ شروق شمس امس الاربعاء، بدأ حجاج بيت الله الحرام التدفق إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم، وهو الوقوف بعرفة اليوم الخميس، بعد أن قضوا يوم التروية في مشعر منى، استعداداً لهذه اللحظة العظيمة التي يفيض فيها النور الإلهي وتتجلى فيها الرحمة الربانية.
و قد خصّ الله تعالى يوم عرفة بمكانة سامية ومنزلة رفيعة بين الأيام، وتعدّدت الأحاديث والآثار التي تبرز عظمة هذا اليوم وفضائله، ومن أبرزها انه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “أفضل الأيام يوم عرفة” (رواه ابن حبان). وهو يوم يباهي الله فيه أهل السماء بأهل الأرض، كما في حديث جابر: “ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء”، وفي رواية أخرى: “إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته، فيقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبادي، أتوني شعثاً غبراً ضاحين”.
ويوم عرفة هو اليوم الذي نزل فيه قول الله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” (المائدة: 3). قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إني لأعلم أين أنزلت، وأين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت، أنزلت يوم عرفة ونحن بعرفة”.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب” (رواه أبو داود). فهو يوم فرح وذكر وشكر لله، وإن لم يُشرع فيه التكبير الجماعي كما في الأعياد.
وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” (رواه مسلم). وهذا الفضل مخصوص بغير الحجاج، لأن الحاج ينشغل في ذلك اليوم بالوقوف والدعاء والذكر، ولا يُسن له الصيام.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟” (رواه مسلم). وهو دليل على شمول الرحمة ووفرة المغفرة في هذا اليوم المبارك.
أعمال يُستحب الإكثار منها في يوم عرفة
في هذا اليوم الجليل، يُستحب للمسلم أن يتقرّب إلى الله بأنواع العبادات والطاعات، وأن يعمّر وقته بالذكر والدعاء والخشوع، ومن أبرز الأعمال المشروعة فيه:
أولاً: الصيام لغير الحاج
وهو سنة مؤكدة يكفّر بها الله الذنوب الصغائر لسنتين، كما سبق في حديث أبي قتادة. أما الحاج، فالأولى له أن لا يصوم ليتمكن من أداء الشعائر بجهد وخشوع كاملين.
ثانياً: الإكثار من الذكر والدعاء
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” (رواه الترمذي). وهذا الذكر من أعظم ما يُقال في هذا اليوم، إلى جانب الاستغفار، والتسبيح، وقراءة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: التكبير المطلق
يُشرع في يوم عرفة رفع الصوت بالتكبير، وهو من سنن هذا اليوم، وقد ورد بصيغ متعددة، منها:
– الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً
– الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
والمقصود منه إشاعة ذكر الله وتعظيمه في كل وقت.
رابعاً: الدعاء الشامل والمأثور
ليوم عرفة خصوصية عظيمة في استجابة الدعاء، لذا يُستحب للمسلم أن يلح في الطلب، وأن يكثر من الدعاء لنفسه، وأهله، ووالديه، ومن يحب، وسائر المسلمين. ومن الأدعية المأثورة:
“اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي، ولك رب تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر…”.