36.7 C
تونس
24 يونيو، 2025
وطنية

إثر سنوات من حل هيئة مكافحة الفساد:مبادرة برلمانية جديدة لحماية المبلغين عن الفساد

أحال مكتب مجلس نواب الشعب مؤخرا إلى لجنة تنظيم الإدارة مقترح قانون أساسي يتعلق بتنقيح القانون عدد 10 لسنة 2017 المؤرخ في 7 مارس 2017، المتعلّق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين.

وقد تقدّم بهذا المقترح عدد من النواب، الذين اعتبروا أن الظرف التشريعي والمؤسساتي الراهن يتطلّب مراجعة شاملة لمنظومة الإبلاغ عن الفساد، في ضوء ما شهدته البلاد من تحولات دستورية وإدارية.

دوافع المبادرة

ويقول النواب اصحاب المبادرة ان هذا المقترح يسعى الى اعادة ضبط العلاقة بين الدولة والمبلّغ، بعد أن أصبحت الثغرات القانونية والممارسات الإدارية تشكّل عائقًا أمام التبليغ عن الفساد، معتبرين أن القانون الحالي لم ينجح في حماية المبلّغين من الانتهاكات التي قد يتعرضون لها بسبب كشفهم لممارسات مشبوهة، بل تحوّل التبليغ في العديد من الحالات إلى مصدر تهديد لمستقبلهم المهني والشخصي.

وقد أشار أصحاب المبادرة إلى أن حلّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد سنة 2021 عطّل عمل منظومة الإبلاغ، وخلق فراغا مؤسساتيا لم تُعالج تبعاته إلى اليوم، كما ساهم إلغاء الهيئات الدستورية التي كانت تعنى بالنفاذ إلى المعلومة ومقاومة الفساد، بموجب دستور 2022، في إضعاف الإطار المؤسسي الذي يحمي المبلّغين ويدعم الشفافية وفق اصحاب المبادرة من النواب.

وأكد النواب أن النص التشريعي لسنة 2017 لم يُطبّق بالنجاعة المطلوبة، حيث واجه عدد من المبلّغين عقوبات إدارية وصلت إلى الطرد، فضلًا عن الملاحقة القضائية، أو حرمانهم من مستحقاتهم، وذلك دون حماية فعلية أو ضمانات قانونية، كما لم يتم تنفيذ العديد من الأحكام القضائية الصادرة لفائدتهم، مما جعل بعضهم عرضة للضرر دون تعويض أو إنصاف.

مضمون المبادرة

و يتضمن مقترح التنقيح تعديلات على أكثر من عشرين فصلًا من القانون الحالي، إضافة إلى إدراج خمسة فصول جديدة، وتتمحور هذه التعديلات حول تعزيز آليات الحماية القانونية للمبلّغ، وتسريع مسارات المعالجة، وتنظيم العلاقة بين الجهات الرسمية والمبلّغين.

ويقترح النص المقدم إحداث هيكل مؤسساتي جديد يُعنى حصريا بملف مكافحة الفساد، يتولى تلقي البلاغات ومرافقة أصحابها وضمان حمايتهم ومتابعة مآل ملفاتهم إلى حين البتّ فيها نهائيا،  وسيتم تحديد تركيبة هذا الهيكل واختصاصاته وصلاحياته بموجب أمر تنظيمي يصدر لاحقا، مع الحرص على أن يكون مستقلًا في قراراته ومتنوع التمثيل في تركيبته.

ومن بين المهام الجديدة التي يُعهد بها إلى هذا الهيكل، النظر في مشاريع النصوص القانونية ذات العلاقة بمكافحة الفساد، وتنسيق الجهود مع الوزارات والهياكل العمومية والهيئات الرقابية، من أجل بناء مقاربة شاملة ومتكاملة.

حماية المبلّغين

ومن أبرز ما جاء في المقترح، التنصيص على حق المبلّغ في الحصول على قرار حماية وقتي بمجرد إيداع ملفه، حتى قبل البتّ النهائي فيه، ويُخوّل للمبلّغ عن الفساد وفق هذه المبادرة اللجوء إلى القضاء للطعن في القرارات التي يرى أنها تمس بحقوقه، سواء في حالات الرفض أو سحب الحماية أو تعديلها.

كما شدّد المقترح على ضرورة فرض آجال قصيرة وصارمة لمعالجة الملفات، وذلك للحد من التلكؤ الإداري، الذي يؤدي غالبًا إلى تمادي المبلّغ عنهم في التجاوزات أو تهديد المبلّغ نفسه.

ويدعو النص إلى تمتيع المبلّغ بالدعم القانوني والقضائي الكامل، بما في ذلك الإعانة العدلية، خصوصًا إذا ما تم استهدافه بدعاوى كيدية من قبل الأشخاص أو الجهات المتضرّرة من التبليغ.

كما يتبنّى المشروع مقاربة وقائية واستباقية، فتم استبدال مصطلح “منع الفساد” بعبارة “التوقي منه”، بما يعكس تغييرا في الفلسفة التشريعية، من عقاب ما بعد الفعل إلى تحصين الإدارة والمؤسسات قبل حصول التجاوز.

كما تم التنصيص على ضرورة ضبط آجال لتسوية أوضاع المبلّغين، تجنّبا لما عاشه البعض من مآس اجتماعية ونفسية نتيجة طول الانتظار وبقاء ملفاتهم عالقة.

مفعول رجعي

ويدرج المقترح فصلًا جديدا يُلزم الإدارة بإعادة المبلّغ إلى وظيفته الأصلية بأثر رجعي، إلى جانب تحيين مسيرته المهنية وصرف كافة مستحقاته المتأخرة، بما يضمن له تعويضًا عما لحقه من ضرر بسبب ممارسة حقه في التبليغ.

كما نص المشروع على أن لا تسقط الجرائم المتعلّقة بالفساد بالتقادم، بما يعزز المحاسبة ويوفر استمرارية في ملاحقة مرتكبيها، مهما طال الزمن.

وضمن الهيكل المقترح لمكافحة الفساد، يقترح النواب بعث جهاز تقصٍّ يتكوّن من قضاة من مختلف الأسلاك القضائية، إضافة إلى ممثلين عن رئاسة الحكومة، و مجلس نواب الشعب، و المجلس الوطني للجهات والأقاليم،و  وزارة الداخلية، و الديوانة، وعدد من الهياكل الرقابية.

ويُعهد إلى هذا الجهاز جمع المعطيات، التدقيق في الملفات، وتقديم التوصيات للهيكل الجديد أو للجهات القضائية المختصة، بما يضمن الجدية في معالجة التبليغات.

و من العناصر الجديدة التي جاء بها المقترح، التنصيص على تنويع طرق التبليغ، بما في ذلك تقديم البلاغات ورقيا أو عبر المنصات الإلكترونية، مع مراعاة خصوصيات الأشخاص من ذوي الإعاقة أو من لا يُجيدون الكتابة. كما تم ضمان حق التبليغ بسرية تامة، لمن يرغب في ذلك، دون الكشف عن هويته.

وجوب التعاون

ولتفادي تعطيل الملفات بسبب نقص الوثائق، نص المشروع على تحديد آجال مضبوطة لاستكمال البيانات، تختلف بحسب درجة الاستعجال، وهو ما من شأنه أن يرفع من نسبة الملفات المعالجة.

و فرض المقترح على الإدارات العمومية الرد على طلبات التثبت التي تردها من الهيكل المختص، في أجل لا يتجاوز عشرة أيام، مع إمكانية التمديد مرة واحدة. وفي حال الامتناع دون مبرر قانوني، يتحمّل المسؤول الإداري التبعات الجزائية.

ويهدف هذا الإجراء إلى تعزيز الجدية في التعامل مع البلاغات، وإنهاء ظاهرة “اللامبالاة” أو “التجاهل الإداري” التي اشتكى منها عدد من المبلّغين.

و يطرح أصحاب المبادرة هذا المشروع كخطوة ضرورية لاستعادة ثقة المواطن في قدرة الدولة على حماية المبلّغين وإنصافهم، ويراهنون على أن التنقيحات المقترحة ستعيد التوازن المفقود بين الفرد والمؤسسة، وستجعل من التبليغ فعلا مسؤولًا تحميه الدولة لا مصدر تهديد.

كما يرون أن مقاومة الفساد ليست حكرا على المؤسسات، بل مسؤولية جماعية تتطلّب ضمانات واضحة وإرادة سياسية، حتى لا يتحوّل المبلّغ إلى ضحية.

Related posts

قريبا تجديد رخصة السياقة عن بعد

هادية الشاهد

وزير الخارجية يعتمد أوراق السفيرة الجديدة لمملكة السويد بتونس

رمزي أفضال

وزير السياحة يقوم بزيارة معاينة للنزل والوحدات الفندقية التي يقيم بها مختلف الوفود المشاركة في الألعاب الإفريقية الشاطئية

رمزي أفضال

Leave a Comment