33.1 C
تونس
24 يونيو، 2025
وطنية

المشاريع العمومية المعطّلة: نزيف “يخنق” التنمية ويُثقل كاهل الدولة

رغم تعدد المخططات التنموية والبرامج الحكومية، لا تزال مئات المشاريع العمومية رهينة التعطيل أو التنفيذ البطيء، وهو ما أثار موجة من الانتقادات في مختلف الجهات، وطرح تساؤلات جدية حول مدى نجاعة آليات التصرف العمومي، ومردودية المؤسسات المكلفة بالإنجاز والمتابعة.

و تشير تقارير رسمية، آخرها صادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، إلى أن عدد المشاريع العمومية المعطلة أو التي تواجه صعوبات يتجاوز 2500 مشروع، بقيمة مالية تناهز 8 مليارات دينار، وهذه المشاريع موزعة على مختلف القطاعات، من البنية التحتية والمستشفيات والمدارس، إلى محطات التطهير والمناطق الصناعية والسدود و غيرها

اسباب التعطيل

ويلاحظ أن العديد من هذه المشاريع تعود إلى ما قبل سنة 2016، أي أنها مرّت بنحو عقد من الزمن دون أن تكتمل، مما يطرح إشكالية الحوكمة وضعف النجاعة في التصرف في المال العام.

وتتوزع أسباب تعطل المشاريع العمومية بين عوامل قانونية وإدارية ومالية، أبرزها إشكاليات في الصفقات العمومية، كالتأخير في الإعلان أو فشل المناقصات نتيجة شروط مجحفة أو غياب المنافسة، و تأخر في صرف الاعتمادات المالية من قبل الدولة أو الأطراف الممولة، وهو ما ينعكس مباشرة على نسق الإنجاز.

ومن بين الاسباب الاخرى لتعطيل المشاريع وجود بعض الصعوبات العقارية،، إذ يتعذّر في كثير من الحالات تهيئة الأرض المخصصة أو فضّ النزاعات القائمة حولها، و غياب التنسيق بين الوزارات والمؤسسات المتدخلة، مما يتسبب في تضارب الصلاحيات وتعطيل الإجراءات، وتغيير التصورات والدراسات بعد انطلاق الأشغال، نتيجة ضغوط أو تغيّر الأولويات الوطنية.

أثر مباشر على التنمية

ولا يقتصر تأثير تعطل المشاريع على الجوانب المالية فحسب، بل ينعكس بشكل مباشر على الواقع التنموي للمواطن، خاصة في الجهات الداخلية، التي كانت تعوّل على هذه المشاريع لتحسين البنية التحتية وخلق فرص الشغل ودعم الاقتصاد المحلي، وعلى سبيل المثال، لا تزال مستشفيات جهوية كبرى في عدد من الجهات دون استكمال، رغم إطلاقها منذ سنوات، كما تعطّلت مشاريع كبرى لتزويد المناطق الريفية بالماء الصالح للشرب، وإنشاء طرقات استراتيجية أو مناطق صناعية موعودة.

ويؤكد خبراء أن غياب الإنجاز الفعلي يعمّق الفوارق التنموية، ويغذّي مشاعر التهميش والاحتقان الاجتماعي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعبئة شاملة لكل مقدراتها.

مجلس وزاري… نحو مقاربة جديدة

و ضمن هذا السياق، التأم مؤخرا مجلس وزاري بقصر الحكومة بالقصبة، أشرفت عليه رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، لمتابعة تنفيذ المشاريع العمومية بكافة ولايات الجمهورية، بحضور ولاة عبر تقنية التواصل عن بعد وبعضهم حضوريًا.

وشددت رئيسة الحكومة في مستهل الجلسة على ضرورة انخراط كل المسؤولين الجهويين والمحليين في تذليل الصعوبات وحل الإشكاليات بصفة حينية، دون تأخير، حتى تكون الدولة في مستوى انتظارات المواطنين. ودعت إلى متابعة مستمرة ويومية لكل الملفات والمشاريع المعطلة، خاصة تلك التي تمس الحياة اليومية.

وقد تم استعراض نسب تقدم عدد من المشاريع في قطاعات الصحة والنقل والتربية والبنية التحتية وتكنولوجيات الاتصال والطاقة والفلاحة، إلى جانب مشاريع تخص المناطق الصناعية ومحطات إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية.

كما شمل التقييم المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والبيئي والتنموي في مجالات الشباب والرياضة والثقافة والتعليم العالي والتكوين المهني، حيث لوحظ تفاوت كبير في الإنجاز بين جهة وأخرى، وسط غياب منظومة موحّدة للمتابعة.

تحمل المسؤوليات

و أكدت رئيسة الحكومة أن دواليب الإدارة يجب أن تسير وفق توجيهات الدولة وسياسات رئيس الجمهورية، داعية كل مسؤول إداري إلى تحمّل مسؤولياته كاملة، ومتابعة المشاريع ميدانيًا وبشكل يومي. وشددت على أنه سيتم تحميل المسؤولية لكل من يثبت تهاونه.

ودعت إلى اعتماد مقاربة جديدة تعتمد على الاستشراف والاستباق لمعالجة الملفات، لا سيما تلك التي تتعلق بتزويد المواطنين بالماء الصالح للشرب والكهرباء، مؤكدة أن تواصل الانقطاعات أمر غير مقبول في سنة 2025.

وقالت الزعفراني إن لا أحد فوق المساءلة أو القانون، مشيرة إلى ضرورة تسريع نسق الإنجاز واستنباط حلول جديدة في كل القطاعات. كما دعت إلى ثورة إدارية وفكرية ترافق الثورة التشريعية المرتقبة، خصوصًا مع انطلاق إعداد مشروع مخطط التنمية 2026-2030، الذي سيُبنى على منهجية تشاركية تنطلق من المجالس المحلية.

منصة رقمية جديدة للمتابعة

و أعلنت رئيسة الحكومة خلال المجلس عن إطلاق منصة رقمية موحدة للمتابعة الحينية لتقدّم المشاريع، تتضمن لوحة قيادة تمكن من قياس نسب الإنجاز وضبط روزنامة دقيقة، مؤكدة أن هذا التمشي سيُحدث تغييرًا جذريًا في طريقة العمل.

وأضافت أن هذا الملف سيكون نقطة قارة على جدول أعمال رئاسة الحكومة، في إطار مقاربة وطنية شاملة تهدف إلى جعل الاستثمار العمومي رافعة للاستثمار الخاص، ودعامة للنمو الاقتصادي المنشود.

و طرحت بعض الأصوات مقترح إصدار مرسوم استثنائي يجيز تجاوز بعض الإجراءات الإدارية، خاصة ما يتعلق بالرخص والصفقات والتصرف العقاري، مع مرافقة ذلك برقابة صارمة. كما تم اقتراح تصنيف بعض المشاريع على أنها ذات طابع استراتيجي، بما يسمح بتوفير تمويلات استثنائية وتقصير الآجال القانونية.

Related posts

حمة الهمامي: رئيس الجمهورية يسير بالدولة نحو الاستبداد

root

البنك المركزي يصدر منشورا يضبط الاحكام الانتقالية المتعلقة بالمعاملات بالشيك

Moufida Ayari

فاروق عسكر : رئيس الجمهورية معني بالمثول أمام القضاء من أجل ‘جرائم انتخابية’

root

Leave a Comment