شهدت السواحل التونسية خلال الفترة الاخيرة عددا من حوادث الغرق، اثارت تساؤلات حول الأسباب غير الظاهرة التي قد تكون وراء ارتفاع عدد ضحايا البحر، خاصة مع اشتداد موجات الحر وارتفاع الإقبال على الشواطئ.
وفي هذا السياق، أكد الخبير في المناخ حمدي حشاد أن البحر الأبيض المتوسط لم يعد كما عرفناه سابقا، مشيرا إلى أن التغيرات المناخية العميقة أثّرت بشكل مباشر على “سلوك البحر” والتيارات المائية، ما ساهم في ارتفاع غير مسبوق في حالات الغرق، خصوصا في الشواطئ المفتوحة وغير المراقبة
وأضاف حشاد، في تدوينة على حسابه الرسمي بموقع “فايسبوك”، إن الارتفاع المستمر في درجات حرارة البحر خلال فصل الصيف بات سمة واضحة، وساهم في تغيّر ديناميكية التيارات البحرية، وخصوصاً على السواحل الرملية، ما يؤدي إلى ظهور تيارات خفية تعرف باسم “التيارات العائدة” (rip currents).
وأوضح أن هذه التيارات ضيّقة وسريعة، تسحب السباحين من الساحل نحو داخل البحر، حتى في الأيام التي يبدو فيها البحر هادئا، مبينا أن خطورتها تكمن في أنها تعمل مثل “مصيدة”، حيث لا يجب على السباحين مقاومتها مباشرة، بل السباحة بمحاذاة الشاطئ لتجاوز تأثيرها.
وأشار الخبير إلى أن المتوسط يعتبر اليوم من أبرز المناطق المتأثرة بالمناخ في العالم، ويُصنَّف كنقطة ساخنة (hotspot) للتغير المناخي البحري، مستشهدا بدراسة علمية نشرتها مجلة Nature Climate Change سنة 2022، تؤكد أن المتوسط يسخن بنسبة 20% أسرع من المعدل العالمي، مما يؤدي إلى خلل في حركة الكتل المائية، والتيارات، والأمواج.
وبيّن أن التسخين السطحي للمياه يؤدي إلى ما يُعرف بـ”الطبقات الحرارية” (thermal stratification)، حيث تبقى المياه السطحية ساخنة بينما تظل الأعماق باردة، مما يمنع اختلاط المياه ويزيد من طاقة التيارات القريبة من السواحل.
وأضاف أن التيارات العائدة تتكوّن حين تتكسر الأمواج بشكل غير منتظم، فتخلق ممرات مائية ضيقة وسريعة تعيد الماء من الشاطئ إلى البحر، بسرعة قد تصل إلى 2.5 متر في الثانية، أي بما يفوق قدرة أفضل السباحين.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة معروفة في أمريكا، حيث تساهم في 80% من عمليات الإنقاذ على الشواطئ، حسب الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
ونبّه إلى أن تقريرا أوروبيا حديثا (Copernicus Marine Service, 2023 أشار إلى أن التغيرات المناخية تُسرّع من تشكّل هذه التيارات بسبب ارتفاع حرارة البحر، التي زادت بأكثر من 1.5 درجة مقارنة بالثمانينات.