29 C
تونس
4 يوليو، 2025
وطنية

من بينها إلغاء إجبارية السيزيام وتطبيق الارتقاء الآلي 4 أسباب كبرى دمّرت التعليم

تشهد المنظومة التربوية أزمة بنيوية طويلة الأمد، اتسعت رقعتها خلال السنوات الأخيرة، وتعمّقت مظاهرها لعدّة اسباب.

ويحمل طرح المواضيع التربوية اثر الانتهاء من انجاز مختلف الامتحانات الوطنية و اختتام السنة الدراسية و التكوينية سعيا لتسريع اصلاح مجالي التربية و التكوين، سيما ان وزير التربية نور الدين النوري قد كشف ان الشروع في ورشات الاصلاح سيكون قريبا.

و من بين أبرز الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع، قرار إلغاء إجبارية مناظرة السيزيام التي كانت تشكّل محطة أساسية في التكوين الدراسي، وتضبط إيقاع السنوات الأولى من التعليم الابتدائي. اعتماد نظام اختياري أضعف مكانتها، وقلّص من قيمتها التحفيزية.

ولم يعد يرى التلميذ في السنة السادسة هدفًا يستوجب مضاعفة الجهد، انما مجرّد سنة انتقالية، لا تتطلب إعدادا خاصا ولا تركيزًا مضاعفًا، سوى للطامحين الى دخول المدارس الاعدادية النموذجية .

ارتقاء آلي بلا كفاءة

ولم يكن إلغاء إجبارية السيزيام المعطى الوحيد الذي أثّر سلبا على أداء المدرسة، حيث عمق الازمة ايضا قرار تعميم ما يُعرف بالارتقاء الآلي و الذي اعتمد في مراحل مختلفة تحت عناوين “الإنقاذ” و”المرونة”، مما خلق حالة من عدم التوازن في العلاقة بين التلميذ والتقييم. ولم يعد المرور من مستوى إلى آخر رهين اكتساب المعارف أو تحقيق الأهداف، بل تحوّل إلى مسار شبه آلي حيث أن تلميذ السنة الخامسة على سبيل المثال يمكن يرتقي إلى السادسة دون امتلاك المهارات الضرورية، وتلميذ الإعدادي بدوره يمكن ان يمر إلى الثانوي دون تمييز فعلي بين من يملك الكفاءة ومن يفتقر إليها.

وقد اضعف هذا الاختيار مصداقية التعليم العمومي، حيث وجد المعلم نفسه أمام اقسام تضم تلاميذ بمستويات متباينة، بعضهم يجهل القراءة والكتابة احيانا، وآخرون يعانون من ضعف التركيز، وبعضهم الاخر لم يستوعب حتى مكتسبات السنوات السابقة، حيث اربك هذا التفاوت العملية التربوية، وأضعف أثرها، وجعل المهام البيداغوجية اليومية تتحوّل إلى محاولات للترقيع أكثر منها بناء حقيقي.

معضلة المقاربة بالكفايات

ويؤكد خبراء المجال التربوي أن المقاربات بالكفايات التي عوضت المقاربة الشمولية في التعليم الابتدائي تم تطبيقها طُبّقت بطريقة شكلية، دون تحضير فعلي للبنية التربوية، ودون تكوين فعلي للإطار التربوي، حيث ان هذه المقاربة، ترتكز على تحقيق كفاءات محددة لدى التلميذ بدل تكديس المعارف، وتتطلّب منظومة تقييم جديدة، ومناهج تفاعلية، ووسائل تعليمية حديثة. حيث ان تطبيقها كان عموديا و ذلك من خلال نصوص ومذكرات إدارية، دون أن يترافق مع تغيير فعلي في طرق التدريس، فكانت النتيجة فشلًا ذريعا في تحقيق الأهداف، وضياعًا في المفاهيم، وإرباكًا لدى المعلم والمتعلم على حدّ سواء.

ولم يتعلّم التلميذ كيف يفكّر، ولم يكتسب أدوات حلّ المشكلات، ولم يُمنح فرصة لربط المعرفة بالواقع، و ما ظل قائما هو نفس المنطق القديم الذي لا يتعدى حدود الحفظ، والاستظهار، و التقييم العددي دون ترجمة المقاربة إلى ممارسات داخل القسم، ولم تُدمج تكنولوجيا التعليم بالشكل المطلوب، ولم تقع مراجعة البرامج الدراسية بشكل يجعلها مرنة وقابلة للتكيّف مع خصوصيات التلاميذ والمحيط.

التهميش

و في جانب آخر، يمثل تهميش دور المعلّم سببا جوهريا في تراجع الأداء العام للمدرسة حيث ان المربّي الذي كان يُنظر إليه كفاعل محوري داخل المجتمع، تعرّض لوضعية مهنية صعبة، نتيجة هشاشة الوضع المادي، وغياب التكوين المستمر، وكثرة الأعباء الإدارية، وتراجع الحماية القانونية، اذ اصبحت الانتدابات في السنوات الماضية تعتمد على حلول ظرفية، مثل التعاقد، دون مراعاة للجوانب البيداغوجية، ودون تكوين فعلي يُعدّ المعلم الجديد لمهامه التربوية.

كما لم يعد التكوين البيداغوجي يمثل أولوية في السياسات العمومية، حيث فقدت مراكز التكوين التربوي دورها التأطيري، و وجد المعلم نفسه وحيدا أمام مشاكل متزايدة في القسم، دون دعم نفسي أو تقني أو تأطير مستمر.

كما ظلت الإصلاحات المعلنة حبيسة المكاتب، ولم تمسّ جوهر الأزمة، الإصلاح الحقيقي يبدأ بإعادة النظر في منظومة التقييم، وربط النجاح بالاستحقاق، وإعادة الاعتبار للامتحانات الجدية، وإلغاء كل مظاهر الارتقاء الآلي لان المدرسة تحتاج إلى إعادة بناء شاملة، تبدأ من البرامج وتنتهي بالبنية التحتية، وتمرّ حتما عبر الإنسان، أي المعلم، وتكوينه، وتمكينه، وتحفيزه.

و لا يمكن الحديث عن جودة في التعليم في ظل تغييب ثقافة التقييم، وتفكيك علاقة التلميذ بالنجاح، وتهميش المحفزات، وتطبيق مقاربات بيداغوجية دون تمهيد، حيث ان كل عنصر من هذه الأسباب الأربعة هو كاف لوحده لخلق اختلالات، لكن اجتماعها في فترة قصيرة، وغياب الإصلاح الموازي، جعل المدرسة التونسية تدفع الثمن مضاعفًا.

ويجب ان يبنى الحديث عن الحلول على الاعتراف بالواقع، لا بتجميله و إعادة العمل بمناظرة السيزيام بصفة إجبارية خطوة ضرورية لإحياء روح التحدي والانضباط في السنوات الأولى، اضافة الى إلغاء الارتقاء الآلي وتحميل التلميذ والعائلة مسؤولية المسار الدراسي.

اجمالا يبدو ان ما تعيشه المدرسة هو نتيجة خيارات قابلة للمراجعة، كما يبدو ان التأخر في هذه المراجعة ستكون له نتائج وخيمة.

Related posts

منفّذ سلسلة من السرقات في محلات بالعاصمة في قبضة الأمن

Moufida Ayari

أريانة: انقلاب سيارة يسفر عن وفاة شخص وإصابة اخرين

marwa

الإبقاء على العياشي الهمامي بحالة سراح

محمد بن محمود

Leave a Comment