29 C
تونس
4 يوليو، 2025
وطنية

يناقش مقترحين لتعديل الفصل 96: هل يزيح البرلمان “السيف المسلط” على الإدارة؟

يتجدد النقاش تحت قبة البرلمان حول واحد من أكثر فصول المجلة الجزائية إثارة للجدل، وهو الفصل 96، الذي ظل يُوصف على مدى سنوات طويلة بـ”السيف المسلط” على الإدارة.

وشرعت لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب في مناقشة مقترحين لتعديل الفصل 96، تم دمجهما في مشروع موحد وسط تطلعات لانهاء حالة الشلل التي أصابت الإدارة وتفتح الباب أمام حقبة جديدة من المبادرة والمسؤولية.

فصل مثير للجدل

ويُعاقب الفصل 96 من المجلة الجزائية، في صيغته الحالية، كل موظف عمومي أو من في حكمه يستغل وظيفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره، أو يلحق ضررا بالإدارة، أو يخالف التراتيب المعمول بها في الصفقات والشراءات وغيرها من العمليات المرتبطة بالمصلحة العامة. وتصل العقوبة إلى السجن لمدة 10 سنوات وخطية مالية تساوي قيمة المنفعة أو الضرر.

وقد أدى هذا النص، الذي وُضع أصلاً لحماية المال العام، إلى نتائج عكسية، إذ تحول إلى مصدر خوف لدى عديد المسؤولين الإداريين، وأصبح كثيرون منهم يرفضون اتخاذ قرارات خشية التتبعات الجزائية، حتى في الحالات التي يكون فيها القرار الإداري محل اجتهاد حسن النية.

و في هذا السياق، تلقّت لجنة التشريع العام بالبرلمان منذ مدة مقترحين اثنين لتعديل الفصل 96، تم دمجهما في مشروع قانون موحّد يجري نقاشه حاليا، ويمثل هذا المشروع تتويجا لمسار طويل من الدعوات القانونية والسياسية لتحرير الإدارة من النصوص القانونية التي تُجرّم الخطأ المهني غير المقصود وتساويه بالفساد المقصود والمتعمد.

وينص المقترح الأول على ضرورة توفر عنصر سوء النية لقيام الجريمة، أي أنه لا يمكن تجريم الفعل الإداري لمجرد حصول مخالفة شكلية أو تجاوز إجرائي، ما لم يكن هناك قصد صريح لتحقيق فائدة أو الإضرار بالمصلحة العامة. كما يدعو إلى إضفاء مرونة على العقوبات وتوسيع صلاحيات القاضي لتقدير طبيعة الفعل الإداري وسياقه.

أما المقترح الثاني، فيذهب إلى مزيد من التنقيح، وذلك من خلال إلغاء التداخل بين الفصلين 96 و97 من المجلة الجزائية، وتخفيض سقف العقوبات، وتحديد الجرائم الاقتصادية والإدارية بما يمنع الخلط بين ما هو جنائي وما هو تأديبي أو إداري بحت.

خطوة اصلاحية

وقد عبر عدد من النواب عن دعمهم الكامل لهذا التعديل، معتبرين أنه يمثل خطوة إصلاحية جريئة تهدف إلى ترسيخ مبدأ التوازن بين حماية المال العام وضمان حسن سير المرافق العمومية.

ولا يقتصرالجدل حول الفصل 96 على أروقة مجلس النواب، بل هو امتداد لحالة من الاحتقان الإداري، ولتجاذبات قانونية عمرها سنوات، خاصة بعد أن وجد العديد من الإطارات السابقين أنفسهم محل تتبعات جزائية بسبب قرارات اتخذوها في إطار مهامهم، دون أن تتوفر قرائن قاطعة على سوء النية أو التلاعب.

وقد أكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في أكثر من مناسبة، ضرورة تعديل الفصل 96، مشيرا إلى أن عددا من المسؤولين يتهربون من أداء واجباتهم بتعلّة الخوف من هذا الفصل، الأمر الذي يعطّل المرفق العام ويفتح الباب أمام البيروقراطية.

 كما أمر في ماي من السنة الماضية بإدراج حكم جديد يُجرّم من يتعمد الامتناع عن تنفيذ القرارات الإدارية، معتبرًا أن “الإحجام عن المبادرة خوفًا من المسؤولية يضر بالمصلحة العامة أكثر من الاجتهاد الذي قد يخطئ”.

ويندرج هذا التوجه ضمن تصور أشمل يقوم على تشجيع الاجتهاد الإداري، لا معاقبته. وقد أجمع عدد من الخبراء القانونيين على أن الفصل 96، بصيغته الحالية، يُسهم في خلق ما يسمى بـ”الإدارة المترددة”، وهي حالة تفضّل فيها الإطارات عدم المجازفة، حتى وإن كانت القرارات ضرورية، خشية الوقوع تحت طائلة القانون.

ويؤكد أنصار التعديل أن النص القانوني يجب أن يميز بوضوح بين من يتعمد خرق القانون لتحقيق منفعة شخصية أو للإضرار بالإدارة، وبين من يتخذ قرارًا اجتهاديًا في إطار صلاحياته، ووفقًا للسياسات العامة والتعليمات الإدارية.

و رغم الحماسة التي يلقاها هذا المشروع في الأوساط الإدارية والبرلمانية، فإن البعض لا يخفي تحفظه على التعديل، خشية أن يتم توظيفه كأداة لتمرير التجاوزات الإدارية تحت غطاء “الاجتهاد”. ويؤكد هؤلاء على ضرورة أن يتزامن هذا التعديل مع تعزيز الرقابة، وتطوير آليات المحاسبة والتفقد الإداري، بما يمنع أي استغلال سيء للنص الجديد.

وفي المقابل، يرى المؤيدون أن التعديل لا يعني التساهل مع الفساد، بل هو استجابة لحاجة ملحة إلى تحرير المبادرة داخل الإدارة، خاصة في مرحلة حرجة تتطلب الإسراع بإنجاز المشاريع والقرارات، دون أن تظل الإدارة حبيسة الخوف من الفصل 96.

ترقّب

ويحظى هذا المشروع باهتمام لافت، ليس فقط لأنه يمسّ مباشرة بمصير آلاف الإطارات والموظفين في الدولة، بل لأنه يعكس تصورًا جديدًا لدور الإدارة في تونس، وتحولًا في العلاقة بين القانون والبيروقراطية، وبين التشريع والمصلحة العامة.

وفي انتظار عرض المشروع على التصويت، يراهن عديد المتابعين على أن هذا التعديل قد يشكّل نقطة تحول في علاقة الموظف بالدولة، وقد يكون خطوة أولى نحو إصلاح قانوني أعمق يشمل مجمل النصوص الزجرية ذات الطابع الإداري.

Related posts

شبهة فساد بشركة تنمية ضيعات المبروكة بالسرس: إصدار بطاقات إيداع في حق هؤلاء

محمد بن محمود

استقبلت وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي المهداوي سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتونس

رمزي أفضال

وزارة المرأة : مشروع التمكين الأقتصادي و الاجتماعي يشمل 18 ولاية و 69 معتمدية

yosra Hattab

Leave a Comment