45.6 C
تونس
22 يوليو، 2025
وطنية

الكراء المملك خطوة لاستعادة السكن الاجتماعي

تتجه بلادنا الى استعادة برنامج الكراء المملك بغية استفادة شريحة واسعة من التونسيين من السكن الاجتماعي.

و في اجتماع وزاري انتظم تحت إشراف رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مؤخرا، طُرحت بوضوح فكرة الكراء المملّك كأحد المحاور الأساسية في سياسات الدولة المستقبلية في مجال السكن الاجتماعي.

وأشار سعيّد إلى ضرورة إعادة النظر في المقاربات التي اقتصر فيها السكن الاجتماعي على المساعدات المباشرة أو الإسكان المجاني في بعض الحالات، على اعتبار أن تلك النماذج قد رسّخت تبعية اقتصادية أكثر من كونها ساهمت في تمكين الأفراد.

صيغة الكراء المملك

و تجدر الاشارة الى الحكومة تعكف على انجاز مشروع قانون في هذا السياق و احالته قريبا الى مجلس نواب الشعب، ومن المتوقع ان يكون ذلك في مستهل الدورة البرلمانية المقبلة في اكتوبر من العام الجاري.

وتمثل صيغة “الكراء المملّك” ركيزة أساسية في هذا التوجه الجديد، حيث يُمكّن المنتفعون من السكن في وحدة سكنية مقابل دفع معلوم شهري في شكل كراء، و يُحتسب جزء منه ضمن مدفوعات تؤول في نهاية المدة إلى تملك العقار. أي أن المنتفع، وخلال فترة زمنية محددة، يتحول من مكترٍ إلى مالك، دون الحاجة إلى قرض بنكي أو تمويلات ذات فوائد مجحفة بعد تقديم تسبقة رمزية في البداية على الارجح.

وتعيد هذه الفكرة إلى الأذهان تجربة سابقة شهدتها تونس خلال العقود الماضية، وتحديدا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، حيث أطلقت الدولة عبر المؤسسة العقارية التابعة لها برامج “التفويت بالتقسيط”، وتم بموجبها تمكين عشرات الآلاف من الأسر من تملك مساكنهم بطريقة تدريجية، في إطار عقود تضمن حق الإشغال والتملك في الآن ذاته.

أوّل المشاريع قبل نهاية السنة

وفي سياق ترجمة هذا التوجه إلى إجراءات ملموسة، أعلنت وزارة التجهيز والإسكان عن شروعها في إنجاز أول مشروع نموذجي يدخل ضمن منظومة الكراء المملّك. ويتعلّق الأمر ببناء 100 وحدة سكنية اجتماعية جماعية قبل موفى العام الجاري ضمن إقامة أُطلق عليها اسم “أكاسيا”، وتقع في منطقة الزهروني بالضاحية الغربية للعاصمة تونس.

ويمثّل هذا المشروع حجر الأساس في تنفيذ البرنامج الجديد، حيث يُنتظر أن يُفتح باب الترشح للانتفاع بهذه المساكن وفق شروط فنية واجتماعية ومالية مدروسة، تضمن الموازنة بين القدرة الشرائية للمواطن وحقه في السكن اللائق من جهة، واستدامة موارد الدولة والنجاعة في إدارة الأملاك العمومية من جهة أخرى.

وقد أوضحت الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية، وهي الجهة الباعثة للمشروع، أن تصميم الوحدات يستجيب للمعايير الحديثة من حيث جودة البناء، وخصوصية الفضاءات، والنجاعة الطاقية، كما أنّها تراعي حاجيات مختلف الفئات الاجتماعية، وخاصة العائلات ذات الدخل المحدود أو المتوسط.

مفهوم جديد للسكن الاجتماعي

و لا يقتصر الرهان الحقيقي في هذا البرنامج على تمكين الأسر المعوزة من سكن فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى إرساء مفهوم جديد للسكن الاجتماعي، لا يقوم على الإعانة الظرفية ، بل على التمكين والاندماج الاجتماعي والاقتصادي.

ذلك أن السكن الاجتماعي، في شكله الحديث، لم يعد يُفهم على أنه مخصص فقط للعائلات ذات الدخل المنعدم أو المحدود جدا، بل يشمل كذلك فئات واسعة من المواطنين من أصحاب الدخل المتوسط غير الكافي لتغطية تكاليف الكراء أو تمويلات البنوك العقارية.

ولعلّ أهم ما يميز صيغة “الكراء المملّك” إتاحة فرصة التملك التدريجي للمواطن الذي لا يملك إمكانية دفع مقدّم مالي كبير أو لا تتوفر لديه شروط الحصول على قرض بنكي، وبذلك يصبح هذا النموذج أداة لتحقيق العدالة السكنية، ويحدّ من التفاوت المجالي والاجتماعي.

المطلوب انجاح المشروع

ورغم وجاهة الفكرة وحداثة المقاربة، فإن نجاح مشروع الكراء المملّك في تونس يبقى رهين توفّر جملة من الشروط الموضوعية والتنظيمية، من بينها الشفافية في عملية الانتفاع، فمن الضروري أن تتم عملية اختيار المنتفعين وفق معايير دقيقة وشفافة.

كما يتعين أن يتم توفير الاراضي المخصصة لبناء العقارات ووضع آلية تمويل مبتكرة تضمن استمرارية البرنامج، من خلال شراكات مع مؤسسات مالية عمومية وخاصة، وربما حتى التعاون مع شركاء دوليين مهتمين بالإسكان الاجتماعي.

و من المفيد أن تكون عقود الكراء المملّك قابلة للتكيّف حسب وضعية المنتفع، سواء من حيث المدّة الزمنية أو طرق الدفع، ما يساعد على استيعاب أكبر عدد ممكن من الفئات ذات الوضعيات المتنوعة.

ويحتاج مشروع “الكراء المملّك” ان يكون جزء من رؤية أوسع يُفترض أن تتبلور في شكل إستراتيجية وطنية متكاملة للإسكان، ترتكز على تنويع صيغ السكن الاجتماعي، وتشجيع الباعثين العقاريين على الانخراط في منظومات جديدة، ودعم اللامركزية في البناء والتوزيع، بما يخفف الضغط على المدن الكبرى ويوفر العيش الكريم في كافة الجهات.

وإذا ما كُتب لهذا المشروع النجاح، فإنه قد يشكّل نقطة تحول في علاقة الدولة بالمواطن في مجال السكن، ويكرّس حقًا طالما نص عليه الدستور وهو الحق في مسكن لائق.

ولعلّ الرسالة الأوضح التي يحملها “الكراء المملّك” هي أن السكن هو ركيزة من ركائز العدالة والتنمية، ووسيلة لترسيخ كرامة المواطن وإعادة بناء الثقة بينه وبين الدولة.

Related posts

ضرورة استظهار التلاميذ والاطار التربوي بجواز التلقيح للدخول الى المؤسسات التربوية

root

حادث مرور قاتل في طريق قابس تونس

Moufida Ayari

طقس اليوم…غيوم جزئية و ارتفاع في الحرارة

صابر الحرشاني

Leave a Comment