أُعطيت اليوم الثلاثاء 22 جويلية 2025 إشارة الانطلاق للدورة الثانية من منتدى تونس العالمي، الذي يندرج ضمن فعاليات «شهر الجالية التونسية بالخارج» الممتد من 15 جويلية إلى 15 أوت. وتُنظّم هذه التظاهرة من قبل جمعية التونسيين خريجي المدارس العليا، بالشراكة مع عدد من الفاعلين الاقتصاديين من داخل تونس وخارجها.
يهدف المنتدى إلى ربط الكفاءات التونسية المقيمة بالخارج بنظيراتها في الداخل، واستثمار هذه الشبكة البشرية في دفع التنمية الوطنية، من خلال المساهمة في الابتكار والاستثمار ودعم القطاعات الاقتصادية الواعدة.
منصة تجمع الطاقات وتفتح الآفاق
في كلمته الافتتاحية، شدّد أمين علولو، رئيس جمعية التونسيين خريجي المدارس العليا، على أن الهدف الأساسي من المنتدى هو تجميع القوى الحية داخل البلاد وخارجها، وتجاوز النظرة الضيقة للكفاءات باعتبارها فردية أو مجزّأة، من أجل تشكيل شبكة وطنية قوية وفاعلة يكون لها تأثير مباشر في الاقتصاد الوطني والانتقال التنموي. واعتبر أن المنتدى يسعى أيضًا إلى إبراز أقصى ما يمكن من الطاقات والأفكار والمبادرات التي يمكن تحويلها إلى مشاريع فعلية.
وأشار إلى أن التظاهرة لا تكتفي بالتنظير والترويج بل تسعى إلى تحقيق الأثر الفعلي على الأرض، من خلال ورشات عمل تطبيقية وفضاءات تواصل مباشر، بهدف خلق فرص تعاون ملموسة بين المستثمرين والجهات والشركات الناشئة. وأضاف أن الرسالة الأهم لهذه الدورة تتمثل في الإيمان الجماعي بأن تونس تستحق أن تكون دولة ناجحة ومشعة في العالم، وأن أبناءها في الخارج جزء لا يتجزأ من هذا المشروع الوطني.
وأوضح علولو أن المنتدى يمثّل تتويجًا لمسار بدأ منذ سنتين مع تأسيس التحالف العالمي للكفاءات التونسية «WATT»، الذي يسعى إلى خلق فضاء دائم لتبادل الخبرات وربط الكفاءات داخل تونس وخارجها.
وبيّن أن هذه الدورة تستضيف أكثر من 50 مؤسسة وأكثر من 70 شركة ناشئة، إلى جانب حضور لافت لممثلي مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، في خطوة تؤكد تنوّع الفاعلين الساعين إلى بناء نموذج اقتصادي بديل قائم على المعرفة والانفتاح.
كما أشار إلى أن محور هذه الدورة يركّز على جعل تونس أكثر جاذبية لعودة الكفاءات، سواء على المدى القريب من خلال مشاريع ريادة الأعمال والابتكار، أو على المدى البعيد عبر ربط دائم بين أبناء تونس في المهجر ومؤسسات البلاد.
الرهان على الجهات
وأشار علولو إلى أنّ الدورة الثانية من المنتدى ستتوسّع لتشمل الجهات الداخلية من خلال شبكة «diaspora regional network» التي تنطلق في 28 جويلية، وتهدف إلى تنظيم تظاهرات جهوية تبرز طاقات الجهات وتُقيم جسور تعاون بينها وبين كفاءات الخارج.

وأوضح أن هذه الشبكة سترافقها ندوة محورية حول جاذبية الجهات للاستثمار، وتسعى إلى عرض مبادرات التجديد المحلي ونماذج تنمية بديلة تنطلق من القاعدة.
محافظ البنك المركزي: التحويلات المالية دعم حيوي
وفي مداخلة ألقاها خلال ندوة افتتاح المنتدى، اشاد محافظ البنك المركزي، فتحي زهير النوري، بهذه التظاهرة موضحا إنّ التونسيين بالخارج يساهمون في دعم الاقتصاد الوطني من خلال تحويلات مالية سنوية فاقت 2 مليار دينار، أي ما يمثل قرابة 5.6% من الناتج الداخلي الخام.
وأشار إلى أن هذه التحويلات ساهمت بين 2023 و2025 في تغطية ما بين 1.3 إلى 1.4% من خدمة الدين الخارجي، مؤكدا أن هذه المساهمة ليست بالأمر الهيّن في ظرف اقتصادي ضاغط تمر به البلاد.
وأضاف أنّ متوسط التحويلات الفردية من التونسيين بالخارج يبلغ نحو 120 دولارا شهريا للفرد الواحد، وهو رقم أدنى من المتوسط العالمي الذي يقدّر بـ200 دولار، معتبرا أن الفجوة بين الرقمين تدعو إلى التفكير في وسائل مبتكرة لرفع نسق المشاركة الاقتصادية للجالية.
وأوضح أن نصف التونسيين المقيمين بالخارج تقريبًا يمتلكون عقارات في تونس، إلا أن مساهمتهم في النسيج الاقتصادي لا تتجاوز 2 بالمائة، ما يعني أن هناك إمكانات غير مستغلة يجب توجيهها بشكل أفضل.
واقترح محافظ البنك المركزي جملة من الآليات لتثمين هذه الموارد، من بينها فتح حسابات ادخارية بالعملة الصعبة لفائدة المغتربين، وتسهيل النفاذ إلى التمويل، وتكثيف الحملات التوعوية والترويجية التي تعرّف الجالية بفرص الاستثمار في تونس، لا سيما في المجالات المنتجة ذات القيمة المضافة.
وختم بالقول إنّ البنك المركزي يعمل على دعم كل المبادرات التي تسعى إلى إدماج أبناء تونس في المهجر داخل الدورة الاقتصادية، ليس فقط كمموّلين، بل كمستثمرين فاعلين وأصحاب قرار في مشاريع تعود بالنفع على البلاد والجهات.
تظاهرة بأبعاد وطنية واستراتيجية
يتميّز المنتدى هذه السنة بفضاء عرض مخصص للشركات الناشئة، إضافة إلى ورشات تفكير وجلسات استماع تُناقش آليات إعادة تموقع تونس على الساحة الدولية للكفاءات.
ويُنتظر أن تُختتم فعاليات المنتدى بتوصيات عملية موجّهة للحكومة ومختلف الهياكل المتدخلة، تدعو إلى بلورة سياسة وطنية متكاملة تجاه الجالية، تقوم على مبدأ التمكين والشراكة المستدامة، وتحويل الكفاءات التونسية بالخارج إلى رافعة حقيقية لمشروع وطني تنموي جديد.

