أحال مكتب مجلس نواب الشعب مؤخرا مبادرة الى اللجنة المعنية تتعلق بمناهضة العنف في الملاعب والمنشآت الرياضية تتضمن احكام زجرية، وتوعوية، تهدف إلى فرض نظام ردعي قانوني وتنظيمي يقطع مع الفوضى والعنف الذي طالما لطّخ صورة الرياضة التونسية.
ويرتكز المقترح على مبدأ أن العنف الذي بات يرافق أغلب المنافسات الكروية لم يعد شأناً أمنياً صرفًا، و تحول ظاهرة معقّدة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، تتطلب معالجة شاملة تبدأ من سن تشريعات صارمة وتنتهي بترسيخ ثقافة التعايش داخل المدارج وخارجها.
مكافحة اشكال العنف
و ينص مقترح القانون على أن الهدف منه هو مكافحة كل أشكال العنف داخل الملاعب والمنشآت الرياضية، وتأمين سلامة اللاعبين والجمهور والعاملين في المجال، بالإضافة إلى ضمان حسن سير الفعاليات الرياضية في عموم البلاد.
وتغطي أحكامه كافة التظاهرات الرياضية المقامة داخل المنشآت أو في محيطها، دون أن يُستثنى أي فضاء تجمع رياضي من نطاق تطبيقه، وهو ما يعني أن فلسفة النص تقوم على تغطية شاملة لكل المشاهد والاحتمالات التي قد تفرز سلوكًا عنيفًا سواء داخل الملعب أو على تخومه.
ويُقدّم النص تعريفًا دقيقًا لما يُقصد بالعنف في الملاعب، فهو لا يقتصر على الاعتداءات الجسدية فحسب، بل يشمل أيضا التخريب، والعنف اللفظي، استعمال المقذوفات والشماريخ، وكل سلوك يُهدد سلامة الأشخاص والممتلكات أثناء المنافسات الرياضية، كما يعرّف المقترح الجمهور ككل من يحضر التظاهرات، سواء كان فردا أو ضمن مجموعة، ليُحمّله بذلك مسؤولية قانونية واضحة أمام كل خرق محتمل للقانون.
ولم تغفل المبادرة عن جانب التنظيم الأمني الذي طالما طُرحت حوله أسئلة كثيرة بعد كل حادث شغب، فقد اشترط المقترح أن تلتزم الجهات المنظمة لكل تظاهرة رياضية بإعداد خطة أمنية مفصّلة بالتعاون مع وزارة الداخلية، تشمل مراقبة مداخل ومخارج الملاعب، و تفتيش الحقائب، منع دخول الأدوات الخطرة، وتوفير خدمات الطوارئ والإسعاف.
كما فرض المقترح إلزامية تركيز كاميرات مراقبة في النقاط الحيوية داخل وخارج الملاعب لضمان التوثيق والمتابعة، مع منع بيع أو استهلاك المشروبات الكحولية في أيام المقابلات داخل محيط الملاعب.
فرق خاصة و لجنة
وفي نقطة مهمة أخرى، كلف القانون وزارة الداخلية بتوفير عدد كاف من القوات الأمنية المختصة، ومن بينها فرق خاصة مدرّبة للتعامل مع أعمال الشغب، كما تطرّق إلى تكوين أعوان مكلفين بحراسة الملاعب يُعرفون بـ”ستاديار”، يكون لهم دور مباشر في الوقاية والاستجابة لأي تجاوز أو فوضى أثناء المقابلات.
ولعل من أبرز بنود هذا المقترح استحداث لجنة وطنية دائمة لمتابعة العنف في الملاعب، تضم ممثلين عن وزارات الشباب والداخلية والجامعة التونسية لكرة القدم وجمعيات المجتمع المدني وكذلك ممثلين عن جماهير الأندية، وتُكلّف هذه اللجنة بإعداد تقارير دورية تُرفع إلى الوظيفتين التشريعية والتنفيذية حول تطور الظاهرة وفعالية الإجراءات المتخذة.
عقوبات خطايا و منع
أما من حيث العقوبات، فقد تبنى المقترح توجها صارما من أجل الردع، إذ ينص على عقوبات بالسجن تتراوح بين 6 أشهر و5 سنوات لكل من يرتكب أفعال عنف داخل أو خارج الملاعب، وخطايا مالية لا تقل عن 5000 دينار لكل من يستخدم المقذوفات أو الشماريخ، مع منع هؤلاء من دخول الملاعب لخمس سنوات قابلة للتطويل مدى الحياة في حالة العود.
ويتوسع المقترح في الزجر حين يتعلق الأمر بحمل الأسلحة البيضاء أو الأدوات الخطرة، حيث تصل العقوبة إلى عشر سنوات سجن، وتتضاعف هذه العقوبات إذا ارتكبت الأفعال في قاعات مغلقة أو فضاءات رياضية مغلقة.
كما لم يغفل النص العقوبات الجماعية حين تتكرر أعمال الشغب من جمهور نادٍ معين، فإلى جانب الخطايا التي قد تصل إلى 50 ألف دينار، قد يُحرم النادي المخالف من تنظيم مقابلات على أرضه لمدة قد تمتد إلى موسم كامل، بل ويُمكن في حالات معيّنة غلق ملعبه مؤقتًا.
ويُلزم المقترح الجهات المنظمة بدفع تعويضات للمتضررين في حال ثبت التقصير الأمني، ويحمّل المشاغبين مسؤولية التعويض عن الأضرار التي تطال الممتلكات العامة والخاصة، مع إمكانية إلزام النادي الرياضي الذي يتبع له هؤلاء بالمشاركة في دفع التعويضات في حال عجز المتسببين عن السداد.
توعية و تأهيل
وتقوم فلسفة القانون على أن الردع وحده لا يكفي، لذلك يتضمن بابا خاصا بحملات التوعية والتأهيل، ويقترح تنظيم حملات إعلامية ووطنية في المدارس والنوادي والمؤسسات الثقافية للتوعية بمخاطر العنف وأهمية السلوك الرياضي.
كما يقترح وضع برامج خاصة لتأهيل المساجين المدانين في قضايا عنف رياضي، من خلال دورات تربوية وتدريبية تعزز ضبط النفس والتعايش المجتمعي.
ويتوج المقترح بإجراءات متابعة دقيقة، حيث تلتزم اللجنة الوطنية لمكافحة العنف بإعداد تقارير نصف سنوية تُرفع إلى الحكومة والبرلمان، مع التأكيد على ضرورة تحيين التشريعات دوريا استنادا إلى التطورات الميدانية والمعطيات الواردة في هذه التقارير.
و تأتي هذه المبادرة بعد سلسلة طويلة من الحوادث التي شهدتها الملاعب التونسية، والتي خلّفت أضرارًا كبيرة على المستوى البشري والمادي، وأساءت لصورة الرياضة التونسية أمام الرأي العام الوطني والدولي. وقد أشار النواب في مذكرتهم التفسيرية إلى أن هذه الأحداث ليست معزولة، بل نتاج تراكمي لعوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية، من بينها التهميش، و الفقر، والبطالة، و التسييس، وضعف برامج التربية على المواطنة.
ويُعوّل النواب أصحاب المبادرة على أن يكون هذا المقترح خطوة أولى في إرساء ثقافة رياضية جديدة تقوم على قيم التسامح والانضباط، وأن يسهم القانون المقترح في استعادة الأمن داخل المدارج، ودعم صورة تونس كبلد يحترم الرياضة ويمارسها في إطار من المسؤولية.