45.6 C
تونس
22 يوليو، 2025
عالمية

خطط تهجير اهالي غزة:”شركة بوسطن للاستشارات” وطريقة خبيثة لدس “السم في الدسم”

كشفت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن مجموعة بوسطن الأميركية للاستشارات، بلورت نماذج لتكلفة تنفيذ مشروع حمل اسم “أرورا” (Aurora)، لتهجير الفلسطينيين إلى خارج القطاع، قبل أن تنسحب من المشروع وتفصل اثنين من كبار الشركاء، بعد الكشف عن عملها على خطط بشأن مستقبل غزة بعد الحرب الإسرائيلية.

وفقا للصحيفة فإن شركة بوسطن للاستشارات ساهمت في تأسيس “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، ودعمت شركة أمنية مرتبطة بها، وذلك قبل ان تنسحب من المشروع في تداركٍ لإسقاطاته القانونية محليا ودوليا.

و⁠تشكل مسألة المساعدات الانسانية البنية التي يقوم عليها “اليوم التالي” اسرائيليا في غزة؛ على اساس هندسة هذه المساعدات وفقا للمخططات العسكرية التي لا تتوقف عند حدود احتلال غزة، بل تهجير اهلها فيما لو سنحت الفرصة، او من اجل خلق فرص للتهجير، او ضمن التصريحات التي اجمع عليها المسؤولون الاسرائيليون في اكتوبر 2023 بأن غزة “لن تعود ابدا كما كانت” بل ان الشرق الاوسط سيتغير جوهريا.

⁠⁠اسرائيليا تُعتبر مسألة “المساعدات الانسانية” جوهرية واستراتيجية لأنها تتعدى مسألة المساعدات الى من سيدير قطاع غزة مستقبلا. هذا المعيار تتبناه حماس وفي المقابل تتبناه المجموعة العربية ومن ضمنها السلطة الفلسطينية، ولذلك تستحوذ مسألة المساعدات الانسانية على حيز واسع من التخبطات السياسية الإسرائيلية، لكون اسرائيل هي من تسيطر فعليا على غزة ولم تعد قادرة على تجنب الخوض في مسألة “اليوم التالي”، وهي منشغلة في ذلك بموازاة الحرب ومنذ بداياتها.
⁠تواجه اسرائيل حاليا تحديات واسئلة جوهرية تنعكس في التوتر القائم في الكابنيت بين المستويين العسكري والسياسي؛ هل تحتل كامل القطاع مما يعرّض حياة الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين الى خطر شبه مؤكد، وتحد ثان يتمثل في تحول الجيش الى حكم عسكري احتلالي مسؤول عن ادارة غزة. في هذا السياق بدأت تعلو اصوات وازنة تحذر في مثل هذه الحال من احتمالية مواجهة شعبية فلسطينية للاحتلال؛ وهناك خيار ثالث وهو النقل السكاني داخل القطاع وتجميع السكان، نحو 2 مليون في ثلاث معازل يحاصرها الجيش ولا تتعدى مساحتها خُمس مساحة القطاع؛ وخيار رابع وهو التهجير الذي لم يسقط يوما عن جدول اعمال حكومة نتنياهو حتى ولو تعثّر تنفيذه لدرجة تراجع ترامب عنه في اعقاب الموقف العربي وقمة القاهرة الاستثنائية لإعمار غزة والابقاء على اهلها فيها.
و⁠يشكل مخطط “اورورا” إصرارا على فحص قابلية مشروع التهجير بأدوات اخرى. او ضمن ما يطلق عليه في بروتوكولات الحكومة الاسرائيلية “حث السكان في غزة على الرحيل” او “التهجير الطوعي”. وفقا للمخطط ودراسة الجدوى التي قام بها فريق شركة “اوربِس” الامنية في واشنطن نيابة عن معهد السياسات الاسرائيلية (تخليت)، وفقا للصحيفة البريطانية.
كما تشير التقديرات الاسرائيلية الى أن نحو نصف مليون فلسطيني معنيين بالهجرة الى خارج غزة وفلسطين. وان نسبة 75% منهم لا ينوون العودة بأي شكل، فيما يسعى مشروع “اورورا” الى توفير دعم مالي اولي بقيمة تسعة الاف دولار لكل منهم تتيح لهم السكن والعيش لمدة عام. لكن في نظرة الى هذا المبلغ فإنه هزيل في اعتبار التكلفة مما يشير الى ان التهجير سيتم الى بلدان فقيرة او الى دول تحكمها انظمة هشة وفاشلة ومستبدة.
و ⁠اللافت ان انكشاف أمر المشروع في ايار/مايو الفائت، جعل شركة الاستشارات في بوسطن تفك الشراكة مع المتعاقدين الاخرين وتتنصل من مسؤوليتها عن المشروع الذي نتجت عنه حاليا “مؤسسة غزة الانسانية”، وهي المعتمدة لإدارة المساعدات “الانسانية” في القطاع والتي تحولت مراكزها الثلاثة في لغة الغزيين الى “مصائد قتل الجوعى”.
من ⁠بعد انكشاف المخطط، تم توقيفه على الاقل حاليا، لما فيه من انتهاكات بمنزلة جرائم حرب وتطهير عرقي تستدعي مساءلة قانونية امريكيا وامام محكمة الجنايات الدولية.

لكن لماذا النشر وفي هذا التوقيت؟ يشير فضح المشروع وحيثياته من خلال صحيفة “فايننشال تايمز” الى وجود جهات معنية بهذا النشر وتوفير المعلومات عنه. كما يأتي التقرير في سياق تزايد الاعتراف الاسرائيلي وحصريا من الجيش بصدد فشل مشروع “مؤسسة غزة للمساعدات الانسانية” واتساع نطاق النشر بما فيها اسرائيليا عن انها بمثابة مصائد الموت للفلسطينيين الجوعى في القطاع؛ كما يأتي النشر في سياق الكشف عن الدور الاجرامي لطواقم في المؤسسة من الامريكيين يقومون بإطلاق النار عشوائيا تجاه الفلسطينيين في مراكز التوزيع.
و ⁠يأتي النشر وفضح المؤسسة العاملة وفقا لروح مشروع “اورورا” التهجيري، في سياق تزايد تطرق ترامب الى الوضع الكارثي المزري للفلسطينيين في غزة ويبدو من خلال ما ينقله له مساعدوه، وقلقا منه في تحميل ادارته مسؤولية هذا القتل العشوائي الجماعي من قبل امريكيين بكل تداعيات ذلك سياسيا وقانونيا، كما ومن شأنه ان يبعد عن ترامب احتمالية حصوله على جائزة نوبل للسلام والتي يطمح بها وبشغف.⁠ ⁠توقيت النشر وكشف الحقائق والتي يبدو لا تزال في بدايتها، هو عشية زيارة نتنياهو الى واشنطن. في الايام الماضية التي سبقت الزيارة دار ولا يزال نقاش حاد يكاد يكون منفلتا بين سموتريتش من جهة وقائد اركان الجيش الاسرائيلي ايال زامير التي يوجه له الوزير تهمة الفشل والاخفاق في انجاز الاهداف التي حددها المستوى السياسي للجيش. كما يدور الكثير من هذا التلاسن حول “المساعدات الانسانية” والتي وفقا للجيش يسيطر الغزيين على 99% من حمولة الشاحنات، في حين ان منظومة المساعدات تم تصميمها لتكون بديلا للمنظومات الاممية ومنظومة الهلال الاحمر الفلسطيني.
و⁠من المتوقع ان يكون نتنياهو محرجا من النشر، وأنه سيواجه في واشنطن ضغوطا سياسية عربية على ترامب في هذا الصدد، وحصريا من الوسيطين المصري والقطري وكذلك من السعودية والامارات، بالإضافة الى ضغط حقوقي من الامم المتحدة والمنظمات الانسانية والحقوقية الدولية، ناهيك عن اولويات ترامب بإنهاء الحرب.

الخلاصة:

⁠تم الكشف عن مشروع “أرورا” لتهجير سكان غزة، بدعم من شركات استشارية وأمنية أميركية، ضمن رؤية هندسة “اليوم التالي” في القطاع.
و⁠يتم استخدام المساعدات الإنسانية كأداة سياسية لتحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بإعادة تشكيل الواقع السكاني في غزة، ومن ضمنها التهجير أو خلق ظروفه. 
وقد جُرّب مشروع التهجير بغطاء إنساني من خلال “مؤسسة غزة الإنسانية”، والتي اتضح أنها تدار بروح عسكرية وتورّطت في انتهاكات جسيمة، منها إطلاق النار على المدنيين أثناء توزيع المساعدات.
و⁠تم فضح المشروع دوليًا عبر تحقيق في صحيفة “فايننشال تايمز”، مما أدى إلى انسحاب بعض الشركات وتجميد التنفيذ، خشية التبعات القانونية باعتباره شكلاً من التطهير العرقي.
لقد لاح جليا ان توقيت الكشف ليس عفويًا؛ جاء قبيل زيارة نتنياهو إلى واشنطن، لردع السياسات الاسرائيلية بتركيز سكان القطاع في المعازل نحو تهجيرهم تحت مسمى “انساني”.
ويبدو ⁠الموقف الأميركي مزدوجًا: دعم مباشر سابق، وتراجع بعد الانكشاف، ما يسلّط الضوء على مخاطر السياسة الأميركية في الملف الفلسطيني.

هل هي خطة مؤجلة؟

اجتمع الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسرائيلية خلال زيارة الأخير لواشنطن مرتين خلال أقل من 24 ساعة، حيث عقد اللقاء الأخير في البيت الأبيض بعيدا عن عدسات الكاميرات بينما عقد اللقاء الأول فجر يوم الثلاثاء الماضي. ومع بداية اللقاء الأول بين نتنياهو وترامب، عقد الاثنان إحاطة إعلامية مشتركة، حيث أحال ترامب سؤال الصحافيين حول ما إذا كانت خطة تهجير الغزيين لا تزال قائمة، إلى نتنياهو الذي أجاب بأن “للرئيس رؤية رائعة أسماها الاختيار الحر”. وأضاف “إذا أراد الناس البقاء، فليبقوا، وإذا أرادوا المغادرة، يجب أن نمنحهم هذه الإمكانية. غزة لا ينبغي أن تكون سجنًا، بل مكانًا مفتوحًا يضمن حرية الاختيار”. وتابع “نعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة للعثور على دول ترغب في إعطاء الفلسطينيين مستقبلًا أفضل”. وزعم “أعتقد أننا نقترب من التوصل إلى تفاهم مع عدد من هذه الدول، وهذا سيوفر مرة أخرى خيار الحرية. يجب أن يتمتع الفلسطينيون بهذا الخيار، وآمل أن نتمكن من ضمانه قريبًا”. واختتم ترامب بالقول: “لدينا تعاون ممتاز مع الدول المجاورة لإسرائيل. تعاون رائع من الجميع، وأعتقد أن أمرًا جيدًا سيحدث”. ويقول المحلل السياسي ود. العلوم السياسية سليم بريك إنه، “لا تهجير طوعي وكل تهجير هو ترانسفير وجريمة حرب ولكن لا أعتقد أن هذا الهدف الحقيقي، فترامب تعلّم بعض المعلومات عن قطاع غزة والفلسطينيين وتمسكهم بأرضهم وكل الحديث عن قيام الفلسطينيين بترك بلادهم لألبانيا وأندونيسيا”. ويتابع “هناك مخطط قدمه يسرائيل كاتس ووافق عليه نتنياهو وهو السيطرة على محور موراج الذي يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه لترحيل سكان غزة لرفح كورقة ضاغطة على حماس ولكن هل هذا شيء عملي ويمكن القيام به؟ أشك بذلك”. ويقول، “يبدو أن هناك خلافات بين نتنياهو ترامب على هذه النقطة، ونحن نرى أنه حتى الآن كان هناك لقائين بين ترامب ونتنياهو ولكن لم يعقد مؤتمر صحفي مشترك بين الاثنين وهذا يدل أن هناك خلافات بين الشخصين وهذا يمكن أن يعرقل التوصل لوقف إطلاق النار”.

رؤية ترامب حول التهجير

ويقول بريك “في زيارة ترامب الأخير للشرق الأوسط توصل لتفاهمات خاصة في لقائه مع القطريين بأن تهجير سكان غزة شيء غير عملي ومرفوض ونعرف أن مصر ترفض بشكل مطلق هذا الأمر والسيسي الذي كان من المفترض أن يزور الولايات المتحدة ويلتقي ترامب بعد أن رأى معاملة ترامب للعاهل الأردني، وبالتالي الموقف الموحد ضد الترانسفير لسكان غزة يقنع الأمريكيين أن هذا الأمر يضر بالمصالح الأمريكية من ناحية وغير عملي من الناحية الثانية”.

هل تجميع سكان قطاع غزة في مناطق معزولة داخل القطاع أمر مطروح؟

ويتابع بريك، “نقل سكان قطاع غزة لمكان واحد مطروح وهذا يتعلق بالمساعدات الإنسانية، فالشركة الأمريكية مرفوضة فلسطينيا وإسرائيل موافقة على أن هناك الكثير من التجاوزات التي تقوم بها هذه الشركة ووسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن متحدثين من الجيش أن هناك بعض الإشكاليات بهذا الأمر”. ويضيف، “الولايات المتحدة الأمريكية منفتحة على فكرة نقل سكان القطاع لمناطق واحدة معزولة ولكن ليس كما يروج بعض السياسيين الإسرائيليين وهذا أمر غير عملي والفلسطيني يرفضه جملة وتفصيلا والأمريكيون يعلمون عبر المعلومات الاستخباراتية أن هذا قد يهدد حماس ولكنه ليس شيء عملي في نهاية المطاف”.

هل غزة الآن أقرب لصفقة من أي وقت مضى؟

ويختم بريك، “نحن قريبون من صفقة الآن، ونرى الضغط من ترامب لوقف إطلاق النار وويتكوف أوضح لحركة حماس أن وقف إطلاق النار سيتحول لوقف الحرب نهائيا وهذا ما يريده ترامب، وهذا ما يريده نتنياهو ولكن عليه أن يسوق ذلك داخل إسرائيل فهو دائما يخشى من بن غفير ولذلك يريد الصفقة على دفعات مع أن هذا يضر بمصالح عائلات المحتجزين وبالمصالح الإسرائيلية”.

Related posts

لهذا السبب.. كولومبيا تطرد سفير إسرائيل لديها

محمد بن محمود

الاحتلال ينسحب من جنين بعد حملة اقتحامات واشتباكات

Walid Walid

دعوات للتحقيق في تنفيذ بروتوكول “هانيبال”

Walid Walid

Leave a Comment