تعهّدت لجنة التربية و التكوين المهني و البحث العلمي والشباب و الرياضة بمجلس نواب الشعب مؤخرا بمبادرة برلمانية تتعلق بتنظيم العمل بنظام الحصة الواحدة و حوكمة الزمن المدرسي.
و تحمل المبادرة البرلمانية المتعلقة بتنظيم العمل بنظام الحصة الواحدة وحوكمة الزمن المدرسي عددا من الجوانب الإيجابية التي يمكن أن تساهم في تحسين المناخ التربوي داخل المؤسسات التعليمية العمومية و المساعدة على تركيز أفضل واستفادة أوضح من الدروس.
ويرى داعموها من النواب أنها تنطوي على ايجابيات عديدة من بينها انها تخصص أوقات فراغ بعد انتهاء الحصص لاحتضان أنشطة ثقافية أو رياضية أو فنية بشكل اختياري بما من شأنه أن يوفّر للتلاميذ فرصة لاكتشاف قدراتهم وتنمية مهاراتهم في مجالات مختلفة، دون أن يكون ذلك عبئا إضافيا، كما تُحسب للمبادرة مراعاتها لخصوصيات بعض الجهات، إذ تقترح الانطلاق في التطبيق تدريجيا مع منح الأولوية للمناطق الريفية والبعيدة، مما يعكس درجة من التدرّج والتدرّجية في التنفيذ.
مضمون المبادرة
أما على المستوى العملي، فتشير فصول المبادرة إلى التزامات الدولة بتوفير الشروط المناسبة كتأهيل البنية التحتية وضمان النقل المدرسي والغذاء عند الحاجة، وهو ما قد يساعد على تجاوز عدد من العراقيل. وبذلك، تفتح المبادرة مجالاً للنقاش حول جدوى نظام الحصة الواحدة كخيار إصلاحي تدريجي وفق المراقبين
و تضمنت المبادرة 7 فصول، و يبين الأوّل منها أن هذا المقترح يهدف الى اعتماد نظام الحصة الواحدة في المؤسسات التربوية العمومية، من أجل تحقيق التوازن الزمني و الحد من الارهاق المدرسي و الارتقاء بجودة التعليم و مراعاة للظروف التربوية وفق نصّ الفصل الأوّل.
و تطرح مراجعة الزمن المدرسي على رأس اولويات ملفات الاصلاح التربوي في شتى المبادرات و الاراء التي يتم تقاسمها في الفضاء العام ، بهدف ترك مساحات زمنية معقولة تسمح للتلاميذ بممارسة الانشطة الرياضية و الانخراط في الانشطة الثقافية و الترفيهية.
و بحسب الفصل الثاني من المبادرة المقدمة، يقصد بنظام الحصة الواحدة تنيم اليوم الدراسي على فترة واحدة متواصلة سواء كانت صباحية او مسائية لا تتجاوز خمس ساعات يوميا، دون انقطاع بين الفترتين مع امكانية ادماج انشطة موازية اختيارية خارج التوقيت.
و اقترح اصحاب المبادرة تطبيق احكام هذا القانون في صورة المصادقة عليه تدريجيا على المدارس الابتدائية العمومية و المدارس الاعدادية و المعاهد الثانوية و منح اولوية التنفيذ للمناطق الريفية و الجهات ذات الخصاصة او صعوبات التنقل وفق نصّ المقترح.
و بحسب الفصل الرابع من مقترح القانون يضبط التوقيت الاسبوعي بنظام الحصة الواحدة بمقدار 5 ساعات يوميا كحد اقصى من الاثنين الى الجمعة بالنسبة للمرحلة الابتدائية و لا يتجاوز 30 ساعة اسبوعيا على خمسة ايام بالنسبة للمرحلتين الاعدادية و الثانوية، على ان تضبط وزارة التربية الجدول الزمني و المواصفات التربوية و طرق تقييم التجربة، كما تضع خططا لتأهيل البنية التحتية و توفير النقل المدرسي و التغذية عند الاقتضاء.
و بغاية انجاح المبادرة يقترح الفصل السابع منها أن يتم تشجيع المؤسسات على تنيم انشطة ثقافية و رياضية و رقمية و فنية بعد الحصة الرسمية بالشراكة مع المجتمع المدني و البلديات دون ان تكون الزامية.
و ينص الفصل الاخير على ان يتم الشروع في تطبيق هذا النظام بداية من السنة الموالية لنشر هذا القانون بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية و يتم تعميمه تدريجيا خلال ثلاث سنوات مع تقييم سنوي لنتائجة و تصدر النصوص الترتيبية المتعلقة بهذا القانون في اجل لا يتجاوز 6 اشهر من تاريخ نشره.
حدود المبادرة
و رغم ما تحمله المبادرة البرلمانية لتنظيم العمل بنظام الحصة الواحدة من نوايا إصلاحية، إلا أن حدودها تتضح عند النظر في طبيعة الملف التربوي الذي يعد من صميم السياسات العمومية طويلة المدى، فموضوع إعادة تنظيم الزمن المدرسي يندرج ضمن الإصلاح التربوي الشامل الذي من المنتظر أن يتعهد به المجلس الأعلى للتربية، باعتباره الهيكل المؤسساتي المخوّل لصياغة الخيارات الكبرى وضبط التوجهات العامة للتعليم والتربية.
كما تبدو المبادرة، في صيغتها الحالية، انها تكتفي بالتنصيص على مبدأ الحصة الواحدة دون تقديم تصور دقيق لمضامين التعلّم في هذا الإطار الجديد، ولا لطبيعة الأنشطة الموازية المقترحة أو كيفية تأطيرها، وهو ما قد يفرغ الفكرة من مضمونها التربوي الحقيقي.
كما تبدو قدرة البرلمان محدودة من حيث أدوات التقييم والمتابعة، خاصة أن تنفيذ هذه المبادرة يتطلب موارد بشرية ولوجستية وتربوية مهمة لا يمكن توفيرها دون انخراط فعلي من الجهاز التنفيذي.
ومن المؤكد ان السياسات التعليمية، وخاصة منها تلك التي تتعلّق بتنظيم الزمن المدرسي، لا تقتصر على سنّ القوانين، بل تحتاج إلى رؤية شاملة تتقاطع فيها الجوانب البيداغوجية والاجتماعية والمالية، وهو ما لا يمكن تحقيقه خارج إطار عمل منسق تقوده وزارة التربية ضمن خطط استراتيجية مدروسة.