تشهد عدة مناطق في تونس خلال الأيام الأخيرة موجة من الحرائق التي تلتهم المساحات الخضراء، مما يعرض الغابات والموارد الطبيعية للخطر، بالإضافة إلى تأثيراتها السلبية على الحياة البرية والمجتمع المحلي. ففي ولاية سليانة، تمكنت فرق الإطفاء بالتعاون مع وحدات الحماية المدنية من السيطرة على ثلاثة حرائق كبيرة اندلعت في مناطق جبلية مختلفة، وتحديدًا في جبل جامة وجبل بلوطة وجبل دحر. كما امتد أحد هذه الحرائق إلى جبل منصور في ولاية زغوان، مما يعكس مدى اتساع هذه الظاهرة في البلاد.
في القيروان، لم يكن الوضع أفضل، إذ اندلع حريق مساء الجمعة في إحدى الضيعات الفلاحية بمنطقة أولاد غرس الله، ما أدى إلى انتقال النيران إلى الغابات المجاورة. وبالانتقال إلى زغوان، تسبب تسرب النيران من حريق جبل منصور 1 في ولاية سليانة إلى اندلاع حريق جديد في المنطقة الغابية تليل الصالحي الدبيديبة، الذي دمر حوالي 200 هكتار من غابات الصنوبر الحلبي.
في الوقت نفسه، في ولاية باجة، اندلع حريق في منطقة الجوزة التابعة لمعتمدية عمدون، ما يزيد من مخاوف السكان والسلطات من تكرار هذه الحرائق.
أسباب الحرائق
الحرائق في تونس تعد نتيجة لعدة عوامل، أبرزها الظروف المناخية القاسية. الرياح القوية وارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف وكلها تسهم بشكل كبير في انتشار النيران بسرعة. في العديد من الحالات، تكون الرياح الجافة مثل رياح “الشهيلي” السبب في انتقال النيران من مكان لآخر، حيث تشهد المناطق الجبلية صعوبة بالغة في السيطرة على الحرائق بسبب التضاريس الوعرة. ولكن إلى جانب العوامل الطبيعية، يعد الإهمال البشري عاملًا رئيسيًا أيضًا. فالحرق العشوائي للزراعات او النفايات أو عدم التعامل السليم مع بقايا السجائر يمكن أن يكون سببًا مباشرًا في اشتعال النيران.
تأثير الحرائق على البيئة
تشكل الحرائق تهديدًا كبيرًا للبيئة الطبيعية في تونس، خصوصًا على الغابات. فالغابات التي تمثل موطنًا للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية تتعرض لتدمير واسع النطاق. في ولاية سليانة، على سبيل المثال، أتلف حريق جبل دحر جزءًا كبيرًا من النسيج الغابي، ما يهدد بتقليص المساحات الخضراء، وبالتالي يؤثر على التنوع البيولوجي في المنطقة. في المقابل، فإن الغابات في تونس تشكل مصدرًا مهمًا للثروة الطبيعية، بما في ذلك إنتاج الخشب وصناعة المواد الغذائية التقليدية. وتدمير هذه الغابات يعني فقدان موارد اقتصادية حيوية.
بالإضافة إلى ذلك، يؤدي فقدان الغطاء النباتي إلى تدهور التربة وزيادة خطر التعرية، وهو ما يهدد بالتصحر في بعض المناطق. مع تدمير النباتات والأشجار التي تساعد في الحفاظ على التوازن البيئي، كما تصبح التربة أكثر عرضة للتآكل بفعل الرياح والمياه.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية
لم تقتصر آثار الحرائق على البيئة فقط، بل امتدت لتطال الاقتصاد المحلي. ففي ولاية القيروان، أسفر الحريق الذي اندلع في ضيعة فلاحية عن خسائر كبيرة في المحاصيل الزراعية والمواشي، مما أثر سلبًا على الفلاحين الذين يعتمدون على هذه الأنشطة كمصدر رئيسي للرزق. ويعد الحريق في ولاية زغوان، الذي دمر 200 هكتار من الصنوبر الحلبي، خسارة كبيرة للثروات الغابية في المنطقة.
إلى جانب ذلك، تتأثر المجتمعات المحلية بشكل مباشر، خصوصًا سكان المناطق الريفية الذين يعانون من تداعيات الحرائق التي تهدد بيوتهم وأراضيهم الزراعية. ولذلك، تبرز الحاجة الماسة لتوفير تدابير وقائية فعّالة لحماية هؤلاء السكان من المخاطر المحتملة.
الجهود المبذولة لمكافحة الحرائق
رغم التحديات الكبيرة التي تواجه فرق الإطفاء، فإن السلطات المحلية تعمل بكل جهد للسيطرة على الحرائق. ففي سليانة، تم تسخير آليات ثقيلة مثل شاحنات الإطفاء وآلات لفتح المسالك الفلاحية لتسهيل وصول فرق الإطفاء إلى المناطق الوعرة. كما تم إجلاء السكان والمواشي من المناطق القريبة من الحرائق حفاظًا على حياتهم.
لكن، وعلى الرغم من هذه الجهود، تبقى عملية الإطفاء صعبة في ظل الظروف المناخية القاسية، لا سيما مع الرياح القوية والحرارة المرتفعة. من جهة أخرى، يجب على السلطات المحلية تعزيز التنسيق مع الفلاحين والمواطنين لرفع مستوى الوعي حول خطر الحرائق وضرورة اتباع الإرشادات البيئية للحد من هذه الكوارث.
التحديات المستقبلية والحلول الممكنة
بينما تسعى تونس لمكافحة الحرائق والسيطرة عليها، فإن التحديات البيئية والمناخية تبقى عائقًا كبيرًا. وللتقليل من حجم هذه الظاهرة، يجب على السلطات وضع خطط استراتيجية للتعامل مع الحرائق، تتضمن تعزيز الوقاية، وإعادة التشجير، وزيادة الوعي لدى المواطنين بشأن مخاطر الحرائق.
وتعد التقنيات الحديثة مثل الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار أدوات مهمة في مراقبة الحرائق ورصد الأماكن التي تشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة. إلى جانب ذلك، يمكن اعتماد استراتيجيات جديدة مثل بناء جدران مقاومة للحرائق أو زراعة نباتات تحمي الغابات من الامتداد السريع للنيران.
و في ظل تفشي الحرائق في مختلف مناطق البلاد، لا بد من اتخاذ خطوات حازمة لمكافحة هذه الظاهرة وحماية البيئة الطبيعية . التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني، إلى جانب اتخاذ إجراءات وقائية واستثمار في التقنيات الحديثة، سيكون هو المفتاح للحد من تأثيرات هذه الكوارث البيئية على الحياة البرية والإنسان.