27 C
تونس
2 أغسطس، 2025
وطنية

صادق عليه البرلمان: تعديل الفصل 96 يحرّر الادارة؟

صادق البرلمان مؤخرا على تعديل مهم شمل الفصلين 96 و98 من المجلة الجزائية، واثيرت تساؤلات حول التعديل وآثاره المحتملة على أداء الإدارة العمومية، وعلى محاربة الفساد من جهة، وضمان النجاعة القانونية من جهة أخرى.

وصادق المجلس باغلبية نوابه قبيل نهاية الدورة البرلمانية الحالية على مقترح قانون يتعلق بتعديل بعض احكام المجلة الجزائية.

تعديلات جديدة

وقد نص التعديل على إلغاء أحكام الفصلين المذكورين وتعويضهما بنصين جديدين، جاء فيهما تخفيف للعقوبة السجنية وتحديد دقيق لمفهوم الإضرار بالإدارة، بما يُخرج الموظف العمومي من دائرة الملاحقة الجزائية إلا إذا ثبت تعمده تحقيق فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره مقابل ضرر مادي محدد للإدارة.

وعدّل الفصل 96 جديد العقوبة السجنية من عشر سنوات إلى ست سنوات، مع الاقتصار على الضرر المادي الذي يمكن قياسه وتقديره ماليا، في حين أبقى الفصل 98 جديد على مبدأ استرجاع الأموال المستولى عليها أو المتحصلة من الجرائم، ولو انتقلت إلى أقارب الفاعل أو أصهاره، مع الحفاظ على إمكانيات القضاء في تسليط العقوبات التكميلية.

وعلّل النواب هذا التعديل بالحاجة الماسة الى ما اعتبروه تصحيح انزلاقات تطبيقية خطيرة” نتجت عن الصيغة القديمة للفصل 96، التي فتحت الباب أمام تتبعات واسعة شملت حتى الموظفين الذين لم يثبت ضدهم تعمد الإضرار، بل كانوا ضحية تأويل إداري أو أخطاء تقدير.

واجمع المتدخلون من النواب قبل التصويت على أنّ الصيغة القديمة ساهمت في شلل إداري، حيث أصبح الموظف العمومي يتجنب التوقيع، ويرفض المسؤولية، ويفضل الإحالة على التقاعد أو الانتقال إلى مهام لا تتطلب قرارا مباشرا، هربا من احتمال الزجّ به في السجن بسبب خطإ إداري غير متعمد.

ويأمل المواطنون أن يساهم الفصل الجديد في الحدّ من حالة “الهلع القانوني” التي سادت الإدارة منذ سنوات، حيث أصبح من الممكن التمييز بين الخطإ التأديبي والخطإ الجزائي، وبين الإضرار الناتج عن تقصير أو تأويل، والإضرار الناتج عن تعمد وسوء نية، وهو ما من شأنه أن يحرّر جزءا من المبادرة في صفوف الإطارات والمسؤولين.

وحاول النواب في الجلسة العامة التي انعقدت الخميس الماضي التأكيد على أن التعديل لا يمثل تراجعا عن مبادئ مكافحة الفساد، بل يأتي لتكريس مبدأ التناسب بين الخطإ والعقاب، وتفادي الخلط بين التجاوز الإداري والجرم الجزائي، مع الحفاظ على الصرامة إزاء من يتعمد تحقيق منفعة غير قانونية على حساب الدولة.

وتنص الفقرة الثانية من الفصل 96 جديد على أنه “إذا حصل الإضرار بمؤسسة تساهم الدولة في رأسمالها فإن الخطية تحتسب بقدر نسبة إسهامها فيها”، وهو ما يعكس توجها نحو تحديد دقيق لنطاق مسؤولية الموظف أو المستخدم، دون تحميله نتائج تفوق حجم سلطته أو مدى تدخله في القرار.

وتنص الأحكام الجديدة على أنّ العقوبات المالية ترافق العقوبات السجنية في كل الحالات، حيث أُبقي على إلزامية الخطية، لتساوي الضرر المالي الحاصل للإدارة، بما يُعزّز فكرة التعويض واسترجاع المال العام كعنصر ردعي أساسي.

 وأكّدت جهة المبادرة أن النص الجديد يتماشى مع المعايير الدولية في مجال تجريم الاعتداء على المال العام، ويستند إلى مبدأ “القصد الجنائي” في تحديد المسؤولية، ويراعي التوازن بين حماية الإدارة وبين حماية حقوق الموظف من الملاحقة غير المؤسسة.

وتُضاف إلى ذلك أحكام الفصل 98 جديد، التي حافظت على جوهر الردع المالي والاجتماعي، من خلال الإذن برد الأموال والمكاسب غير المشروعة، حتى لو وقع تحويلها إلى أصول أخرى، أو نُقلت إلى أقارب من الدرجة الأولى أو الثانية، دون إعفاء إلا في حالة إثبات مصدر قانوني لتلك الأموال.

وتفتح هذه المقتضيات الباب أمام القضاء المالي لاسترجاع المال العام المسروق حتى بعد مرور سنوات، وتحت مختلف التحويلات، بما يعزز منظومة المتابعة وعدم الإفلات من العقاب، لكنه في الوقت ذاته يمنح مجالا لإثبات البراءة على المحيط العائلي للمتهمين.

وتُمنح للمحاكم بموجب الفصل 98 جديد صلاحية تسليط العقوبات التكميلية المنصوص عليها في الفصل الخامس من المجلة الجزائية، وهو ما يسمح باتخاذ إجراءات تتجاوز العقوبة السجنية والمالية، مثل الحرمان من مباشرة الوظيفة العمومية أو الحرمان من الحقوق المدنية.

انتظارات لتحرير الادارة

وقد اقترنت كل المقاربات النقدية للفصل 96 من المجلة الجزائية على ركن تحرير الادارة و الموظفين العمومين من سيف مسلط عليهم بموجب هذا الفصل وتُطرح في هذا السياق أسئلة حول مدى قدرة النص الجديد على تحرير الإدارة العمومية فعلاً، و ما ان كان خطوة نحو إدارة أكثر شجاعة في اتخاذ القرار، أم انه ثغرة يُمكن استغلالها للإفلات من المحاسبة؟

ويبدو الجواب رهين كيفية تطبيق هذا الفصل وتفسيره من طرف القضاء، فإذا ما التزمت المحاكم بروح النص الجديد، فإن الخوف من القرارات الإدارية قد يتراجع، وقد تسترجع الإدارة شيئا من ديناميكيتها، خاصة في القطاعات الاقتصادية والاستثمارية، حيث يلعب الموظف دورا مفصليا في إتمام الصفقات والمشاريع.

و قبل الحديث على تطبيق القانون لابدّ من الاشارة الى أن النص المصادق عليه هو مبادرة من نواب، حيث يتعين عمليا حسن تطبيقها وجود تأييد مسبق من الجهاز التنفيذي الذي يمتلك السلطة الترتيبية التي يتم وفقها تنزيل القانون منزلة التطبيق، و لا يكون هذا القانون نافذا الا في صورة ختمه من قبل رئيس الجمهورية و نشره في الرائد الرسمي.

وقد عبّرت مؤخرا بعض الجهات عن تخوفها من أن يكون التعديل خاضعا لضغوط إدارية تسعى إلى الإفلات من التبعات القانونية، وتعتبر أن تخفيف العقوبة السجنية من عشر إلى ست سنوات قد يحمل رسالة سلبية للشارع، خاصة في ظل تنامي مشاعر الإحباط من ضعف المساءلة و هي الحجة التي يرى من خلالها البعض انه قد لا يتم ختم القانون من قبل رئيس الجمهورية بل سيتم على الارجح ردّه الى البرلمان وفق البعض.

وتنتظر الإدارة العمومية من التعديل الحالي أن يفتح المجال لإعادة الثقة بين الموظف والدولة، ويحفّز الإطارات على اتخاذ القرار دون خوف من المحاسبة الظالمة، شرط احترام ضوابط النزاهة وعدم استغلال الصفة في غير محلها.

ويطالب الفاعلين بتشريع إصدار النصوص التطبيقية للتعديل الجديد في صورة ختمه و نشر مناشير تفسيرية ومذكرات توضيحية توجّه الإدارات حول كيفية التعامل مع التعديل الجديد، خاصة في ما يتعلق بتحديد “الضرر المادي” و”القصد الجنائي”، لتفادي أي فراغ تطبيقي قد يعطل روح النص.

Related posts

اتّحاد الفلاحة يُطالب بإقرار زيادة عاجلة في سعر قبول الحليب عند الفلاح

محمد بن محمود

تفاقم عجز الميزان التجاري لتونس

سنية خميسي

الليلة: أمطار بعدة جهات والرياح تتجاوز 80 كم/س

Moufida Ayari

Leave a Comment