27 C
تونس
2 أغسطس، 2025
أخبار الجهات

في وسط مدينة زغوان: أراضٍ منسية تتحوّل إلى مصبات لنفايات

في قلب مدينة زغوان، حيث يفترض أن تنبض الحياة، توجد أراضٍ تئن تحت وطأة الإهمال، تحوّلت مع مرور الوقت إلى بؤر لتكدّس الفضلات ومصدر خطر على سلامة المواطنين. من بين تلك الأمثلة الصارخة، قطعة أرض خاصة منخفضة تقع على مرمى البصر من الإدارات والمحلات، لكنها خارج دائرة الفعل الرسمي والرقابة البلدية. ماذا حدث؟ ولماذا تحوّلت المصلحة العامة إلى رهينة لتراخي السلطات وغياب التدخل؟

من أرضٍ فارغة إلى مصبٍ خطير

تمرّ بجانبها فلا ترى سوى تلال من الفضلات، بقايا أكل، نفايات مكتبية، وحتى مخلفات البناء. قطعة الأرض التي كانت مجرّد فراغ داخل النسيج العمراني، تحوّلت إلى مصب عشوائي بفضل العادة المتكرّرة لبعض الإدارات والمحلات المجاورة التي وجدتها مخرجًا سهلاً للتخلّص من نفاياتها. ومع تراكم هذه الفضلات، لا يجد البعض حلًا سوى حرقها، ما يجعل المنطقة تكتظ بالدخان والروائح، ويزيد من تدهور الوضع البيئي وتشويه المنظر العام.

و الواقع أن الحرق لا يزيل النفايات، بل يضيف خطورة جديدة مثل التلوث الهوائي، مع إمكان انتشار حرائق، والضرر بالصحة العامة. أما المشهد العام، فقد فقد طابعه الحضري، وأصبح أقرب إلى مشاهد الهامش العشوائي الذي لا يليق بمركز مدينة يفترض فيه النظام والجمال.

الخطر لا يختبئ… إنه ظاهر للعيان

ما يزيد الوضع تعقيدًا وخطورة أن الأرض المنخفضة تشكّل تهديدًا مباشرًا للمارة، خصوصًا الأطفال وكبار السن. في ظل غياب أي حواجز وقائية أو تسييج، تصبح مجرد خطوة غير محسوبة كفيلة بإسقاط أحدهم في فضاء مهمل لا يُعرف مدى عمقه أو محتواه.

و هنا لا نتحدث فقط عن الإهمال، بل عن تهديد حقيقي يستحق أن يُدرج ضمن أولويات الحماية المدنية، لكن الغائب الأكبر هو الفعل البلدي. فرغم المطالب المتكررة من سكان المنطقة والمجتمع المدني لتسييج الأرض، فإن ردّ البلدية كان الصمت، ولا حياة لمن تنادي.

أراضٍ خاصة… هل هي فوق المصلحة العامة؟

في خضم هذا الإهمال، تطرح تساؤلات عديدة: هل يحق لأصحاب هذه العقارات الخاصة أن يتركوا أراضيهم مفتوحة بهذا الشكل؟ أين سلطة البلدية في إصدار قرارات إلزامية تفرض على المالكين صيانة ممتلكاتهم أو على الأقل حمايتها من أن تتحوّل إلى مصدر خطر أو تشويه بصري؟

و هذا النموذج لا يُعد حالة منعزلة، بل هو واحد من بين عشرات الأراضي المشابهة التي تحوّلت إلى بؤر لتكدس الفضلات في أكثر من حي. والأمر الأخطر أن هذا التجاهل أصبح شبه ممنهج، حتى يكاد المواطن يتيقّن أن السلطة الجهوية فقدت أنيابها في فرض النظام داخل المساحات المهملة.

بين الحق في الملكية وواجب الصيانة

صحيح أن الملكية الخاصة مصانة قانونًا، لكن ذلك لا يُعفي المالك من مسؤولية بيئية وأخلاقية، خصوصًا حينما يتقاطع عقاره مع الفضاء العام ويؤثر على سلامة المارة ونظافة المدينة. فالحلول القانونية موجودة: من إصدار قرارات بلدية تلزم بالصيانة أو التسييج، إلى فرض غرامات أو تحويل الأرض إلى استعمال مؤقت يخدم المصلحة العامة.

و لكن كل هذه الإجراءات تبقى حبراً على ورق إن لم تجد سلطة جهوية تنفيذية قوية تمتلك الإرادة والقدرة على الفعل، وهو ما يبدو غائبًا حتى اليوم.

نداء المجتمع المدني: لا نريد مدينة تُدار بالمناسبات

و ما يريده المواطن البسيط بيئة نظيفة، مدينة جميلة، ومساحات آمنة. ولكن حين تتحوّل الشوارع إلى فضاءات يتقاطع فيها الإهمال البيئي مع الخطر اليومي، فلا بد من مراجعة جذرية لطريقة إدارة الفضاء البلدي.

المجتمع المدني لا يريد بلدية تحضر فقط في المواسم، بل يطالب بإدارة يومية فعالة، تقوم بدورها في مراقبة الأراضي المهملة، وتفعّل قوانين ردعية بحق المخالفين، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات.

ما يحدث اليوم هو امتحان حقيقي للسلطة المحلية: هل هي قادرة على حماية المواطنين أم أنها تُركت فقط للطقوس الإدارية؟ الجواب لا يكون في البيانات ولا في الاجتماعات، بل في الصور الميدانية التي تروي الحقيقة: قطعة أرض مهملة، أطفال معرضون للخطر، وروائح حرق تعصف بأجواء المدينة.

و إذا لم تتحرّك السلطة الجهوية اليوم، فمن يضمن أن لا تتحوّل هذه الأمثلة إلى قاعدة؟ وإن لم يتم إلزام أصحاب العقارات بصيانة ممتلكاتهم، فمتى تُستعاد المدينة من بين أنقاض الفوضى؟

Related posts

وقفة احتجاجية بقبلي على خلفية الموت المستراب لمهاجر غير نظامي في ايطاليا

root

نابل : رضيع في الصندوق الخلفي لسيارة “تاكسي”

root

القصرين: وزيرة المرأة توزع 151 اشعارًا في إطار برامج الإدماج الاقتصادي

صابر الحرشاني

Leave a Comment