33.2 C
تونس
5 أغسطس، 2025
وطنية

بين فشل “المقاربة بالكفايات” وانتظارات الإصلاح: المدرسة في مفترق طرق

مع انطلاق العطلة الصيفية حيث تضع المؤسسات التعليمية اوزارها وينصرف الجميع الى التقييم واستخلاص الدروس والعبر من موسم دراسي مضى في انتظار موسم جديد لا يفصلنا عنه الا شهر او يزيد، تتجدد الآمال بشأن إمكانية تحقيق إصلاح تربوي شامل، يتم من خلاله تجاوز هنات المقاربات بالكفايات.

ومع التقدم الذي تم إحرازه في مسار تركيز المجلس الأعلى للتربية، الذي يُعوّل عليه ليكون الإطار المؤسسي الحاضن لأي عملية إصلاحية جادة وشاملة تتجدد الامال لتحقيق الاصلاح التربوي الذي طال انتظاره.

تجاوز عراقيل المقاربة بالكفايات

والمقاربة بالكفايات هي توجه بيداغوجي يركز على تمكين المتعلم من مجموعة من المعارف والمهارات والسلوكيات التي تمكنه من التفاعل بفعالية مع مختلف الوضعيات الحياتية، و تقوم هذه المقاربة على فكرة أن التعلم لا يجب أن يقتصر على اكتساب المعلومات، بل يجب أن يؤدي إلى بناء “كفايات” قابلة للتوظيف في الواقع، من خلال إدماج المعرفة بالفعل والسياق.

وقد ظهرت هذه المقاربة في سبعينيات القرن العشرين، خاصة في كندا وبلجيكا، قبل أن يتم اعتمادها في تونس بداية من سنة 2002. وقد رُوّج لها كوسيلة لتجاوز التعليم التقليدي، لكنها أثارت جدلاً واسعًا حول نجاعتها وجدواها في السياق التربوي التونسي.

من بين أبرز التحديات التي تواجه الإصلاح التربوي في تونس هي المقاربة بالكفايات، التي تم اعتمادها رسميًا في بداية الألفية الثالثة. هذه المقاربة، التي ظهرت أولى ملامحها في بلدان أوروبا الغربية، خاصة في فرنسا وبلجيكا وكندا، في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات، تعتمد على جعل المتعلم “فاعلاً” في بناء كفاياته، من خلال وضعيّات إدماجية وتعلم بالنشاط والمهام. لكن، رغم الأهداف التي رُوّج لها كثيرًا، إلا أن تطبيق المقاربة بالكفايات في تونس واجه عراقيل عديدة.

ومن الملاحظ انه تم اعتماد هذه المقاربة دون تدريب شامل وفعّال حيث يكشف الخبراء ان غالبية المدرسين لم يُدعَوا إلى التفكير فيها ولا إلى فهم فلسفتها، بل وجدوا أنفسهم مضطرين إلى تنفيذها من خلال كراسات وأنشطة جاهزة تفتقر إلى روح الفهم والتفاعل.

وبحسب خبراء المجال التربوي فقد حمّلت هذه المقاربة المدرّسين عبء إعداد شبكات تقييم متعددة ومعقّدة لا تراعي دائمًا واقع القسم التونسي من حيث عدد التلاميذ أو الإمكانيات المتاحة، مما أنتج في النهاية عملية تقييم بيروقراطية تفتقد للنجاعة.

ويكفي استقراء مكتسبات التلاميذ او على الاقل اغلبهم لفهم درجة الضياع التي باتوا يشعرون بها  داخل وضعيات إدماجية مفتعلة، بدل أن تكون منطلقًا للفهم، مما أدى إلى إرباكهم اضافة الى تشكي الاولياء مرارًا من أن أبناءهم لا يكتسبون مهارات أساسية كافية في الحساب أو الإملاء أو فهم النصوص، لأن التركيز في التعليم أصبح مشتتًا بين المشروع والوضعية والتمرين المفتوح، على حساب التمكّن من المعارف الأساسية.

وظلّ ترتيب تونس في التقييمات الدولية،  متأخرا في مؤشرات جودة التعليم، حيث لم تُسعف المقاربة بالكفايات المنظومة التربوية في تحقيق قفزة نوعية، فالأهداف ظلت غامضة، والتطبيقات مشوشة، والنتائج مخيبة.

ويؤكد خبراء التربية أن ما حصل فعليًا هو توريد لمفهوم نظري دون تكييف فعلي مع الواقع المحلي. بل إن البعض اعتبر أن المقاربة بالكفايات كانت وسيلة لتفادي التركيز على “جوهر الأزمة” وهو ضعف تكوين المدرّس، واهتراء البنية التحتية، وتضخم البرامج، وانعدام الرؤية طويلة الأمد.

أمام هذا الواقع، بات الرهان اليوم على المجلس الأعلى للتربية كبيرًا. فقد تم الإعلان عن التقدم في تركيزه من قبل الجهات المعنية، من خلال اصدار الاوامر التي تنظم العمل قبل تسمية الاعضاء ما يشير إلى إمكانية انطلاق مشاورات وطنية جدية حول مضامين الإصلاح التربوي. ومن المفترض أن يضطلع المجلس، الذي يُنتظر أن يجمع مختصين وخبراء وممثلين عن الهياكل المهنية والأكاديمية، بدور محوري في إعادة التفكير في كل الاختيارات البيداغوجية، بما فيها المقاربة بالكفايات، وإعادة الاعتبار للتعلم القائم على المعارف الأساسية والقدرة على التحليل والاستيعاب.

ولكي تنجح تونس في تجاوز مخلفات المقاربة بالكفايات واستثمار عطلة الصيف للإصلاح، لا بد من فتح نقاش وطني شامل بمشاركة فعلية للمدرسين والتلاميذ والأولياء، للخروج بتصور موحّد حول المدرسة التونسية التي نريدها. كما يجب مراجعة البرامج من الجذور والتركيز على تطوير المضامين وربطها بواقع التلميذ التونسي، بدل الاكتفاء بتغيير تقنيات التعليم. الاستثمار في المدرّس باعتباره حجر الأساس في أي إصلاح، من خلال تكوين حقيقي، تحفيز مهني، وتحسين ظروف العمل، أمر ضروري.

كما يجب تحييد التعليم عن التجاذبات السياسية حتى لا يكون الإصلاح رهين تغيير الحكومات أو المصالح الظرفية. وأخيرًا، يجب استغلال عطلة الصيف فعليًا عبر تنظيم ورشات عمل، استشارات جهوية، وبلورة خطط قابلة للتنفيذ بدءًا من السنة الدراسية المقبلة.

ومن المعلوم ان الإصلاح التربوي في تونس لا يحتمل مزيدًا من التأجيل، ولا يمكن أن ينجح بشعارات أو مقاربات مستوردة لا تراعي خصوصيات البلاد،وبين دروس الماضي وتطلعات المستقبل، تبدو عطلة الصيف فرصة ثمينة لا يجب تفويتها للانطلاق في عملية إصلاح حقيقية، تضع التلميذ والمدرّس في قلب المشروع، وتجعل من المدرسة التونسية فضاء للتكوين والمعرفة والعدل الاجتماعي.

Related posts

سفير الاتحاد الأوروبي يؤكد التزام أوروبا بمقترح تمويل قيمته 4 مليار أورو لفائدة تونس الى غاية 2027

root

وزارة التربية تنشر قائمة المؤسسات التربوية الخاصة المرخّص لها

Moufida Ayari

بعد 13 عاما من العمل الإنساني عبر العالم: هند صبري تستقيل من برنامج الغذاء العالمي

Ichrak Ben Hamouda

Leave a Comment