28.4 C
تونس
5 أغسطس، 2025
دولي

فلسطين على أبواب الاعتراف الدولي: هل تكتمل الخطوة؟

يتحرّك المشهد الدولي من جديد باتجاه إنصاف القضية الفلسطينية، وسط تحولات لافتة في مواقف بعض العواصم الكبرى، التي ظلّت لعقود تتردّد أو تحسب خطواتها حين يتعلّق الأمر بالاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.

وتأتي المبادرة الفرنسية الأخيرة لتمنح هذا الملف زخما سياسيا غير مسبوق، وتضع دولا كبرى، مثل بريطانيا، أمام لحظة مراجعة.

وتُعلن فرنسا، على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون، عن نيتها الاعتراف رسميا بدولة فلسطين خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، حيث تكمن رمزية الخطوة وفق مراقبون في أنها تصدر عن دولة أوروبية، وعضو دائم في مجلس الأمن، وعضو في مجموعة السبع، ما يُكسبها وزنا سياسيا دوليا، ويدفع بموجة من الاعترافات المحتملة نحو أفق جديد على الرغم من ضعف الموقف الفرنسي عموما.

وتتفاعل هذه الخطوة مع موقف متقدّم داخل البرلمان البريطاني، حيث طالب أكثر من 220 نائبا، من تسعة أحزاب، الحكومة بالتحرك فورا والاعتراف بدولة فلسطين، في موقف يحمل دلالات سياسية قوية، باعتباره يأتي من داخل النظام البرلماني العريق الذي لطالما كان متحفظا في خطواته تجاه هذا الملف.

وتشكّل هذه التطورات ضغطًا إضافيا على حكومة كير ستارم، خاصة في ظل انخراط نواب من حزب العمال الحاكم في هذه الدعوة، ما يعكس تباينًا داخليا في الموقف من القضية الفلسطينية، وقد يدفع برئيس الوزراء إلى إعادة النظر في تموضع بريطانيا التاريخي، أو على الأقل في لغته السياسية تجاه الاحتلال الإسرائيلي.

وتمنح هذه التحركات زخما سياسيا للقضية الفلسطينية، بعد سنوات من الجمود الدبلوماسي، حيث تُحاصر فلسطين بين توازنات دولية مُعقدة، ومواقف عربية مترددة، وسياقات إقليمية أضعفت موقعها على طاولة القرار الدولي.

وتُعيد هذه اللحظة مسألة الاعتراف بفلسطين إلى مربّع الشرعية الدولية، باعتبار أن الاعتراف لا يمثّل دعما رمزيا فحسب، بل هو تثبيت لوضع قانوني، يعترف بفلسطين كدولة قائمة الذات، لها حقوق سيادية وحدود وشعب، و يغذي بذلك فكرة اقامة الدولتين التي بات الاحتلال يرفضها.

وتُفسّر هذه التحوّلات أيضا ضمن سياق أوسع من التحركات الشعبية والنخبوية في العواصم الغربية، حيث المجتمع الانساني يعبر عن ضجره من ازدواجية المعايير، ويدعو إلى معاملة الفلسطينيين بما يليق بهم من احترام لحقوقهم الوطنية والإنسانية.

ويدرك كيان الاحتلال جيدا خطورة هذه النقلة النوعية، لذلك سارع إلى إدانة الموقف الفرنسي، وعبّر عن انزعاجه من الحراك البريطاني، خوفًا من أن يتحوّل هذا المسار إلى كرة ثلج تتدحرج في عواصم القرار، فتُحدث ما يشبه “الاعتراف الزلزالي” بدولة فلسطين.

وتقف الولايات المتحدة بدورها في صفّ القلقين، حيث أعلنت معارضتها المسبقة لأي خطوة أحادية الجانب، رغم أن الاعتراف بفلسطين لا يُعدّ من حيث الجوهر خطوة أحادية، بل هو تصحيح لمسار مزدوج المعايير، ظلّ يعترف بإسرائيل ويدعمها سياسيا وعسكريا، بينما يكتفي بتقديم المساعدات للفلسطينيين تحت سقف “الإغاثة”.

وتتقدّم فرنسا على هذا المسار مدفوعة باعتبارات تاريخية وأخلاقية، ولعلّها تسعى من خلال هذه المبادرة إلى استعادة دورها الدولي المتآكل، وتكريس صورتها كفاعل مستقل عن محور واشنطن – تل أبيب، وهو ما قد يلهم دولا أوروبية أخرى، كانت إلى حد الآن تمسك العصا من الوسط.

وتطرح هذه اللحظة أسئلة سياسية عميقة: هل يُمكن أن تمهّد هذه الاعترافات لمسار تفاوضي جديد قائم على مبدأ الدولتين؟ وهل سيُفضي هذا الاعتراف إلى تحركات فعلية داخل الأمم المتحدة لتعديل طبيعة عضوية فلسطين، ومنحها مقعد الدولة الكاملة العضوية بدل الوضع الراهن؟ وهل يكون الاعتراف الدولي وسيلة ضغط فعالة على إسرائيل لوقف توسّعها الاستيطاني وعدوانها المستمر؟

وتُعيد هذه الخطوة التأكيد على أن القضية الفلسطينية لم تمت، وأنها لا تزال تجد لها أنصارا حتى في عواصم كانت تُحسب بالكامل على إسرائيل أو تحاول النأي بنفسها عن صراعها مع الفلسطينيين.

وتُبرز هذه اللحظة أيضا أن التغيير ممكن حين تتقاطع الإرادة السياسية مع ضغط الرأي العام والبرلمانات، وحين تجرؤ الدول على الخروج من منطق الحياد البارد، إلى منطق الموقف السياسي المسؤول.

وتفتح فرنسا بهذا الاعتراف نافذة جديدة لفلسطين نحو الشرعية الدولية، وتدفع بدول العالم إلى تجاوز مرحلة التصريحات الفضفاضة نحو خطوات فعلية في القانون الدولي. وقد آن الأوان لأن لا تبقى فلسطين ملفًا إنسانيا تُعالج قضاياه في وكالات الغوث، بل قضية شعب يُناضل من أجل دولته، ويستحق اعترافًا كاملاً بها، على قدم المساواة مع باقي شعوب الأرض.

Related posts

إيران تعلن تسجيل تلوث إشعاعي داخل مفاعل نطنز النووي

محمد بن محمود

روسيا تسقط 9 طائرات مسيرة أوكرانية

Walid Walid

“الأونروا”تؤكد ارتفاع عدد وفيات الأطفال في غزة جراء البرد

Na Da

Leave a Comment