33.2 C
تونس
5 أغسطس، 2025
وطنية

مقترح قانون لإرساء منظومة وطنية للسياحة الاجتماعية في تونس نحو سياحة عادلة وشاملة

في خطوة جديدة تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتوسيع قاعدة الاستفادة من الخدمات السياحية في تونس، شرعت لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية بمجلس نواب الشعب في النظر في مقترح قانون عدد 93 لسنة 2025، الذي تقدم به عدد من النواب، والرامي إلى إرساء منظومة وطنية للسياحة الاجتماعية.

يأتي هذا المقترح في إطار توجه وطني نحو دمقرطة السياحة، وإدماج الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمسنين، والطلبة، في الدورة الاقتصادية لهذا القطاع الحيوي، وذلك عبر تخصيص نسبة لا تقل عن 30% من طاقة إيواء المؤسسات السياحية لفائدة السياحة الاجتماعية.

السياحة الاجتماعية: مفهوم جديد بتوجه اجتماعي

يعرف مقترح القانون السياحة الاجتماعية على أنها “مجموع الأنشطة والخدمات السياحية الموجهة إلى المواطنين، وخاصة الفئات ذات الدخل المحدود، والتي تمكنهم من التمتع بالإقامة والتنقل والترفيه والتثقيف في فضاءات سياحية أو عمومية بأسعار مدروسة ومدعّمة، وفق برامج وطنية منسقة ومؤطرة”.

ويهدف هذا التوجه إلى كسر الصورة النمطية للسياحة باعتبارها حكرا على فئة ميسورة فقط، وجعلها حقا متاحا لمختلف فئات المجتمع، في تمازج بين البعد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

فئات معنية بتوسيع النفاذ إلى السياحة

يشمل مشروع القانون فئات متنوعة من المستفيدين من منظومة السياحة الاجتماعية، على غرار العائلات محدودة أو متوسطة الدخل، التلاميذ والطلبة، الأطفال في وضعيات اجتماعية هشة، كبار السن والمتقاعدين، الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى الجمعيات الثقافية والاجتماعية وغيرها من الفئات التي يتم تحديدها وفق قرارات ترتيبية تصدر عن وزيري السياحة والشؤون الاجتماعية.

ويشكل هذا التصنيف أحد الركائز الأساسية التي تعتمد عليها المنظومة لضمان توزيع عادل وشفاف للبرامج والخدمات السياحية الموجهة إلى الفئات المستهدفة.

التزام سنوي بتخصيص 30% من الطاقة الإيوائية

في خطوة عملية وجريئة، ينص الفصل الرابع من مقترح القانون على التزام المؤسسات السياحية، سواء كانت عامة أو خاصة، بتخصيص نسبة لا تقل عن 30% من طاقتها الإيوائية والخدمية سنويا لفائدة البرامج الوطنية للسياحة الاجتماعية.

ويمثل هذا الفصل حجر الزاوية في هذا المشروع، حيث ينقل السياحة الاجتماعية من مجرد شعارات إلى التزامات فعلية تُجسّد على أرض الواقع، وتُدرج ضمن مخططات الاستثمار والتصرف في القطاع السياحي.

 مسؤولية مجتمعية وتحفيزات مالية

ولضمان الالتزام الجدي من قبل المؤسسات السياحية، ينص الفصل السادس من مقترح القانون على أن احترام مبدأ المسؤولية المجتمعية وتخصيص جزء من الخدمات للسياحة الاجتماعية، يُعد شرطا أساسيا للاستفادة من التحفيزات الضريبية والمالية التي تقرّها الدولة.

وبالتالي، يربط القانون بين الامتيازات والتزامات المؤسسات السياحية، بما يخلق نوعا من التوازن بين المنفعة الخاصة والمصلحة العامة، ويعزز مناخا جديدا من التضامن الاقتصادي داخل قطاع السياحة.

 تنمية السياحة الداخلية وتعزيز المواطنة

يرى مراقبون أن هذا المشروع سيفتح آفاقا جديدة أمام تنمية السياحة الداخلية، التي لا تزال تعاني من ضعف في الترويج والدعم، مقارنة بالسياحة الوافدة. فبتوسيع قاعدة المستفيدين داخل تونس، سيُعاد تحريك عجلة السياحة في المناطق الداخلية والجهات التي تعاني من نقص في التغطية السياحية.

كما أن تمكين الفئات المتوسطة والضعيفة من التمتع بعطل وفضاءات ترفيهية ومراكز استجمام، سيساهم في تعزيز الشعور بالانتماء والمواطنة، والتقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية.

قدرة الاستيعاب والتطبيق الفعلي

ورغم الطابع الإيجابي العام للمقترح، إلا أن عددا من الخبراء أشاروا إلى بعض التحديات المحتملة، من بينها مدى استعداد المؤسسات السياحية لتخصيص هذه النسبة المرتفعة من طاقتها للسياحة الاجتماعية، خاصة في ظل ضغوط السوق السياحية الدولية، والحاجة المستمرة لتحقيق أرباح تجارية.

كما يُطرح تساؤل حول آليات الرقابة والتأطير التي ستُعتمد لضمان تنفيذ مقتضيات القانون، ومدى قدرة البرامج الوطنية على استيعاب الأعداد المتزايدة من المستفيدين، دون التأثير على جودة الخدمات.

خطوة جريئة نحو “سياحة للجميع

يمثل مقترح القانون عدد 93 لسنة 2025 خطوة جريئة في اتجاه بناء سياحة عادلة وشاملة، لا تقتصر على النخبة، بل تشمل الجميع، وتعيد الاعتبار للبعد الاجتماعي والإنساني لهذا القطاع.

وفي حال تمت المصادقة عليه وتطبيقه بفعالية، سيكون لهذا المشروع أثر بالغ في إعادة تشكيل الخارطة السياحية في تونس، وتحويلها إلى أداة من أدوات التنمية الاجتماعية، والعدالة المجالية، والانتماء الوطني.

يبقى الرهان اليوم على قدرة الدولة، عبر مؤسساتها، وعلى استعداد المهنيين، على الالتزام الصادق بتنفيذ هذا القانون، وجعل “السياحة للجميع” واقعا ملموسا لا مجرد شعار.

Related posts

تصنيف جديد.. جواز السفر التونسي يحتل المرتبة 72 عالميا

marwa

مداهمة منزل مروّج مخدرات وحجز 29 صفيحة من مخدر القنب الهندي برادس

Na Da

تعيين حيدر الهراغي رئيسًا مديرًا عامًّا لمركز البحوث والدراسات للإتصالات

Moufida Ayari

Leave a Comment