في سابقة هي الأولى من نوعها، أعلنت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عن اعتماد شرط جديد للانتفاع بالدعم العمومي لشباك الناموسية المخصّصة لحماية صابة التمور لموسم 2025. ويشترط المنشور عدد 68 المؤرخ في 4 جويلية 2025، تسوية الوضعية الجبائية بالنسبة لمنتجي التمور، والمصدرين، والهياكل المهنية الناشطة في المجال، للتمتع بمساهمات الدولة ضمن تدخلات صندوق النهوض بجودة التمور
ويأتي هذا الإجراء في إطار مساعي الدولة لتنظيم الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه، عبر ربطه بالتصريح الجبائي الذي يعكس جدية المنتفعين وانخراطهم في المنظومة الرسمية. وفي هذا السياق، يتوجب على الفلاح أو الهيكل المهني الراغب في الانتفاع بالدعم التوجه إلى القباضة المالية الراجعة له بالنظر، وتقديم بطاقة تعريفه الوطنية لطلب إحدى الوثيقتين: شهادة في الوضعية الجبائية، أو شهادة في عدم وجود ديون جبائية.
وتُمنح هذه الشهادة للفلاحين الذين لا يملكون ديونًا جبائية، خاصة من مداخيلهم الفلاحية، أو لأولئك غير المطالبين بالأداء في حال كانوا ضمن النظام الجبائي المعفى. أما من لديهم معرّف جبائي وتترتب عليهم ديون، فهم مطالبون بتسويتها لدى مصالح الأداءات قبل استخراج الشهادة المطلوبة.
ووفق بلاغ صادر عن المجمع المهني المشترك للتمور، تم تحديد فترة تقديم المطالب من 28 جويلية إلى غاية 30 سبتمبر 2025. كما تم ضبط أسعار بيع شباك الناموسية المدعّمة بـ 1150 مليم للوحدة بالنسبة للهياكل المهنية، و1180 مليم للفلاحين والمصدرين. إلى جانب ذلك، تتوفّر مادة البلاستيك الواقية بسعر 7000 مليم للكيلوغرام للهياكل، و7200 مليم للفلاحين والمصدرين.
وتتزامن هذه الإجراءات الإدارية مع استعدادات ميدانية مكثفة تشهدها واحات الجنوب التونسي، خصوصًا في ولايتي قبلي وتوزر، حيث انطلقت عمليات الحماية استعدادًا لموسم يُتوقع أن يكون واعدًا. وتشمل هذه العمليات تدلية العراجين وربطها بالجريد الأخضر، وقص الجريد المتيبس لتسهيل التغليف، إلى جانب التحضير لتلبيس العراجين بشباك الناموسية والبلاستيك
لكن، ورغم هذه الديناميكية، لا تخلو التحضيرات من صعوبات؛ إذ يواجه الفلاحون ارتفاعًا ملحوظًا في كلفة العمليات التي تتراوح بين 10 و15 دينارًا للنخلة الواحدة، إلى جانب النقص المتزايد في اليد العاملة المؤهلة، ما يرفع من حجم التحديات المطروحة على القطاع في هذا التوقيت الحاسم
في المقابل، يحمل الموسم مؤشرات إيجابية تعزز آمال الفلاحين، أبرزها غياب إصابات آفة “السداية” أو عنكبوتة الغبار لأول مرة منذ سنوات. وهو ما يعني تخفيفًا في الأعباء المالية المرتبطة بمصاريف المداواة الكيميائية، التي لطالما أثقلت كاهل المنتجين في السنوات الماضية.
وتشير المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة الفلاحة إلى أن الإنتاج الوطني من التمور لسنة 2025 يُقدّر بنحو 347 ألف طن، مسجلاً تراجعًا بنسبة 10.7٪ مقارنة بسنة 2024. من هذه الكمية، يُتوقع أن تمثل دقلة النور 293.3 ألف طن، تتوزع أساسًا بين 250.3 ألف طن في ولاية قبلي، و62.3 ألف طن في ولاية توزر.
غير أن هذه الأرقام، رغم أهميتها، لم تمنع من تصاعد الدعوات في صفوف الفلاحين لمراجعة أسعار بيع التمور، بما ينسجم مع جودة المنتوج المنتظرة وحجم المجهودات المبذولة لحماية الصابة، في ظل ارتفاع التكاليف وتراجع هامش الربح.
وتدعم هذه المطالب الأرقام المتوفرة حول تدخل الدولة، حيث أُعلن عن توفير 5 ملايين وحدة ناموسية على المستوى الوطني، إلى جانب تخصيص 80 طنًا من مادة البلاستيك لولاية قبلي تحديدًا، نظراً لكثافة الإنتاج فيها وأهمية القطاع في الدورة الاقتصادية للجهة.
في خضم هذه التطورات، لا يزال الجدل قائمًا حول مدى وجاهة هذا الإجراء الجديد. ففي حين تراه الوزارة خطوة إصلاحية تعزز الشفافية والعدالة الجبائية، يعتبره بعض الفلاحين عبئًا إداريًا وماليًا إضافيًا في ظرف اقتصادي دقيق، يقتضي دعمًا مباشرًا لا مشروطًا. وبين هذا الرأي وذاك، يبقى السؤال مفتوحًا:هل يُعد هذا القرار خطوة نحو الحوكمة الرشيدة وضبط الدعم العمومي؟ أم أنه يُعمّق أزمة الفلاح ويقوّض فرصه في مجابهة موسمه الإنتاجي بأريحية؟