37.1 C
تونس
12 أغسطس، 2025
دولي عالمية

روسيا في سوريا:  حلم «المياه الدافئة»… وكلّ ما عداه يهون

بدأت أحلام الوصول إلى «المياه الدافئة» لدى الروس مطلع القرن الثامن عشر، مع بطرس الأكبر. وإذ فشل الأخير في تحقيقها، أعادت كاترين الثانية إحياء «الحلم» نفسه، لكنها أخفقت بدورها في الوصول إليه، وإن جعلت منه أمراً يندرج في سياقات رسم حدود الأمن القومي الروسي: أين يبدأ؟ وأين يجب أن ينتهي؟ وبحسب ما كتبه المؤرّخ الفرنسي، فيليب دو سان روبار، في مقدّمة كتاب لميشال ريمبو بعنوان «حروب سوريا: الإمبراطورية الروسية»، فإن كاترين الثانية (1762 – 1796)، التي توصف بأنها أبرز الحكام الروس في العصر الحديث، قالت إن «دمشق تمسك بمفاتيح البيت الروسي».

ومن دون شك، فإن قولاً صادراً عن حاكمة أُطلِق على حقبتها اسم «العصر الكاتريني»، سيظلّ يغوص في الذات الجمعية الروسية لوقت طويل؛ والشاهد هو أن موسكو وجدت في الأزمة السورية من عام2011 – حتى الآن  فرصة ذهبية للإمساك بذلك «المفتاح». غير أن اليد الروسية كادت تفلته في 8 جانفي الماضي، في محطة مفصلية هدّدت قدرة «الأصابع» على الإمساك به.

وعلى الرغم من محاولة الرئيس فلاديمير بوتين، بعد 11 يوماً، طمأنة الداخل الروسي بتأكيده أن «روسيا لم تُهزم في سوريا»، وأنها «حقّقت أهدافها هناك»، وتبريره ذلك بحصول «تغييرات طرأت على الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل النظام السابق»، بدت ملامح الألم واضحة في حديثه حين أضاف: «إذا كنا سنبقى هناك، فعلينا أن نخدم مصالح البلد الذي نحن موجودون فيه».

إلا أن ذلك لم يكُن يعني الإعلان عن فشل المهمة تماماً، بل كان من الواضح أن ثمة رهاناً على الوقت، الكفيل الوحيد بتحريك «السواكن»، ولربما الإبطاء من سرعة نقيضها، وخصوصاً أن من طبائع القوة، أي قوة، أنه إذا ما هُزمت مشاريعها فإنها لا تنكفئ تماماً عنها، بل تحاول العودة بأشكال أخرى. وبالفعل، لم يطُل وقت الانتظار الروسي، وسرعان ما انقشع الكثير من الضباب الذي أثاره الرهان السوري على «وردية» خيار «التوجه غرباً»؛ إذ بدأت مؤشّرات نهاية «شهر العسل» مع الغرب تتكشّف تباعاً، من أحداث السويداء الدامية والتعاطي الغربي المختلف معها عن نظيره في الساحل قبيل نحو ثلاثة أشهر، إلى تمديد «قانون قيصر»، مروراً بإعادة سوريا إلى قوائم «الدول الراعية للإرهاب»، وصولاً إلى العربدة الإسرائيلية في السماء والأراضي السورية، والتي ما كان لها أن تحدث من دون وجود «رضى» غربي، وإن كان يصعُب الإعلان عنه.

الأكيد أن لموسكو دوراً كبيراً في «التصلّب» الذي تبديه «قسد» في مفاوضاتها مع دمشق

في المقابل، كانت موسكو تكدّس «أوراق» قوّتها، محضّرة إياها للتفعيل والمقايضة إذا لزم الأمر، لكن تحت سقف «شرعة كاترين»، التي حتى إذا حانت لحظة «يالطا السورية»، ستبقى سقوفها غير قابلة للتبديل. والجدير ذكره، هنا، أن موسكو عملت، في مرحلة ما بعد الأسد، على تنشيط وجودها في المناطق الواقعة تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، فيما شهدت قاعدة القامشلي، التي كانت قائمة سابقاً، تعزيزاً في عديد جنودها، ونوعية الأسلحة المُستخدمة فيها.

وشكّل هذا الأمر استثماراً روسياً ناجحاً في عاملين اثنين: أولهما، التناقض بين أنقرة وواشنطن حيال منطقة شرق الفرات، وثانيهما الخشية التي تولّدت لدى «قسد» بعد ذهاب الولايات المتحدة إلى تقليص عديد قواتها هناك، والذي قد ينذر بإمكان قيامها بسحب تام لهذه القوات، وهو ما تراه «قسد» تهديداً لمكاسبها التي تحقّقت على مدار عقد كامل. أمام ذلك، يبدو منطقياً البحث عن بديل قادر على ضمان ترسيخ تلك «المكتسبات» أو جزء وازن منها.

وربما يندرج ما نشره «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة الماضي، من أن «قسد» قد تفكّر إذا ما فشلت مفاوضاتها مع حكومة دمشق، بفتح قنوات مع تركيا لتفعيل «الميثاق الملّي»، في سياق بلورة تحالف روسي – تركي – «قسدي»، لملاقاة نظيره الأميركي – الإسرائيلي الضاغط في الجنوب. والجدير ذكره، هنا، أن الميثاق المُشار إليه، كان قد أقرّه البرلمان التركي عام 1920، وينصّ في أحد بنوده الستة، على أن «المناطق التي تسكنها غالبية تركية مسلمة هي بمثابة موطن للأمة التركية»، مع الأخذ في الاعتبار أن مفهوم «الأمة التركية» يعتبر أن الكرد والتركمان والسريان، أي من غير العرب، هم مواطنون أتراك.

إلّا أن هذا التحالف، يبدو أنه لا يقلّ خطورة عن التحالف الأميركي – الإسرائيلي؛ فموسكو لها مصلحة أكيدة في بقاء حكومة دمشق عند الحدود الدنيا من الضعف التي تسمح ببقائها، فيما يندرج تحالفها المتنامي مع «قسد» في هذا السياق، والأكيد أن لروسيا دوراً كبيراً في «التصلّب» الذي تبديه «قسد» في مفاوضاتها مع الحكومة الانتقالية، الرامية إلى تحقيق اندماج مؤسساتها داخل منظومة الحكم القائمة راهناً.

وإلى جانب ذلك، عزفت موسكو، إبان زيارة الوفد السوري إليها، على «وتر» التأكيد على «وحدة الأراضي السورية»، والذي يبدو أن لحنه كان مستساغاً لدى الوفد. كما أن المحادثات، وما أعقبها من تصريحات، واستقبال بوتين غير المبرمج للوفد (لم يكن مُدرجاً على جدول أعمال الزيارة)، كلّها مؤشرات إلى أن دمشق لا تبدو متوجّسة من الدور الروسي، بل لا مانع لديها من إتاحة الفرص لهذا الأخير للتمدّد على نحو أوسع.

ويشكّل ذلك فرصة لموسكو كي تحافظ على موطئ قدم في «المياه الدافئة»، وتضمن في الوقت نفسه مقعداً عريضاً على طاولة المفاوضات الكبرى التي ستنعقد عندما تحدث التلاقيات الكبرى بغرض فرض تسوية سياسية نهائية على السوريين الذين باتت أقدارهم كلّها بأيدي خارجٍ متصارع، فيما يقوم «رأس الصراع» على الآتي: لمن ستكون اليد الطولى في سوريا؟

Related posts

الحوثيون يستهدفون مدمّرة أميركية في البحر الأحمر

Walid Walid

هل تنجح مفاوضات الدوحة في وقف إطلاق النار بغزة؟

Na Da

قبرص تستعد لتدفق لاجئين من الشرق الأوسط وتعزز قدرة استيعاب مركز الاستقبال الرئيسي

Ichrak Ben Hamouda

Leave a Comment