30.6 C
تونس
12 أغسطس، 2025
اقتصاد

ناقشها مجلس وزاري: هل يدعم الدائنون مبادرة مقايضة الديون بالاستثمارات؟

تطرح مبادرة مقايضة الديون بالاستثمارات في المجالات المناخية فرصة حقيقية لتخفيف اعباء المديونية الخارجية، شريطة دعم الدائنون لها

وتزايدت الدعوات لإيجاد حلول مبتكرة لمعضلة الديون الخارجية في الدول النامية، وأطلقت مبادرات تسعى إلى تحويل الأعباء المالية إلى فرص تنموية، من بينها مبادرة مقايضة الديون بالاستثمارات، التي طرحتها لجنة الإسكوا وانخرطت فيها تونس رسميّا سنة 2025.

آلية المقايضة

و تمثّل مقايضة الديون بمشاريع تنموية أحد المسالك الجديدة للتمويل المبتكر، و يتيح هذا المسلك توجيه جزء من خدمة الدين الخارجي نحو استثمارات داخل الدولة المدينة، بما يلبّي حاجاتها الوطنية، ويحقق أهداف المناخ والتنمية المستدامة.

وتكمن الفكرة في اتفاق ثنائي بين الدولة المدينة والدولة الدائنة، بمقتضاه يقع تحويل الدفوعات المالية المرتبطة بالدين إلى تمويل مباشر لمشاريع محدّدة يتم إنجازها محليّا.

ويأتي هذا التمشي في سياق دولي معقّد، يشهد تضخما في الديون وتراجعا في قدرة الدول على السداد، حيث تواجه عدة بلدان عربية ارتفاعا حادّا في كلفة خدمة الدين، مما يستهلك مواردها العمومية، ويقوّض قدرتها على الاستثمار في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والبنية التحتية.

وفي هذا الإطار، أطلقت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) آلية مقايضة الديون مقابل العمل المناخي وأهداف التنمية المستدامة، كجزء من نهج جديد لتمويل التنمية. تهدف هذه الآلية إلى دعم الدول الأعضاء في مواجهة الضغوط المالية، وتمويل التحولات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية، عبر شراكات مع الجهات الدائنة والمؤسسات المانحة.

وانطلقت هذه المبادرة في ديسمبر 2020، ضمن مؤتمر رفيع المستوى، وشهدت انخراطا متزايدا من الحكومات العربية والمنظمات الأممية، وتبنّت الإسكوا منهجا تشاركيا في تطوير الآلية، حيث أنشأت لجنة استشارية، وأعدّت دراسات مرجعية، وحدّدت مؤشرات أداء لمتابعة تنفيذ المشاريع وتقييم نتائجها.

وترتكز هذه المبادرة على عدد من المبادئ، منها احترام السيادة الوطنية، وضمان اتّساق المشاريع مع المخططات التنموية للدول، واعتماد إطار شفاف يحدد الأولويات الوطنية، ويضمن الرقابة على التنفيذ، ويقيس الأثر المباشر على السكان والبيئة والاقتصاد.

وانخرطت تونس في هذه المبادرة، ونظّمت عدّة اجتماعات فنية مع خبراء الإسكوا، وصاغت برنامجا نموذجيا لمقايضة جزء من ديونها الثنائية مقابل استثمارات في مشاريع خضراء وتنموية، وتمّ تخصيص مجلس وزاري مضيق في 5 أوت الجاري للنظر في مقترحات المبادرة وتحديد آليات تنفيذها.

ربط البرامج بمخطط التنمية

وأشرفت رئيسة الحكومة التونسية على هذا المجلس، واعتبرت أن مبادرة الإسكوا تُمثّل فرصة لتعزيز الاستدامة المالية والاستثمار في مجالات حيوية، منها الأمن المائي، والطاقة المتجددة، والتصرّف في مياه الصرف الصحي، وحماية الشريط الساحلي، والإصلاح البيئي للغابات.

واستعرض المجلس قائمة أولى للمشاريع المقترحة، نابعة من المقاربات المحلية والجهوية والإقليمية، في إطار إعداد مخطط التنمية للفترة 2026-2030. تندرج هذه المشاريع ضمن رؤية الدولة لمجابهة التحديات المناخية، وتحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في المناطق الهشة.

وشملت مؤشرات الأداء التي وقع اعتمادها سبعة أهداف رئيسية، منها تحسين التزود بالمياه النظيفة، وزيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 35 بالمائة من مزيج الطاقة الوطني بحلول سنة 2030، ورفع مستوى عيش الفئات الفقيرة، وتوفير فرص عمل، وتقليص التفاوت بين الجهات.

وينتظر أن تنطلق تونس في مفاوضات ثنائية مع الدول الدائنة، قصد إبرام اتفاقات المقايضة قبل موفى سنة 2025، تمهيدا للشروع في تنفيذ المشاريع المعتمدة. ويُعوّل على هذه العملية لتخفيف عبء الدين الخارجي، دون المساس بالاستقرار المالي، ودون اللجوء إلى آليات تقليدية كإعادة الجدولة أو الإعفاء الكلي.

ورغم ما تحمله هذه المبادرة من وعود، يبقى السؤال المركزي قائما: هل يوافق الدائنون على مقايضة ديونهم باستثمارات؟ وهل تتوفّر لديهم الإرادة السياسية والمرونة المالية للانخراط في هذا النموذج؟

مبادرة طيبية و لكن….

و يبدو أن هذا القبول مشروط بعدة اعتبارات، أولها مدى جدوى المشاريع المقترحة، ومدى انسجامها مع أولويات الجهة الدائنة، خصوصا إذا كانت تربط مساعداتها بشروط جيوسياسية أو اقتصادية. يتطلب الأمر أيضا وجود مؤسسات تنفيذية قوية،

يشترط عدد من الدائنين توفر دراسات جدوى مفصّلة، ومؤشرات أداء دقيقة، ونظام رقابة مستقلّ، وهو ما سعت تونس إلى توفيره ضمن البرنامج النموذجي، عبر التنسيق مع الإسكوا، واعتماد المعايير الأممية في تقييم الأثر وقياس المردودية الاقتصادية والاجتماعية.

ويمثل التمويل المناخي أحد أبرز مجالات الاهتمام لدى الدائنين الجدد، خاصّة الدول الصناعية الكبرى والمؤسسات المالية الدولية، و يشهد العالم تحولا في منظومة التمويل، حيث باتت الاستثمارات الخضراء تحتل موقعا محوريا في السياسات الاقتصادية، ما يفتح الباب أمام قبول واسع لمثل هذه المبادرات، شريطة أن تستجيب للمعايير البيئية المعتمدة دوليا.

رغم ذلك، تعترض المبادرة جملة من التحديات، أبرزها المنافسة بين الدول النامية على الموارد المالية المناخية، وصعوبة تحقيق التوافق السريع مع كل الدائنين، واختلاف مستويات الاستعداد المؤسسي والإداري بين البلدان، حيث تواجه بعض الدول صعوبات في إعداد ملفات المشاريع، وفي التفاوض الفني والمالي، وهو ما قد يؤخّر تنفيذ الاتفاقات.

في المقابل، تمثل هذه المبادرة فرصة للدائنين أنفسهم لإعادة توجيه أموالهم نحو أهداف ذات أثر مزدوج، يخفّف من أعباء الديون، ويعزّز الاستقرار في المناطق النامية. تساهم المشاريع التنموية في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وتقليص الهجرة غير النظامية، ودعم الاستقرار الإقليمي.

Related posts

كونكت تصدر بيان بخصوص الخبز

root

بنزرت: حجز 359 كلغ من اللحوم غير صالحة للاستهلاك وأكثر من 2 طن من البطاطا كانت موجهة للإحتكار والمضاربة

Na Da

إلى موفى أوت: تقلّص العجز التجاري بـ 267.6 مليون دينار

Na Da

Leave a Comment