15 أغسطس، 2025
دولي

ضررها اكثر من نفعها: المساعدات الجوية كارثة جديدة على ماساة غزة الانسانية

 سقط صندوق مساعدات إنسانية خلال جسر جوي لحزم المساعدات في وسط قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل مواطن فلسطيني يوم الاثنين الماضي، هذا الفلسطيني ليس أول ضحية، وربما لن يكون الأخير، للمساعدات الدراماتيكية المقدمة إلى غزة، وحتى الآن، رافقت عمليات الإنزال الجوي المحدودة للمساعدات إلى سكان غزة خسائر فادحة وتكاليف باهظة للاجئين.

مساعدات لتهدئة الرأي العام

يعتقد جان بيير فيليو، المحلل السياسي الفرنسي، أن الغرض من هذا النوع من المساعدات الجوية هو فقط تهدئة الرأي العام العالمي ضد “إسرائيل”، وليس تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، وفقاً لهذا الخبير الفرنسي، فإن المساعدات الجوية لغزة ليست حلاً للمجاعة والكارثة الإنسانية في غزة، بل هي أشبه بمسرحية.

كما صرّح “فيليو”، الأستاذ الجامعي البارز والخبير في شؤون الشرق الأوسط، لشبكة دويتشه فيله الألمانية بأن “إسرائيل” تستخدم احتجاز المساعدات كرهائن كأداة للضغط على سكان غزة، وفي مقال له في صحيفة لوموند، ذكر أن المساعدات الجوية وعمليات إسقاط المساعدات جواً في مناطق الحرب “هي أقل الطرق فعالية لتوزيع المساعدات الإنسانية”.

خسائر فادحة في مسرحية المساعدات

تشير التقارير أيضاً إلى أن عمليات إسقاط المساعدات جواً تسببت في خسائر فادحة بين نازحي غزة، حيث سُحق الكثيرون تحت مظلات حزم المساعدات الكبيرة، وقد انضمت المملكة المتحدة وفرنسا والأردن وإسبانيا بالفعل إلى الجسر الجوي، لكن يبدو أن تأثير هذه المساعدات إعلامي ودعائي أكثر منه عملياً، قبل ايام، أسقطت طائرة إماراتية صندوقاً من المساعدات في غزة، لكنه سقط بعد تعطل مظلته.

وصلت المجاعة في غزة إلى حد وصل فيه سعر كيس الدقيق (25 كيلوغرامًا) إلى 1000 دولار أمريكي، حسبما ورد، في شهر فيفري من العام الماضي، وقعت “مجزرة الدقيق” في غزة بسبب سوء توزيع الدقيق، والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 118 شخصًا إما نتيجة تدافع أو على يد القوات الإسرائيلية.

خيار مكلف وغير فعال

استُخدم النقل الجوي لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية لتقديم الإغاثة للقوات المحاصرة، وأصبح منذ ذلك الحين أداة حيوية للمساعدات الإنسانية، استخدمت الأمم المتحدة هذه الطريقة لأول مرة لإيصال المساعدات عام 1973.

ومع ذلك، ووفقًا لتقرير برنامج الغذاء العالمي لعام 2021، يُعتبر النقل الجوي “الملاذ الأخير” للإغاثة، ولا يُستخدم إلا “عندما لا تتاح خيارات أخرى”، كان جنوب السودان آخر منطقة تتلقى عمليات نقل جوي في ذروة المجاعة، وغزة الآن تشهد نفس الظروف.

قال فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، إن نقل الغذاء جوًا “مكلف وغير فعال، وقد يتسبب في سقوط ضحايا ووفيات بين اللاجئين”، ووصف لازاريني الجسر الجوي إلى غزة بأنه “عملية تهدف إلى صرف انتباه الرأي العام عن كارثة غزة”.

كما صرّح كيران دونيلي، من لجنة الإغاثة الدولية في لندن، بأن النقل الجوي “لا يمكنه أبدًا تلبية الاحتياجات”.

حساب احتياجات الإغاثة

يقدر جو إنوود، مراسل بي بي سي وورلد، أن هناك حاجة لأكثر من 160 رحلة جوية يوميًا لتوفير وجبة واحدة لكل مليوني نسمة من سكان غزة، لكن الحد الأقصى لعدد الرحلات الجوية يوميًا للمساعدات الجوية لا يتجاوز 20 رحلة.

صرح رياض عثمان، خبير شؤون الشرق الأوسط في ميديكو إنترناشونال، في مؤتمر صحفي عُقد في برلين، أنه قبل السابع من أكتوبر 2023، كان ما بين 500 و600 شاحنة تصل يوميًا إلى سكان غزة واقتصادها. اليوم، حتى 600 شاحنة يوميًا لا تكفي لتلبية احتياجات قطاع غزة، ليس فقط بسبب تدمير البنية التحتية الأساسية ونظام الرعاية الصحية في غزة، بل أيضًا تدمير الزراعة بالكامل.

عادةً ما تحمل الشاحنة حوالي 20 طنًا من المساعدات؛ بالإضافة إلى الغذاء، غالبًا ما تشمل الإمدادات الطبية الأساسية ومياه الشرب، وحاليًا، يدخل أقل من 100 شاحنة مساعدات إلى غزة يوميًا، وهو مستوى يُفاقم الأزمة.

التجويع.. سلاح “إسرائيل” اللاإنساني

أصبح تقييد المساعدات أداةً لاإنسانية تستخدمها “إسرائيل” للضغط على غزة، وصرحت جوليا دويتشر، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا: “هناك أدلة دامغة على أن “إسرائيل” تستخدم التجويع المتعمد كسلاح حرب”، ودعت الحكومة الألمانية إلى وقف إرسال الأسلحة إلى “إسرائيل” وزيادة الضغط الدبلوماسي على نتنياهو.

في الواقع، يمكن القول إن تقديم المساعدات لغزة لم يعد مجرد مسألة تقنية أو لوجستية، بل أصبح مسألة سياسية وأخلاقية وقانونية بحتة، إن صمت الدول المؤثرة أو تقاعسها، أو تقديم مساعدات جوية رمزية وغير فعالة، لا يهدئ ضمير العالم ولا الرأي العام، يعتقد العديد من المراقبين أن الحكومات الأجنبية، بتبنيها نماذج مساعدات غير فعالة واستعراضية، تتنصل من مسؤولياتها، وتكتفي بإدارة ظاهر الأزمة، دون التطرق إلى جوهر حلها في غزة.

وجاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية انه “بينما كثفت الدول مؤخرًا عمليات إنزال المساعدات جوًا في غزة، يؤكد العاملون في المجال الإنساني أن هذه الطريقة لإيصال المساعدات لا يمكنها وحدها تلبية الاحتياجات الهائلة في القطاع؛ إذ لا يمكن إطعام وشفاء 2.3 مليون شخص يعيشون في حالة كارثية من خلال عمليات الإنزال الجوي.  

تعجز عمليات الإنزال الجوي عن توفير حجم المساعدات التي يمكن نقلها برًا.  في حين أن قافلة مكونة من خمس شاحنات لديها القدرة على حمل 100 طن من المساعدات المنقذة للحياة، لم توصل عمليات الإنزال الجوي الأخيرة سوى بضعة أطنان من المساعدات لكل منها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تشكل عمليات الإنزال الجوي خطرًا كبيرًا على حياة المدنيين الذين يسعون لتلقي المساعدات؛ فقد وردت بالفعل أنباء عن مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص بسبب سقوط طرود المساعدات في غزة سقوطًا حرًّا. لا يمكن أن تكون المساعدة الإنسانية مرتجلة؛ بل يجب أن يتم تسليمها بواسطة فرق متخصصة تتمتع بالخبرة في تنظيم عمليات التوزيع، وتقديم الخدمات المباشرة المنقذة للحياة. ويجب أن يكون لعمليات تسليم المساعدات وجه إنساني، ليس فقط للتمكن من تقييم احتياجات الأشخاص المتضررين بشكل صحيح، بل أيضًا لإعادة بث الأمل في قلوب السكان الذين يعانون أصلًا من الصدمة واليأس، ومن أجل حفظ كرامتهم. بعد أشهر طويلة من القصف المستمر، والظروف اللاإنسانية، يحق للأطفال والنساء والرجال في غزة الحصول على أكثر من مجرد صدقة ضئيلة يتم إنزالها من السماء. وفي حين أن أي مساعدات إنسانية تصل إلى غزة هي موضع ترحيب، إلا أنه ينبغي اعتبار النقل عن طريق الجو أو البحر مكمّلًا للنقل البري وليس بديلًا عنه؛ إذ إنه لا يمكن، تحت أي ظرف، أن يحل محل المساعدات المقدمة عن طريق البر.

ومن المهم الإشارة إلى أن بعض الدول، التي قامت مؤخرًا بعمليات إنزال جوي، تزوّد أيضًا السلطات الإسرائيلية بالأسلحة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا. لا يمكن للدول أن تستخدم المساعدات لتجنب مسؤولياتها وواجباتها الدولية بموجب القانون الدولي، بما في ذلك منع وقوع الجرائم الفظيعة. ولكي تفي هذه الدول بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، يجب عليها وقف جميع عمليات نقل الأسلحة التي قد يتم استخدامها في ارتكاب جرائم دولية، بالإضافة إلى تنفيذ إجراءات هادفة لفرض وقف فوري لإطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية بدون قيود، ومحاسبة الجناة.

من ناحية أخرى، أعلنت الدول الثالثة مؤخرًا عن جهود لفتح ممر بحري من قبرص، بما في ذلك إنشاء ميناء عائم على شاطئ غزة، والذي لن يعمل بكامل طاقته قبل عدة أسابيع. تتضور العائلات جوعًا، ولا يمكنها انتظار تجهيز البنية التحتية البحرية والبرية: يتطلب إنقاذ حياتهم السماح فورًا بدخول الشاحنات الإنسانية المليئة بالأغذية والأدوية التي يُمنع دخولها إلى غزة حاليًا. علاوة على ذلك، للوصول الى نقاط التوزيع حول غزة، ستواجه الشحنات من هذا الميناء العوائق نفسها التي تواجهها قوافل المساعدات القادمة من رفح حاليًا: استمرار انعدام الأمن، وارتفاع معدل منع الوصول من قبل القوات الإسرائيلية، والانتظار المفرط عند نقاط التفتيش الإسرائيلية. ولذلك، لن يغير إنشاء هذا الميناء الوضع الإنساني الكارثي بشكل كبير، ما لم يقترن بوقف فوري لإطلاق النار، والوصول الكامل للمساعدات بدون عوائق إلى جميع مناطق قطاع غزة. هناك أيضًا بواعث قلق حول انعدام الشفافية بشأن الجهة التي ستكون مسؤولة عن البنية التحتية، وأمن توصيل المساعدات على الشاطئ. ينبغي للدول ضمان ألا يضفي الممر البحري الشرعية على الاحتلال العسكري البري الإسرائيلي المطول للقطاع، من خلال استغلال الحاجة لإيصال المساعدات.

إننا ندرك أن هناك حاجة ماسة إلى كل المساعدات في هذا السياق العصيب، ولكننا ننبه إلى العواقب المدمرة المحتملة لخلق سوابق خطيرة تؤدي إلى تدهور إمكانية وصول المساعدات الإنسانية عبر الأراضي وإطالة أمد الأعمال القتالية. تتمثل الاستجابة الإنسانية المناسبة للاحتياجات الهائلة في غزة في الوصول، بدون قيود، للمساعدات والعاملين في المجال الإنساني الذين يتمركزون منذ أشهر على الجانب المصري من الحدود. وحتى الآن، تخضع إمكانية إطعام وشفاء وإيواء 2.3 مليون شخص في غزة لتقدير السلطات الإسرائيلية وحدها؛ ولا يمكن أن يظل هذا الوضع قائمًا بدون اعتراض. إن المنظمات الإنسانية لديها القدرة اللوجستية على توفير الخدمات للفلسطينيين في غزة، وما يُفتقر إليه هو الإرادة السياسية من جانب الجهات الحكومية لإنفاذ عملية وصول المساعدات. 

تترقب المنظمات الإنسانية أن تستخدم الدول الثالثة نفوذها، بشكل عاجل، لوقف فوري لإطلاق النار وإلزام السلطات الإسرائيلية بوقف حصارها المتعمد للمساعدات المنقذة للحياة في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك من خلال الفتح الكامل لمعابر رفح وكيرم شالوم/كرم أبو سالم وإيرز/بيت حانون وكارني/المنطار، ورفع القيود عنها. ونذكّر بأن وقف إطلاق النار الفوري والدائم هو الشرط الوحيد للسماح بزيادة هائلة في تدفق المساعدات الإنسانية اللازمة لتخفيف معاناة 2.3 مليون شخص في قطاع غزة. 

Related posts

مصر ترفض سيطرة إسرائيل على فيلادلفيا ومعبر رفح

محمد بن محمود

تونس- اليابان: التمديد في مشروع تحسين جودة وإنتاجية الصناعة التونسيّة « كايزان » إلى مرحلة ثالثة

Na Da

ماكرون يؤكد لبايدن ضرورة وقف إطلاق النار بغزة ومنع هجوم رفح

Walid Walid

Leave a Comment