36.5 C
تونس
15 أغسطس، 2025
وطنية

 حين يُقتل كلب بلا ذنب وبوحشية: جريمة تعذيب الحيوانات بين الغضب الشعبي والفراغ القانوني

في أحد أحياء مدينة سوسة، مات كلبٌ بعد محاولات يائسة لإنقاذه، إثر اعتداء وحشي ببالة حديدية حيث راج الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.و لم يكن مجرد كلب، بل كان رمزًا لصراع طويل بين الرحمة والوحشية، بين القانون والفراغ، بين الإنسانية والهمجية. الجريمة التي هزّت مشاعر التونسيين ليست الأولى، لكنها كانت كافية لتُشعل من جديد النقاش حول ثقافة الرفق بالحيوان، وحول ضعف التشريعات، وغياب التوعية الدينية والاجتماعية.

جريمة تهز الضمير… والفاعل موقوف

الكلب الذي تعرض للاعتداء لم يكن يشكل خطرًا، لم يكن متوحشًا، ولم يكن معتديًا. كان ضحية إنسان قرر أن يُفرغ عنفه على كائن ضعيف. ورغم تدخل الأطباء البيطريين، ورغم تعاطف الناس، فارق الكلب الحياة، تاركًا خلفه سؤالًا موجعًا: كم من الحيوانات تُعذب وتموت بصمت؟
النيابة العمومية أذنت بإيقاف المعتدي، وسيُعرض على القضاء، لكن القضية أكبر من مجرد محاكمة فرد. إنها قضية مجتمع، قضية تشريع، قضية ضمير.

قانون ضعيف… ومجلة جزائية لا تُنصف الحيوان

في تونس، لا يوجد قانون خاص يُجرّم تعذيب الحيوانات بشكل صريح. المحاكم تعتمد على الفصلين 304 و 305 من المجلة الجزائية، اللذين يتحدثان عن الإضرار بملك الغير، لأن الحيوانات تُعتبر “منقولات” في القانون التونسي.
الفصل 304 يعاقب من يتعمد قتل حيوان بالسجن 3 سنوات وخطية مالية قدرها ألف دينار.
الفصل 305 إذا كان القتل بدافع التشفي، تُضاعف العقوبة إلى 6 سنوات و2000 دينار.
الفصل 317 يعاقب بالسجن 15 يومًا من يعذب حيوانًا، باعتبار ذلك مخالفة بسيطة.
لكن هذه الفصول تبقى غير كافية، ولا تعكس حجم الجريمة ولا بشاعتها. الجمعيات الحقوقية والبيئية تطالب منذ سنوات بتنقيح هذه القوانين، وإصدار مجلة خاصة بحقوق الحيوان، تُجرّم التعذيب، وتُحدد آليات الردع، وتُوفر حماية قانونية حقيقية.

أين الخطاب الديني؟ غياب التوعية من المنابر

في خطب الجمعة، نادرًا ما يُذكر موضوع الرفق بالحيوان. بل إن بعض الأئمة يرددون أحاديث ضعيفة أو غير دقيقة عن “نجاسة الكلاب” أو “منع تربيتها”، مما يُعزز النظرة السلبية تجاهها، ويُبرر ضمنيًا الاعتداء عليها.
لكن في المقابل، القرآن والسنة النبوية مليئان بالأمثلة التي تُكرّس الرحمة تجاه الحيوان فالنبي صلي الله عليه و سلم قال: “دخلت امرأة النار في هرّة حبستها، لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.” وقال أيضًا: “في كل كبد رطبة أجر.” أين هذه القيم في خطابنا الديني؟ لماذا لا يُخصص الأئمة خطبًا لتوعية الناس؟  هم الأقرب إلى المواطن، والأكثر تأثيرًا، فهل من صحوة؟

العنف ضد الحيوان… مؤشر نفسي خطير

علم النفس يُحذر من أن الاعتداء على الحيوانات قد يكون مؤشرًا على اضطرابات نفسية، أو قابلية لممارسة العنف ضد البشر. الدراسات تؤكد أن من يُعذب الحيوانات، خاصة في سن مبكرة، قد يكون عرضة للسلوك الإجرامي لاحقًا.
و في تونس، لا توجد آليات لرصد هذه الحالات، ولا برامج تربوية تُعلّم الأطفال احترام الحيوان. بل إن بعض الآباء يُشجعون أبناءهم على ضرب القطط أو مطاردة الكلاب، دون إدراك أن ذلك يُنمّي العدوانية ويُضعف الحس الإنساني.

الكلاب الضالة… بين القتل الجماعي والرعاية الغائبة

البلديات في تونس غالبًا ما تلجأ إلى قتل الكلاب الضالة بالرصاص أو السم، بدلًا من اعتماد برامج التلقيح والتعقيم والإيواء. هذه الممارسات تُثير غضب الجمعيات البيئية، وتُسيء لصورة البلاد.
و في دول مثل المغرب، بدأت البلديات تعتمد على مراكز إيواء، وتُنسق مع الجمعيات لتوفير الرعاية. أما في تونس، فالمشهد لا يزال قاتمًا، رغم وجود جمعيات نشطة مثل “SOS Animaux” و”Tunis Ecologique”، التي تُكافح بإمكانيات محدودة.

صوت المجتمع المدني… هل يسمعه البرلمان؟

الحادثة الأخيرة أعادت فتح النقاش داخل المجتمع المدني، الذي يُطالب بـإصدار قانون خاص بحقوق الحيوان ، تجريم التعذيب والقتل العمد ، فرض عقوبات صارمة ، إنشاء مراكز إيواء وتمويلها ، إدماج ثقافة الرفق بالحيوان في المناهج الدراسية ، تخصيص خطب دينية للتوعية.
و لكن البرلمان لا يزال صامتًا. فهل ينتظر المزيد من الضحايا؟ هل ينتظر أن تتحول تونس إلى بلد يُعرف بقتل الحيوانات بدلًا من رعايتها؟

الكلب الذي مات… أيقظ ضميرًا

موت الكلب لم يكن نهاية، بل كان بداية. بداية صحوة، بداية نقاش، بداية غضب شعبي و في بلد يُفاخر بثقافته، بتاريخه، وبقيمه، لا يجوز أن يُقتل الحيوان دون محاسبة، ولا أن يُعذب دون ردع.
الرحمة ليست شعارًا، بل سلوكًا والرفق بالحيوان ليس ترفًا، بل مقياسًا لتحضر الشعوب. 
فهل نُعيد الاعتبار لما هو منسي؟ هل نُصغي لصوت الحيوان، الذي لا يتكلم، لكنه يُعاني؟  الجواب في يدنا، وفي ضميرنا، وفي قوانيننا.

Related posts

سعيّد يؤكد حرص تونس على تطوير الشراكة الاقتصادية مع الكويت

Moufida Ayari

المحكمة الإدارية تلغي قرار إيقاف بشير العكرمي عن العمل..

root

رئيس الجمهورية: “ان الشعب التونسي ماض إلى الأمام لتحقيق أهداف الثورة ولإحباط مناورات كلّ من يحنّون إلى العودة إلى الوراء”

Na Da

Leave a Comment