36.5 C
تونس
15 أغسطس، 2025
وطنية

نزيف الطرقات في تونس: ارتفاع مقلق في حصيلة قتلى حوادث المرور

يشهد ملف حوادث المرور في تونس منذ بداية سنة 2025 تطورًا مثيرًا للقلق، حيث كشف المرصد الوطني لسلامة المرور أنّ حصيلة القتلى بلغت 458 شخصًا إلى غاية يوم 7 أوت الجاري، وهو ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 9,13 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية (2024). هذا المؤشر يعكس استمرار ظاهرة نزيف الطرقات التي تمثل إحدى أبرز المعضلات التي تواجه البلاد على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.

تفوق الذكور في نسبة الضحايا

وبيّن المرصد أنّ نسبة القتلى من الذكور بلغت حوالي 86 بالمائة، مقابل 13,79 بالمائة للإناث، وهو ما يعكس هيمنة فئة الذكور على الفئات الأكثر عرضة للموت على الطرقات، خصوصًا وأنهم يشكلون النسبة الأكبر من مستعملي وسائل النقل الخاصة والدراجات النارية، إضافة إلى انخراطهم في أنماط قيادة أكثر خطورة في كثير من الأحيان.

الشباب والكهول الأكثر عرضة

وبحسب المعطيات، فإنّ الشباب والكهول الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و59 سنة يشكلون الشريحة العمرية الأكثر تضررًا من حوادث المرور، حيث تصدروا قائمة القتلى منذ مطلع العام. هذه المعطيات تكشف عن فقدان البلاد لطاقات بشرية في أوج عطائها الإنتاجي والاجتماعي، مما يضاعف من حجم الخسائر المترتبة عن هذه المأساة المستمرة.

النقاط السوداء في الطرقات

وأوضح المرصد أنّ هناك ما يُعرف بـ النقاط السوداء”، وهي أماكن تتكرر فيها الحوادث بشكل لافت، وتستحوذ على أكبر نسبة من الضحايا. وقد تم تحديد خمس مناطق رئيسية تمثل بؤرًا لهذه الظاهرة، وهي: ولايات أريانة، منوبة، بن عروس، وصفاقس. هذه الولايات تشترك في كونها تضم محاور طرقية كبرى ذات حركة مرور مكثفة، وغالبًا ما تعاني من مشاكل في البنية التحتية أو من غياب وسائل ردع كافية للمخالفين.

أبعاد اجتماعية واقتصادية

ارتفاع عدد القتلى في حوادث المرور لا يمثل فقط مأساة إنسانية تمس عائلات الضحايا، بل يترتب عنه أيضًا أعباء اقتصادية باهظة. فكل حادث مميت يعني خسارة في اليد العاملة، إضافة إلى تكاليف العلاج والتأمين وإصلاح الأضرار المادية. وتشير تقديرات سابقة للبنك الدولي إلى أن الخسائر الناتجة عن حوادث الطرق قد تصل إلى 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول، وهو ما يجعل هذه الظاهرة نزيفًا مزدوجًا: في الأرواح وفي الموارد.

أسباب ارتفاع الحصيلة

ويرجع خبراء السلامة المرورية هذا الارتفاع في حصيلة القتلى إلى جملة من العوامل المتداخلة، أبرزها السرعة المفرطة التي ما زالت تتصدر أسباب الحوادث، إضافة إلى عدم احترام إشارات المرور والقيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، فضلًا عن الإرهاق وقلة التركيز خاصة لدى سائقي الشاحنات والحافلات، إلى جانب سوء حالة بعض الطرقات وضعف الإضاءة أو غياب العلامات المرورية الواضحة، كما يلعب غياب الوعي المروري الكافي لدى بعض مستعملي الطريق، سواء كانوا سائقين أو راجلين، دورًا مهمًا في تفاقم الظاهرة.

دور البنية التحتية والرقابة

تحسين البنية التحتية يظل أحد الحلول الجوهرية لتقليص عدد الحوادث، إذ أن الطرق المهترئة أو التي تفتقر للإضاءة والعلامات الواضحة تمثل خطرًا دائمًا. كما أن تعزيز المراقبة المرورية باستعمال الرادارات الثابتة والمتنقلة، وتكثيف الدوريات الأمنية، يعد من الوسائل الناجعة للحد من المخالفات الخطيرة.

جهود التوعية والتثقيف

إلى جانب الإجراءات الأمنية والقانونية، تؤكد التجارب الدولية على أهمية التثقيف المروري عبر الحملات الإعلامية الموجهة لمختلف الفئات العمرية. فالوعي بخطورة السلوكيات المتهورة على الطريق يمكن أن يساهم في تغيير أنماط القيادة وتقليص عدد الحوادث. وقد سبق لوزارة النقل ووزارة الداخلية أن أطلقتا حملات موسمية، لكن استمرار النزيف يستدعي برامج توعوية مستدامة تبدأ من المدارس وتصل إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

مقاربة شاملة للحد من الظاهرة

الحد من حوادث المرور يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين التشريع الصارم، وتطوير البنية التحتية، والتثقيف المستمر، إضافة إلى تشجيع وسائل النقل الجماعي الحديثة التي تقلل من الاكتظاظ على الطرقات. كما أن إشراك المجتمع المدني في رصد النقاط السوداء والتبليغ عن التجاوزات يمكن أن يشكل دعمًا مهمًا للجهود الرسمية.

مأساة تتكرر

رغم تعدد البرامج والخطط الوطنية للسلامة المرورية، فإن أرقام سنة 2025 تشير إلى أن النزيف مستمر وأن الطريق ما زال طويلًا نحو تقليص الخسائر. وفي ظل هذا الواقع، يظل كل حادث مرور ليس مجرد رقم في تقرير رسمي، بل قصة مأساوية لعائلة فقدت ابنًا أو أبًا أو أختًا، وذكرى أليمة تترك أثرًا لا يُمحى في الذاكرة الجماعية للتونسيين.

دعوة للتحرك العاجل

ختامًا، يشكل ارتفاع حصيلة قتلى حوادث المرور بنسبة تتجاوز 9 بالمائة منذ بداية السنة مؤشرًا خطيرًا يستدعي تحركًا عاجلًا من كل الأطراف المعنية: السلطات، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، فضلًا عن المواطنين أنفسهم. فسلامة الطرق مسؤولية جماعية، وأي تقصير فيها قد تكون كلفته حياة إنسان.

Related posts

الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل تواصل أشغالها

Na Da

المسح الوطني للهجرة: 39 الف مهندس و 3300طبيب هاجروا في الـ5 سنوات الأخيرة

root

الممثل أحمد الاندلسي يتعرّض الى وعكة صحية

Na Da

Leave a Comment