37.2 C
تونس
19 أغسطس، 2025
وطنية

تفعيله يتزامن مع العودة المدرسية: المجلس الأعلى للتربية والمسؤولية التاريخية

يبدو أن تفعيل المجلس الاعلى للتربية و التعليم سيتزامن مع العودة المدرسية المقبلة، لتدخل بلادنا مرحلة تاريخية حاسمة في تحقيق اهم اصلاح تترقبه العائلات التونسية.

و كان رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد زار مؤخرا المقر الذي سيكون فيه المجلس الاعلى للتربية و التكوين و امر باجراء اشغال ترميم عاجلة ليكون جاهزا في أقرب الأوقات، حتى تباشر هذه المؤسسة الدستورية عملها خاصة بعد استكمال الاطارين التشريعي و الترتيبي لها.

مهمة تاريخية

وتجد تونس التي عرفت منذ الاستقلال إصلاحات كبرى في مجال التعليم نفسها اليوم أمام منعطف حاسم، حيث لم تعد الإصلاحات الجزئية أو التعديلات الظرفية كافية لمواجهة التحديات. وتتجلى الحاجة إلى مراجعة جذرية للمنظومة التربوية أمام تراجع مستوى التحصيل في المواد الأساسية وتنامي ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة وتراجع صورة المدرسة العمومية وارتفاع كلفة التعليم الخاص.

ويرتبط الإصلاح في مجال التعليم مباشرة بإصلاح الدولة والمجتمع، إذ تصنع المدرسة الأجيال التي ستدير شؤون البلاد في المستقبل، وتغرس قيم المواطنة وتؤهل الكفاءات القادرة على تطوير الاقتصاد وضمان استقراره، وتتأكد أهمية هذا المسار الإصلاحي باعتباره حجر الأساس لأي مشروع وطني شامل، وينعكس نجاحه على بقية القطاعات فيما يترك فشله أثره السلبي على كل المجالات.

و يحتاج تفعيل المجلس الاعلى للتربية تعيين اعضائه في الهياكل التابعة له و هي الهيئة العليا و هيئة الخبراء و هيئة التقييم و التي تضم وزراء القطاعات المعنية و عدد من الخبرات و الكفاءات التي يتم تعيينها و اختيارها الى جانب ممثلي الاطراف النقابية التي يمكن ان تحضر كلما كانت الملفات التي سيتم تناولها ذات العلاقة بالحق النقابي.

وتختلف العودة المدرسية هذه السنة عن سابقاتها في كونها تتزامن مع انطلاق عمل المجلس الاعلى للتربية، وهو ما يثير اهتمام الأولياء والمربين والتلاميذ، ويشعر الجميع بأن مرحلة جديدة بدأت وأن النقاش حول المدرسة تجاوز المطالب المادية أو الظرفية ليتناول الرؤية العامة لمستقبل التعليم والتكوين.

وأثبتت التجارب السابقة في تونس أن أي إصلاح تعليمي يحتاج إلى رؤية بعيدة المدى وإرادة سياسية ثابتة ومشاركة واسعة من مختلف المتدخلين، ولم تحقق الإصلاحات التي عرفتها البلاد في السنوات الماضية أهدافها بسبب غياب التنسيق بين الهياكل وضعف المتابعة وغياب آليات التقييم، وتبرز أمام المجلس الاعلى للتربية فرصة لتجاوز هذه الإخفاقات من خلال وضع آليات تضمن الاستمرارية والاستناد إلى دراسات دقيقة ومقارنات مع تجارب ناجحة في دول أخرى.

رهانات و تحديات

وتفرض التحديات المطروحة على المجلس الاعلى للتربية تحيين البرامج والمناهج لتواكب التطور العلمي والتكنولوجي، وربط التعليم بسوق الشغل، وتطوير البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، وضمان تكوين مستمر للمربين والمكونين، وتوفير بيئة تعليمية ملائمة تحفز على التعلم. كما يفرض الواقع إدماج التكنولوجيا في التعليم لمجاراة الثورة الرقمية وتقليص الفجوة بين المدرسة التونسية ومحيطها العالمي.

ويبرز أيضا جانب آخر يتمثل في ضرورة ربط التعليم الأكاديمي بالتكوين المهني، حيث ويواجه الاقتصاد التونسي منذ سنوات مفارقة تتمثل في بطالة مرتفعة بين حاملي الشهادات العليا مقابل نقص في اليد العاملة المؤهلة في قطاعات متعددة.

 وتستوجب معالجة هذه المفارقة وضع سياسة تعليمية تدمج المسارين منذ المراحل المبكرة وتمنح التكوين المهني المكانة التي يستحقها حتى يصبح خيارا جاذبا للشباب.

ويتطلب الإصلاح إعادة الاعتبار لدور المدرسة كحاضنة للقيم، فالعالم يشهد ضغوطا ثقافية وإعلامية وخطابات عنف وتطرف، وهو ما يجعل المدرسة فضاء أساسيا لغرس قيم الحوار والتسامح واحترام القانون والعمل الجماعي وحماية البيئة،وتعتبر التربية على المواطنة ركيزة لبناء مجتمع متماسك ومتوازن.

ويطرح تمويل الإصلاح تحديا كبيرا، إذ تمثل الميزانية المخصصة للتربية نسبة هامة من ميزانية الدولة، لكن الحاجيات المتزايدة تجعل الموارد غير كافية لتنفيذ مشاريع إصلاحية كبرى. ويقتضي الأمر البحث عن حلول مبتكرة للتمويل .

وتتوقف أيضا حوكمة القطاع على نجاح الإصلاح، فضعف التنسيق بين الوزارات والهياكل المعنية وتعدد القرارات المتناقضة يؤديان إلى إهدار الموارد وإرباك تنفيذ المشاريع، ويمكن أن يلعب المجلس الاعلى للتربية دورا محوريا في ضمان الانسجام بين مختلف الأطراف ومتابعة تنفيذ السياسات التربوية بشكل دوري وشفاف.

ويعتمد أفق الإصلاح التعليمي في تونس على قدرة المجلس الاعلى للتربية على تحويل الإرادة السياسية إلى خطط عملية قابلة للتنفيذ، وعلى قدرته على إقناع الرأي العام بجدوى الإصلاحات المقترحة

وتعيش بلادنا اليوم لحظة فارقة، ويشكل تفعيل المجلس الاعلى للتربية بالتزامن مع العودة المدرسية فرصة لإطلاق إصلاح شامل يضع التعليم في قلب المشروع الوطني، حيث يستدعي الأمر أن يتحول هذا الإطار إلى فضاء حقيقي للتفكير والعمل الجماعي وأن ينجح في صياغة رؤية متكاملة تواكب التحولات وتستجيب لتطلعات المجتمع. ويظل الرهان كبيرا، فالنتائج التي ستتحقق في السنوات القادمة ستحدد ملامح تونس في العقود المقبلة.

وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتق المجلس الاعلى للتربية طابعا تاريخيا، لأن القرارات التي سيتخذها اليوم ستؤثر في أجيال لم تولد بعد. وسيلتحق التلميذ الذي يدخل اليوم مقاعد الدراسة بسوق الشغل في منتصف القرن الحالي، وسيكون إعداد هذا الجيل بالمعرفة والمهارات والقيم التي يحتاجها رهينا بجدية الإصلاحات وعمقها وقدرة الدولة والمجتمع على جعل التعليم أولوية حقيقية.

Related posts

مؤتمر إفريقي للنقابات والطبوبي يؤكد أن لقاء بودن اليوم سيحدد الخطوات القادمة

root

جلسة عمل بوزارة الصناعة لتطوير نشاط القطب التكنولوجي بصفاقس

Moufida Ayari

الهيئة العليا المستقلة للانتخابات : ” اليوم اصدار رزنامة الانتخابات التشريعية المعدلة “

yosra Hattab

Leave a Comment