19 أغسطس، 2025
دولي

نتنياهو على طريق الانتحار السياسي

بينما تتسارع الأحداث في قطاع غزة وتتعاظم التحديات السياسية والدبلوماسية، يصر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على المضي قدماً في حربه ضد القطاع، متحدياً كل التحذيرات والضغوط الدولية والمحلية. ورغم اتساع رقعة المعارضة له داخل إسرائيل وخارجها، ورغم الانتقادات المتزايدة من دول كانت تدعمه في السابق، يواصل نتنياهو تنفيذ خطط الحرب في غزة، مصراً على ما يسميه إنهاء المهمة. ومع تكشف أبعاد هذا الإصرار، يبدو أن نتنياهو يسير في طريق لا يمكن التراجع عنه، حتى وإن كانت نهايته السياسية تلوح في الأفق، وهي نهاية قد تكون أقرب مما يظن.

منذ بداية العمليات العسكرية في غزة، ازدادت الانتقادات الداخلية والخارجية لسياسات نتنياهو، وتزايدت الاحتجاجات الشعبية في المدن الإسرائيلية ضد الحرب التي لا تُرى لها نهاية قريبة. هذه الاحتجاجات لم تقتصر على المعارضين التقليديين لحكومة الاحتلال، بل شملت قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، بما في ذلك أفراد من معسكر اليمين، وحتى من كانوا في وقت سابق من الداعمين الأقوياء لنتنياهو. عائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى في غزة كانت من أبرز الفئات التي دعت إلى وقف الحرب، حيث اعتبرت أن استمرار العمليات العسكرية يعرض حياة أبنائهم للمزيد من الخطر، كما يعقّد فرص التفاوض لإعادتهم. وقد تزامن هذا مع تزايد القلق داخل الجيش الإسرائيلي، حيث بدأت تظهر خلافات حادة بين نتنياهو وعدد من كبار الضباط، بمن فيهم رئيس الأركان، حول جدوى استمرار الهجوم، في ظل تزايد الخسائر البشرية وضغوط المجتمع الدولي.

لكن الأزمة الداخلية لنتنياهو لا تقتصر على المعارضة الشعبية أو الخلافات مع المؤسسة العسكرية. فقد بدأت عزلة إسرائيل الدبلوماسية تتسارع بشكل غير مسبوق. في خطوة غير متوقعة، قررت ألمانيا، التي كانت تعتبر أحد أقوى حلفاء إسرائيل في أوروبا، تعليق مبيعات الأسلحة التي يمكن استخدامها في الحرب ضد غزة، اعتراضاً على السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى تدهور الوضع في القطاع. هذه الخطوة جاءت ضمن سلسلة من الانتقادات والضغوط الدولية التي تواجهها إسرائيل منذ بدء الحرب، حيث باتت دول عديدة، بما في ذلك حلفاء تقليديون لإسرائيل، توجه انتقادات حادة لسياسات نتنياهو وتطالب بوقف الهجوم على غزة. مجلس الأمن الدولي، بدوره، عقد جلسة طارئة لمناقشة الوضع في غزة، في وقت يتصاعد فيه القلق من تداعيات هذه الحرب على الاستقرار الإقليمي، وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط برمتها.

على الصعيد الإنساني، أصبحت الأزمة في غزة أكثر تعقيداً، حيث يواجه مليونا فلسطيني في القطاع وضعاً كارثياً بسبب الحصار المستمر والقصف العنيف. مع تدمير البنية التحتية المدنية في غزة، من مستشفيات ومدارس ومرافق مياه، أصبح الوضع مهدداً لحياة مئات الآلاف من المدنيين. التقارير الدولية، بما في ذلك من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، تشير إلى أن خطر المجاعة يهدد حياة كثيرين في القطاع، في وقت تزداد فيه صعوبة الحصول على المساعدات الإنسانية بسبب الحصار العسكري. وفي ظل هذه الظروف، يستمر الهجوم الإسرائيلي على غزة، مع تأكيد نتنياهو على أنه لا يتراجع حتى تحقيق أهدافه، رغم الكلفة الإنسانية الضخمة لهذا القرار. وفي الوقت نفسه، يعرّض استمرار القتال حياة الأسرى الإسرائيليين في غزة للمزيد من المخاطر، حيث يعقّد الهجوم العسكري فرص التفاوض لإطلاق سراحهم.

إصرار نتنياهو على المضي قدماً في الحرب رغم هذه الكلفة البشرية والسياسية يعكس تصميماً غريباً على تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية، دون النظر إلى العواقب المستقبلية. وقد يراه البعض أنه يراهن على البقاء في السلطة بأي ثمن، محاولاً تجنب المساءلة على خلفية الاتهامات الموجهة له بشأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. هذا النوع من الحسابات الشخصية، وفقاً للعديد من المراقبين، قد يدفع نتنياهو إلى اتخاذ قرارات لا تأخذ في اعتبارها مصلحة إسرائيل أو حتى استقرارها السياسي. في واقع الأمر، يبدو أن سياسة الهروب إلى الأمام هي التي توجه قراراته حالياً، حيث يسعى للتمسك بموقفه العسكري حتى لو كانت الثمن هو تدمير سمعة إسرائيل على الساحة الدولية، وزيادة عزلتها السياسية والاقتصادية.

في الوقت ذاته، يبدو أن الشعبية الداخلية لنتنياهو قد تآكلت بشكل كبير، حيث تشير التقارير إلى أن الشارع الإسرائيلي لم يعد يؤيد حكومته بنفس القوة التي كان عليها في السابق. إن الاحتجاجات الواسعة ضد الحرب تشير إلى تراجع دعم شرائح كبيرة من المجتمع الإسرائيلي لنتنياهو، بما في ذلك بعض الشخصيات التي خدمت في حكوماته السابقة. هذا التراجع الشعبي يقابله تآكل في الدعم العسكري والسياسي له داخل المؤسسة الأمنية، حيث لا يبدو أن هناك اتفاقاً داخلياً على ضرورة استمرار العمليات العسكرية في غزة. وعلى الرغم من هذه المؤشرات الواضحة، يواصل نتنياهو تمسكه بالقرار العسكري، مما يزيد من انقسام المجتمع الإسرائيلي حول هذه القضية المصيرية.

وضع نتنياهو الآن في مواجهة خيارين لا ثالث لهما: إما أن يرضخ للضغوط الداخلية والخارجية، ويتراجع عن الحرب، مما قد يسرع من سقوطه السياسي، أو أن يواصل مسار الحرب حتى ينهار الدعم الداخلي والدولي بشكل كامل، وهو ما قد يؤدي إلى نهاية مفاجئة لمسيرته السياسية. الواقع أن طريق نتنياهو أصبح معبداً بالمعوقات، ولا يبدو أن هناك مخرجاً سهلاً له من هذا المأزق.

في الختام، من الواضح أن بنيامين نتنياهو يسير بخطى ثابتة نحو نهاية محتومة، وهي نهاية قد تكون أكثر من مجرد سقوط سياسي عادي. إذا استمر في هذا الطريق، فإن نهاية مسيرته ستكون أكثر من مجرد هزيمة سياسية؛ بل ستكون انهياراً شاملاً لسمعة إسرائيل على الساحة الدولية، وستتركها في عزلة غير مسبوقة في تاريخها الحديث، مع إرث من الدماء والدمار الذي سيظل يلاحقها لسنوات طويلة.

Related posts

الخارجية الروسية تحذرالولايات المتحدة و حلفاءها من مواجهة عسكرية مفتوحة وتصعيد نووي

root

نتنياهو يطلق “حرب القيامة” ويكشف متى ستنتهي حرب إسرائيل على 7 جبهات

محمد بن محمود

القسام: سنفرج اليوم عن الجندي عيدان ألكسندر

Na Da

Leave a Comment