يعتبر القطاع الطبي في تونس قطاعا رائدا بامتياز،أين يتمّ الإعلان عن تحقيق نجاحات طبية في المستشفيات العمومية التونسية من قبل أطباء تونسيين متكونين في الجامعات التونسية بصفة دورية وعادية، ما جعلها أنموذجا في المنطقة وبلااد مصدرة لكفاءات طبية عرفت في الداخل والخارج.
نجاح 3 عمليات زرع أعضاء من متبرع واحد في تونس
في هذا الإطار، أعلنت وزارة الصحة التونسية في بلاغ لها، الاثنين 24 مارس 2025 عن نجاح طبي جديد يتمثل في 3 عمليات زراعة أعضاء خلال يوم واحد.
وكشف المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء عن نجاح ثلاث عمليات زرع أعضاء تمت مساء السبت 22 مارس 2025، من متبرع في حالة موت دماغي.
ولفتت وزارة الصحة، إلى أن العمليات الدقيقة كللت بالنجاح بفضل جهود الفرق الطبية المميزة بالتنسيق مع المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، وبدعم من الطواقم الطبية وشبه الطبية بالمستشفى الجامعي الطاهر المعموري بنابل.
وتتمثل تفاصيل عمليات الزرع في زرع قلب بالمستشفى الجامعي الرابطة وزرع كبد بالمستشفى الجامعي المنجي سليم المرسى وزرع كلية بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة بالمنستير بالتعاون مع المستشفى الجامعي شارل نيكول.
هذا الانجاز تكرر يوم 30 جويلية الماضي حيث في يوم واحد، وفي أربعة مستشفيات مختلفة بالعاصمة تونس، نجحت طواقم طبية في إنقاذ حياة أربعة مرضى كانوا يعانون قصوراً حادّاً في أعضاء حيوية، وذلك بفضل التبرع باعضاء شاب متوفى. فقد أُجريت أربع عمليات زرع متزامنة، استُخرجت فيها الأعضاء من جسد شاب يبلغ من العمر 16 عاماً، كان قد تعرض لحادث سير في ولاية قفصة وأعلنت وفاته دماغياً. في لحظة حزينة ممزوجة بالأمل، قررت عائلة الشاب منح الإذن بالتبرع بقلبه وأعضائه الأخرى، على أمل أن “يواصل قلبه الخفقان في جسد آخر، وأن تضيء أعضاؤه حياة غيره بدل أن تنطفئ في ظلمة القبر”، كما قالت أسرته.
مباشرةً بعد استكمال الإجراءات القانونية المتعلقة بعملية التبرع، تحركت الفرق الطبية في وقت قياسي لنقل الأعضاء إلى أقسام الزرع في المستشفيات الجامعية الكبرى بالعاصمة تونس، وهي مستشفى الرابطة، ومنجي سليم، وشارل نيكول، حيث تم تجهيز المرضى المتطابقين في أسرع وقت ممكن استعداداً لإجراء عمليات الزرع.
تفاصيل هذا اليوم المهم في تاريخ زراعة الأعضاء في تونس، رواها الدكتور جلال الزيادي، المدير العام للمركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء. وأوضح في تصريح اعلامي أن هذه ليست المرة الأولى التي تُجرى فيها عمليات زرع ناجحة من متبرعين متوفين، فقد شهدت مستشفيات تونس سابقاً عمليات مماثلة، غير أن المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء يحرص على توثيق ومشاركة مثل هذه القصص الإنسانية في كل مناسبة، بهدف تحفيز التونسيين على التبرع، وتأكيد أهمية هذا القرار في منح الحياة لمرضى يقضون أحياناً سنوات طويلة على قوائم الانتظار.
إنجازات طبية رائدة: استخدام تقنيتي خزعة الرئة والتقليل بالتبريد
ونجح فريق طبي قبل اسابيع، بالمستشفى الجامعي عبد الرحمان مامي بأريانة، في استخدام تقنيتي خزعة الرئة والتقليل بالتبريد لأول مرة في المستشفيات العمومية التونسية، وتتيح تقنية خزعة الرئة بالتبريد، الحديثة، التي تتم عبر التنظير الداخلي ودون جراحة، أخذ عينات من أنسجة الرئة بأمان ودقة، مع تقليل المضاعفات وتكلفة أقل مقارنة بالجراحة التقليدية.
كما تمكّن نفس الفريق من استخدام تقنية التقليل بالتبريد لأول مرة أيضًا في المستشفيات العمومية، لاستئصال الأورام الرئوية بالتبريد وإزالة تضيقات الشعب الهوائية بنجاح. وقد أدّت العملية إلى تعافي الرئة اليمنى التي لم تكن تتنفس قبل الإجراء. حيث اعتبرت وزارة الصحة أن هذا الإنجاز يؤكد تقدم الخدمات الصحية العمومية في تونس واعتماد تقنيات مبتكرة لخدمة المرضى.
استئصال ورم دماغي بتقنية متطورة
كما أعلنت وزارة الصحة ، تسجيل نجاح طبي جديد في استئصال دقيق لورم دماغي بتقنية متطورة في تونس. وأفادت الوزارة في بلاغ لها أن فريقًا طبيًا بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس، نجح في استئصال ورم دماغي باستخدام المجهر الجراحي وتقنية، ما سمح بتحديد حدود الورم بدقة فائقة، وذلك بقيادة الأستاذ زاهر بودوارة.
وأكدت وزارة الصحة أن “العملية تمت بنجاح، وأن المريض في حالة جيدة، مما يؤكد كفاءة الفرق الطبية التونسية والتطور المستمر للتقنيات الجراحية في البلاد” وفقها.
إجراء أول عملية جراحية بالموجات فوق الصوتية
أيضا، أعلنت وزارة الصحة وفق بلاغ أصدرته في 16 فيفري الماضي عن إنجاز طبي جديد في تونس، يتمثل في إجراء أول عملية جراحية بالموجات فوق الصوتية في تونس لتخفيف الضغط عن العصب المتوسط، بالمستشفى الجامعي شارل نيكول بقسم جراحة العظام. وقالت وزارة الصحة إنّ “العصب المتوسط هو عصب يتحكم في حركة اليد، ويمكن أن يحدث انضغاطه على مستوى المرفق أو اليد وهو مرتبط بالجهاز العصبي”، لافتة إلى أنّ التقنية المستعملة هي “تقنية دقيقة وفعالة، تعتمد هذه المقاربة الحديثة على استخدام الموجات فوق الصوتية لتوجيه التدخل الجراحي في الوقت الفعلي، مما يتيح جراحة دقيقة عبر الجلد دون الحاجة إلى تخدير عام أو إقامة في المستشفى”.
واعتبرت الوزارة، أنّ هذا “التقدم الطبي يعزز مكانة تونس في الجراحة الدقيقة، ويشكل هذا الإنجاز نقلة نوعية في جراحة الطرف العلوي في تونس، مع التركيز على تحسين تجربة المريض وضمان تعافٍ أسرع، مما يعزز مكانة الكفاءات الطبية التونسية على المستوى الإقليمي والدولي”، مقدمة “تحية تقدير للفريق الطبي الذي ساهم في هذا التطور داخل القطاع العمومي” وفقها.
استئصال ورم حميد من القلب باستعمال تقنية المنظار
وفي إنجاز سابق، أعلنت وزارة الصحة التونسية، يوم 30 جانفي 2025، عن “إنجاز طبي نوعي في جراحة القلب بالمنظار بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس”، قالت إنّه “يعدّ سابقة هي الأولى من نوعها في تونس والمغرب العربي”.
وأشارت وزارة الصحة، إلى أنه نجح فريق طبي بقسم جراحة القلب والشرايين بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس بتاريخ الأربعاء 29 جانفي 2025، في إجراء عملية استئصال ورم حميد في الأذين الأيسر للقلب باستعمال تقنية المنظار وعبر فتحة جانبية صغيرة في الصدر، في “خطوة جديدة تعزز ريادة الفرق الطبية التونسية في مجال جراحة القلب”. وأضافت الوزارة بخصوص تفاصيل هذا الإنجاز الطبي، أنّ العملية أُجريت على شيخ يبلغ من العمر 76 عامًا.
هجرة الكفاءات التونسية: نزيف يفقد البلاد ثروتها البشرية
لكن وبالتوازي مع ريادة القطاع ومع مهنية وإشعاع أصحابه، ساهمت الأزمات الإقتصادية والإجتماعية المتتالية التي عرفتها تونس منذ عقود في ظاهرة هجرة الكفاءات، وهي ظاهرة تعود بالأساس إلى تدني مستوى الأجورومشاكل أخرى يواجهها الطبيب التونسي، ما دفعت نسبة كبيرة للهجرة باحثين عن ظروف لأنسب لممارسة مهنتهم وضمان حياتهم ومستقبلهم المهني.
وفي هذا الإطار، أفادت الوكالة التونسية للتعاون الفني بأنّ عدد المنتدبين من قبلها بلغ 2935 منتدبا خلال الفترة الممتدة من غرة جانفي إلى غاية 30 سبتمبر 2024.
وأوضحت الوكالة، في نشرية لها حول نتائج التعاون الفني خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2024، أنه تم ذلك من خلال 102 عرضًا صادرًا عن مؤسسات بالخارج لانتداب كفاءات تونسية وإجراء 25 مقابلة انتداب، منها 15 حضوريًا بمقر الوكالة و5 عن بعد و5 اختبارات تطبيقية.
الصحة القطاع الأول المصدر للكفاءات التونسية
وقالت الوكالة التونسية للتعاون الفني إنه بالنسبة للتوزيع القطاعي فقد تصدر قطاع الصحة قائمة الانتدابات بـ 1022 إطارًا طبيًا وشبه طبي، ما يعادل 35% من مجموع الانتدابات. وأكدت وكالة التعاون الفني، تصدر قطاع الصحة قائمة الانتدابات بـ 1022 إطارًا طبيًا وشبه طبي، ما يعادل 35% من مجموع الانتدابات يليه قطاع التعليم بـ 757 منتدبًا.
مصاعب ومتاعب
في تصريحات اعلامية لها اكدت ريم غشام، رئيسة عمادة الأطباء التونسيين إن هناك دراسة بشأن هذا الموضوع أنجزها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في مارس 2024. وأظهرت الدراسة إمكانية عودة المهاجرين “إذا أصلحنا بعض المسائل في المنظومة” الداخلية في تونس. وأضافت غشام “80 بالمئة من الأطباء التونسيين في الخارج عبروا عن إرادتهم في العودة، إذا تم الإصلاح. وبين 2017 و2021 هاجر نحو 3300 طبيب”. وتابعت: “منذ 2022 إلى اليوم، غادر 3000 طبيب آخرين، وكل سنة يهاجر نحو ألف طبيب، منهم أطباء تخرجوا حديثا وأطباء متخرجون منذ سنوات ويعملون في القطاع العام والخاص”. وأوضحت أن أطباء تراوح أعمارهم بين 50 و60 سنة قرروا المغادرة إلى دول عربية بحثا عن أجور مجزية. وقالت غشام: “ان الاجور في تونس ليست هي نفسها في الخارج. والأطباء يفكرون في مستقبل أبنائهم ويريدون تدريس أبنائهم في الخارج في المراحل العليا”. وأضافت: “في المغرب تقلص عدد الأطباء المغادرين إلى الخارج لأنهم ضاعفوا الاجور، وهناك أطباء تونسيون يذهبون الآن إلى المغرب”.
أما رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان وجيه ذُكَّار فأكد أن “عددا كبيرا من الأطباء الشبان يغادرون قبل بداية الحياة المهنية في تونس، ورغم أنهم لم ينهوا آخر سنة في الاختصاص الطبي، يغادرون مباشرة إلى ألمانيا اوفرنسا”. وأضاف “هذا نتيجة معادلة غير متكافئة في مستوى الحياة بين ما كان الأطباء ينتظرونه، وما يتحصلون عليه من أجور، فهم يعتبرون أنهم يستحقون أكثر من ذلك بعد الجهود الكبيرة التي بذلوها في التحصيل العلمي”. وتابع ذُكَّار: “الطبيب الداخلي يتلقى أجرا بـ1300 دينار ، وبعد 5 سنوات اختصاص يتحصل على 1850 دينارا شهريا”. وأشار إلى أن “أجور الساعات الإضافية بين 1 و3 دنانير وهناك 23 مستشفى من أصل 46 لا تدفع مقابلا ماليا للساعات الإضافية، وعندئذ نفهم سبب الهجرة الكثيفة للأطباء”. ووفق ذُكَّار: “يتسبب اختلال التوازن بين الجهد المبذول والأجر المقبوض وظروف العمل في المستشفيات وغياب الحماية الأمنية في رغبة كبيرة في هجرة الأطباء”. وزاد: “في فرنسا، تضاعف عدد الأطباء المهاجرين الذين تنتدبهم من عام 2019 إلى الآن، حيث تم استقطاب 80 طبيبا لقسم الطوارئ عام 2019، وفي 2023 تم استقطاب 160 طبيبا، وفي العام الجاري استقطبت فرنسا 250 طبيبا بنسبة 50 بالمئة من الأطباء الناجحين التونسيين”.
أي حلول لوقف النزيف؟
اكد رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان وجيه ذُكَّار ان الأطباء الشبان يقترحون حلولا للحد من هجرة الأطباء، تتمثل في محورين؛ الأول هو تحسين الأجور وظروف العمل”. أما المحور الثاني، وفق ذُكَّار، فهو “إقناع الأطباء في الخارج بالعودة إلى تونس، وتجاوز شرط الانتماء لنقابة بلد واحد الذي تفرضه تونس”. وأضاف: “نقترح الهجرة الدائرية، أي أن الطبيب يسجل في عمادة الأطباء في تونس ويمكن أن يمارس الطب في بلد آخر لوقت معين في العام”.
وبحسب ذُكَّار: “75 بالمئة من الأطباء في الخارج عبروا عن رغبتهم في العودة بانتماء مشترك بين عمادتين في تونس وفي الخارج، ونقترح أن يعملوا في تونس مع الحفاظ على الحق في العمل في الخارج لمدة 3 أشهر، وهذا يكون محل تفاوض بين تونس ودول أخرى”. وأشار رئيس المنظمة إلى “إشكالية معادلة شهادات الاختصاص من الخارج وقبولها في تونس، حيث يوجد رؤساء أقسام طبية في الخارج، ولكن عند العودة بعد 20 سنة خبرة، يفرض عليهم قانون معادلة الشهادات لعام 2023 العودة للعمل كمتدربين لمدة سنتين يتحصلون خلالها على 1300 دينار، وهذا لا يمكن أن يقبله أحد”. وأوضح ذُكَّار أن هناك بوادر وصول إلى حل لهذه الإشكالية مع وزير الصحة الجديد مصطفى الفرجاني، دون الخوض في تفاصيل ذلك.