38.2 C
تونس
22 أغسطس، 2025
وطنية

في الدورة النيابية الجديدة: نحو انفتاح برلماني على الاعلام

مع انتهاء الدورة البرلمانية الثالثة و في انتظار عودة نشاط المجلس في مفتتح اكتوبر المقبل، يبرز توجه نحو السماح للصحفيين و الاعلاميين بحضور اشغال البرلمان خلافا للدورات السابقة.

ويمثل انفتاح مجلس نواب الشعب على الإعلام خطوة ضرورية لتعزيز الشفافية وترسيخ الثقة بين المؤسسة التشريعية والرأي العام. فالإعلام، بصفته وسيطاً بين البرلمان والمواطنين، يلعب دوراً محورياً في نقل ما يدور داخل قبة المجلس من نقاشات، ومواقف، ومداولات تشريعية تؤثر مباشرة على حياة الناس.

ومن المؤكد انّ تمكين الصحفيين من تغطية الجلسات، واللجان، والأنشطة البرلمانية، يضمن حق المواطن في المعلومة، ويساهم في مراقبة أداء النواب ومساءلتهم. كما أن فتح المجال أمام التغطية الإعلامية يمكن أن يبرز الجوانب الإيجابية للعمل البرلماني، ويصحح الصور النمطية التي قد تتشكل نتيجة غياب المعطيات الدقيقة.

كما يُعدّ هذا الانفتاح عنصراً من عناصر تعزيز الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير. لذلك، فإن تطوير آليات التواصل مع وسائل الإعلام، وتيسير عمل الصحفيين داخل البرلمان، ينبغي أن يكون جزءا من رؤية المجلس الجديدة، القائمة على الشفافية والانفتاح وخدمة المصلحة العامة.

و كشفت مصادر برلمانية عن وجود توجه لتبني توصيات لجان تقييم الاداء و التي تضمنت ضرورة السماح للاعلاميين بمواكبة اشغال اللجان البرلمانية القارة على غرار كل الأنظمة الديمقراطية، التي يعد فيها ي الإعلام شريكًا فاعلًا في الحياة السياسية.

حق النفاذ الى المعلومة

ورغم أن النظام الداخلي للمجلس ينص صراحة على حق الإعلام في مواكبة أشغال الجلسات واللجان، إلا أن الواقع كشف عن تعثرات عديدة وإخلالات جوهرية في تنفيذ هذا الحق، مما خلق توتراً غير معلن بين الجسم الإعلامي من جهة، وبعض مكونات البرلمان من جهة أخرى.

وقد أقرّ النظام الداخلي للمجلس في فصله 141، بوضوح، حق المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة في متابعة كل أعمال المجلس، شريطة الحصول على بطاقة اعتماد. كما نصّ الفصل 60 من نفس النظام على علنية اجتماعات اللجان، ما لم تقرر اللجنة سريتها بأغلبية أعضائها، أو في حال تعلّق الأمر بلجنتين محددتين هما لجنة الأمن والدفاع واللجنة المعنية بتركيبة الهيئات الدستورية، وذلك وفق شروط دقيقة ومحددة.

لكن على أرض الواقع، لم يُفعّل هذا الانفتاح بالشكل المطلوب. فغالبا ما يُمنع الصحفيون من حضور جلسات اللجان، ويتم الاكتفاء بإصدار بلاغات صحفية مقتضبة، تُنشر على الموقع الرسمي للمجلس أو صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، دون تمكين الإعلام من المشاركة الفعلية في التغطية أو الحوار مع النواب أثناء سير الأشغال. بل إن بعض المؤسسات الإعلامية اشتكت من صعوبة النفاذ إلى المعطيات المتعلقة بمواعيد الاجتماعات وجدول أعمال اللجان، ما يجعل التغطية مجتزأة وفي أحيان كثيرة غير ممكنة.

تبريرات ومخاوف غير مبررة

و في محاولته تفسير هذا الحجب الجزئي للإعلام، أشار مجلس النواب في بلاغات سابقة إلى أسباب تتعلق بضيق الفضاءات المخصصة للجان، أو احتمال تشويش بعض الحضور غير المهنيين على سير العمل. كما أثيرت مسألة “الممارسات السابقة”، في إشارة إلى تجارب سنوات ما بعد الثورة التي شهد فيها البرلمان حالات اختلاط بين الإعلاميين، والمدونين، والمواطنين العاديين، ما أربك أحياناً أشغال اللجان والجلسات العامة.

لكن هذه التبريرات، وإن بدت واقعية في بعض جوانبها، لا تبرر الحد من حضور الصحفيين المهنيين المعتمدين، خاصة وأن القانون واضح في هذا الصدد. كما أن التجارب السابقة لا يجب أن تكون مبررًا لمصادرة الحق، بل دافعًا لتنظيمه بشكل أفضل، عبر إقرار ضوابط واضحة تحافظ على هيبة المؤسسة النيابية وتحترم في الآن ذاته حرية الإعلام واستقلاليته.

من المهم التأكيد أن الإعلام لا يطلب امتيازًا خاصًا بحضور جلسات اللجان أو تغطية العمل البرلماني. بل إن هذا الحضور هو واجب وطني في إطار دوره الرقابي والتثقيفي والتفسيري، فهو يسهم في تقريب المؤسسة التشريعية من الرأي العام، وفي توضيح ما يُناقش داخلها من مشاريع قوانين قد تكون لها انعكاسات مباشرة على حياة المواطنين.

فالعديد من القوانين التي تُعرض على أنظار اللجان تتعلق بقضايا حيوية مثل الجباية، الصحة، التربية، الحريات، والسياسة الخارجية، وهي مواضيع تُهمّ كل تونسي وتونسية. والإعلام الجادّ، من خلال التغطية الموضوعية والنقل المباشر لما يجري داخل البرلمان، يفتح المجال لحوار مجتمعي واسع، ويشجع على تعدد الآراء، ويدفع المواطنين إلى الاهتمام بالشأن العام، وهو ما يُعدّ جوهر الممارسة الديمقراطية.

و وجب التأكيد على ان العلاقة بين البرلمان و الاعلام هي  شراكة في خدمة الشأن العام. وإذا أراد المجلس أن يُغيّر صورته في أذهان الرأي العام، فعليه أن يبدأ من هذا الملف تحديدًا: ملف الشفافية والانفتاح. لأن مؤسسة تُشرّع القوانين دون أن تشرحها للناس، أو تُناقش القضايا دون أن تُمكّن المواطنين من متابعتها عبر الصحافة، تفقد تدريجيًا صدقيتها، وتتحول من سلطة شعبية إلى كيان مغلق لا يعكس نبض المجتمع.

إن بناء علاقة تفاعلية حقيقية بين السلطة التشريعية ووسائل الإعلام يجب أن يُصبح من أولويات الدورة البرلمانية الحالية. فالإعلام الحر والمسؤول لا يُهدد المؤسسات، بل يحميها، ويعزز مصداقيتها.

Related posts

البنك الدولي يعبّر عن استعداده لمعاضدة تونس وتنويع مجالات التعاون معها

Moufida Ayari

بشرى للتونسيين: صدور قرار يهدف لتوفير رصيد من المقاسم ذات أسعار منخفضة لفائدة الفئات الاجتماعية محدودة الدخل

محمد بن محمود

البرلمان: تركيبة اللجان القارة

Na Da

Leave a Comment