25 نوفمبر، 2025
الصفحة الأولى مجتمع وطنية

الإفراج بضمان مالي في القانون التونسي ، ماهو؟ و متى يطبق؟

يُعدّ الإفراج بضمان مالي أحد الإجراءات القانونية التي كثيرًا ما تثير النقاش في تونس، سواء لدى الرأي العام أو حتى لدى بعض المتابعين للشأن القضائي. فكثيرون يعتقدون أنّ السماح لمتهم بالخروج من السجن مقابل مبلغ مالي هو شكل من أشكال التبرئة المبكّرة، أو محاولة للالتفاف على القانون بهدف الإفلات من العقاب. لكن التدقيق في النصوص القانونية والممارسة القضائية يُظهر أنّ هذا الإجراء يختلف تمامًا عن تلك التصورات، فهو ليس تبرئة ولا حكمًا، بل وسيلة تنظيمية لضمان حضور المتهم أمام القضاء دون اللجوء إلى الإيقاف التحفظي إلا عند الضرورة.

فالإفراج بضمان مالي هو في جوهره سراح وقتي ومؤقت، لا يمسّ أصل القضية ولا يوقف التتبعات الجزائية. فالغاية منه تمكين المتهم من استعادة حريته مؤقتًا، شرط أن يلتزم بالحضور في كل مراحل المحاكمة وألا يخالف الشروط التي يضعها القضاء. ولا يصدر هذا القرار اعتباطًا، بل يخضع لتقدير دقيق تقوم به الجهة المتعهدة بالملف، سواء تعلّق الأمر بقاضي التحقيق أو بدائرة الاتهام أو بالمحكمة التي تنظر في القضية. ويُقدَّم الطلب عادة من قبل الدفاع أو من المتهم نفسه، ليبتّ فيه القاضي بعد تقييم جملة من المعطيات.

ويعتمد القاضي في اتخاذ قراره على عناصر عديدة تراعي التوازن بين حماية المجتمع وصون الحرية الفردية. فهو ينظر أوّلًا في خطورة الأفعال المنسوبة إلى المتهم، ثم يقيّم احتمال فراره أو تأثيره المحتمل على الشهود أو على سير التحقيق، إضافة إلى مدى خطورته على الأمن العام. كما يأخذ بعين الاعتبار وضعيته الاجتماعية والمادية، باعتبار أنّ الضمان المالي يجب أن يكون متناسبًا مع قدرته دون أن يكون عقوبة مقنّعة.

ولا يُطبَّق الإفراج بضمان مالي على جميع القضايا، إذ يمكن اعتماده في أغلب الجنح وبعض الجنايات، لكنه يصبح غير ممكن أو شديد الندرة في الملفات الخطيرة التي تشكل تهديدًا واضحًا للأمن العام مثل قضايا الإرهاب والقتل العمد والاتجار الواسع بالمخدرات والاعتداءات على أمن الدولة. ففي مثل هذه الحالات، يُقدَّر أنّ الإيقاف التحفظي ضروري لحماية المجتمع ولضمان حسن سير العدالة.

أما المبلغ المالي الذي يودعه المتهم لدى خزينة الدولة فليس سوى ضمان لاحترام الالتزامات التي تُفرض عليه. ويُسترجع هذا المبلغ كاملًا إذا انتهت القضية بالحفظ أو البراءة أو سقوط الدعوى، كما يُعاد أيضًا بعد صيرورة الحكم باتًا حتى في حال الإدانة، طالما التزم المتهم بالحضور ولم يخالف الشروط. وفي حال تضمّن الحكم خطية مالية، يُمكن للمحكمة اقتطاعها من مبلغ الضمان وإرجاع الباقي. وفي المقابل، يُصادر المبلغ كليًا إذا تخلّف المتهم عن الحضور أو خالف الشروط، بل ويمكن إصدار بطاقة جلب جديدة في حقه.

وهكذا يتبيّن أنّ الإفراج بضمان مالي ليس تساهلًا مع المتهمين ولا وسيلة لإفلاتهم من التتبع، بل هو إجراء يترجم مبدأ جوهريًا في القانون التونسي، وهو أنّ الحرية هي الأصل وأن الإيقاف يجب أن يظلّ استثناءً لا يُلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى. ويُعدّ هذا الإجراء دليلًا على تطوّر العدالة الجزائية في تونس، إذ يوفّق بين حق الفرد في الحرية وحق المجتمع في الأمن، في إطار يحترم قرينة البراءة ويضمن حسن سير القضاء دون المسّ بحقوق أي طرف.

Related posts

بنزرت: استرجاع عقار دولي يمسح 6500 متر مربع

Moufida Ayari

الدفع نحو الاعتراف بالبذور الأصيلة بموجب القانون

هادية الشاهد

إمكانية تأخير انطلاق أسطول الصمود المغاربي من الموانئ التونسية

محمد بن محمود

Leave a Comment