12.9 C
تونس
18 ديسمبر، 2024
حوارات سياسة

الأميرال العكروت لـ 24/24: “الفاسدون الحقيقيّين لا يزالون خارج السّجن”

حول حرب الرئيس قيس سعيد على الفساد والتي أطلق عليها شعار “حرب التحرير الوطني والأزمة المتعددة الأبعاد” التي تعيشها البلاد منذ بداية العهدة السياسية 2019/2024 والتي تجاوزت الحدود وأخذت بعدًا دوليًا وإقليميًا خاصة إثر تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد بخصوص أفارقة جنوب الصحراء والتي اعتبرها المجتمع الدولي سياسات عنصرية خطيرة لم تتعود عليها تونس التي تعتمد الدبلوماسية الهادئة والبراغماتية  بخصوص كل هذه التطورات والتحولات السريعة والمتسارعة

الأميرال كمال العكروت يتحدث لجريدة 24/24 عن التأثيرات والتداعيات والارتدادات الممكنة للأزمة التونسية التي تحولت إلى انسداد سياسي ينذر بالخطر الداهم ويهدد المشهد التونسي بالمجهول

*الحرب على الفساد والتي عنونها الرئيس قيس سعيد بحرب التحرير الوطني هل ترى أنّ التوقيت  مناسبًا لها خاصة مع تزامن المسارات السياسية والقضائية في البلاد؟

-مبدئيّا، انا مع محاربة الفساد والفاسدين دون تردّد وهوادة. لكن يجب أن تكون محاربة الفساد متواصلة وليست ظرفيّة وانتقائيّة.

إنّ الفساد، في تقدري، موجود منذ عقود، ولكن بالرّجوع إلى السّياق الحاليّ، يتبادر إلى ذهننا السّؤال التّالي” لماذا تفطّنا، الآن بالتّحديد، لوجود فساد يجب محاربته؟” كان بإمكان السيّد الرّئيس مقاومة الفساد منذ أوّل يوم تولّى فيه الحكم! لكن، إنّ ما نلاحظه اليوم هو أنّ من تمّ إيداعهم السّجن، هُم، في أغلبهم، معارضون للرّئيس وقد تمّ اتّهام أغلبهم بالتآمر على أمن الدّولة في حين أنّ الفاسدين الحقيقيّين لا يزالون خارج السّجن!

لا يخفى على أحد أنّ الفساد مستشري في جميع القطاعات خاصة في الادارة فبعض الموظّفين استأنسوا بالرّشوة ويطالبون بها كحق مكتسب! أعتقد أنّ القانون قد وُضع ليُطبّق على الجميع، دون استثناء، ومن حقّ كلّ من أخطأ أن ُيقاضى من طرف قضاء عادل دون الدّخول في تصفية حسابات شخصيّة أو سياسيّة أو تعلاّت أخرى.

أمّا فيما يخصّ موضوع التآمر على أمن الدّولة والتّخابر مع جهات أجنبيّة، فمن السّهل جدّا إلصاق هذه التّهمة بشخص معيّن. ومن السهل جدًا تطويع هذه التّهمة لخدمة أغراض وأهداف محدّدة تخدم عادة السّلطة الحاكمة.

وفي ظلّ غياب تامّ لمصدر رسميّ، اطّلعت على ما تمّ نشره حول الإيقاعات الاخيرة من قبل محامي المتّهمين على المواقع الاجتماعيّة او الاعلام، شأني في ذلك شأن كلّ التّونسيّين. وقد أكّد هؤلاء المحامون على خلوّ ملفّات القضايا من أدلّة قاطعة على التآمر الفعليّ على أمن الدّولة. لقد بُنيت تهمة التآمر على أمن الدّولة على محادثات وجلسات ومكالمات. وقد غاب عنها التّخطيط الفعليّ للتآمر. ولا توجد، حسب المحامين، مؤيدات عمليّة في ملفّ القضيّة. بحيث الشّعب التّونسيّ يترقّب الأدلّة الّتي تُدين هؤلاء الموقوفين او تبرؤهم.

*هل أنّ ما نشاهده اليوم من إيقافات واعتقالات ومحاكمات فوريّة يخدم مقاومة الفساد؟

-استبعد ذلك، لإنّ أغلب الإيقافات والمحاكمات تبدو لا علاقة لها بمقاومة الفساد، بل توحي وكأنّها تهدف إلى تحييد كلّ معارضيّ الرّئيس!

إنّ المواطن يتطلّع إلى معرفة الحقيقة وخاصّة أنّها أتت في هذا الظّرف بالذّات والّتي توحي وكأنّ كلّ من هو معارض أو تولّى الحكم قبل سنة 2019 هو فاسد وهو مدان حتّى تَثْبُت براءته. لقد أصبح، لدى المواطن التّونسيّ، في الآونة الأخيرة، خوف من أنّ الحرّيات صارت مهدّدة، وأنّ الكلّ دخل في حرب ضدّ الكلّ. حرب قلب ونقل اخبار زائفة وهتك لأعراض الناس.

من السهل جدًا تطويع تهمة التآمر على أمن الدولة لخدمة أغراض وأهداف محدّدة تخدم عادة السّلطة الحاكمة

*هل تتوقع أنّ المحاكمات وصدور الأحكام وحرب التحرير كما يسميها الرئيس سعيد قد تساهم في إيجاد الحلول لمشاكل الاقتصاد التونسي لتصبح تونس بلدًا تتوفر فيه كل مناخات الاستثمار الداخلي والخارجي ؟ 

-ألم تُلاحظ أنّنا أصبحنا معزولين إقليميّاً ودوليّاً جرّاء تصريحاتنا أو مواقفنا غير المدروسة. على سبيل المثال إشكاليّة الهجرة لبلادنا والتي تمثل بالفعل إشكاليّة حساسة ومعقّدة كان بالإمكان التعامل مع الموضوع بأكثر حرفية ودبلوماسية.

وأمّا على الصّعيد الداخليّ، فإنّه كان بالإمكان توخّي مقاربة شاملة تتماشى مع مقاربة مقاومة الفساد، تأخذ بعين الاعتبار مسألة التّنمية الّتي تُمثّل المطلب الشّعبيّ الأساسيّ.

 *أغلب المتّهمين في قضيّة التآمر على أمن الدّولة هم من الأحزاب المعارضة للسّلطة الحاكمة. هل كان على الرّئيس قيس أن يضع ضمن أولوياته محاربة الأحزاب؟

-في هذا الإطار، كان على الرّئيس أن يفتح باب الحوار والتّعاون مع كلّ التّونسيّين ويقبل الواقع كما هو…لأنّني لا أعتقد أنّ الأحزاب الّتي يُراد حلّها بدعوى فشلها هي سبب البلاء كلّه…أنا شخصيّا برغم مساوئ بعض الأحزاب أعتبر أنّها أساسيّة في النّظام الدّيمقراطيّ. لكن، في السّياق التّونسيّ، على هذه الأحزاب القيام بمراجعة فكريّة وتنظيميّة وعملياتيّة… إنّها، وفق تصوّري، هياكل وتنظيمات واضحة ومسجّلة ومعروفة لدى الدولة. فأغلب الأحزاب، اليوم، لديها برامج لاستقطاب الشّباب وتأطير منخرطيها. والمعروف، عالميّا، أنّ أغلب رؤساء الدّول يفضّلون وجود الأحزاب عن غيابها. إنّ غياب الأحزاب يعني بالضّرورة وجود تنظيمات غير معروفة وربما سرّية تستقطب الشّباب وتبُثّ في نفوسهم الوهم وتصنع منهم إرهابيّين وربّما قنابل قابلة للانفجار في كلّ لحظة… لذلك، نرى أنّ أغلب حكومات العالم تُفضّل وجود الأحزاب… فحتّى إذا نظرنا إلى الكون من حولنا نلاحظ أنّه بطبيعته يكره الفراغ وكذلك المجتمع وخاصّة الشّباب. ففي غياب الأحزاب تنتشر التّنظيمات السرّية الخطيرة على الدّولة والمجتمع…أعتقد أنّ الأحزاب تُوجد في أغلب دول العالم وهذا ليس حُبّا في التحزّب لكن التّجربة أثبتت أنّ وجود هذه الأحزاب أفضل من غيابها. إنّها وسيلة لتنظيم العمل السّياسيّ الحرّ.

والرئيس قيس سعيد، بطبيعته، ضدّ الأحزاب سواء كانت صالحة أم فاسدة. وهذا كلام كان قد صرّح به للعديد من الصّحف قبل أن يتمّ انتخابه. وفي هذا السّياق، أذكر حوارا أجرته صحيفة اليوم السّابع المصريّة مع الرّئيس قيس سعيد قبل انتخابه ونُشر بتاريخ 16 سبتمبر 2019 وقد ذكر فيه أنّه يُعوّل على اندثار الأحزاب كلّها. لقد قال قبل انتخابه رئيسا: “ستندثر الأحزاب بطبيعتها”، طبعا ستندثر لكن كيف؟ ستندثر بسحبه صلاحيّاتها وحقوقها كعدم المشاركة في الانتخابات تشريعية كانت أو رئاسية، وقانون الانتخابات الرئاسيّة المنتظر أتوقع أنّه سيكون بنفس طريقة قانون الانتخابات التّشريعيّة، حيث سيمنع فيه الترشّح عن الاحزاب. وعموما فان الرئيس من خلال الحوارات الّتي أجراها قبل انتخابه يرغب في تعويض الدّيمقراطيّة بما يسمّى بالدّيمقراطيّة المباشرة أو ما يسمّى بالمجالس الجهويّة والمجلس الوطنيّ وهي تركيبة شبيهة جدّا باللّجان الشّعبيّة الّتي اعتمدها القذافي وفشلت في نهاية المطاف بسقوط نظامه.

أغلب الإيقافات والمحاكمات لا علاقة لها بمقاومة الفساد وهي تهدف إلى تحييد كلّ معارضيّ الرّئيس!

أغلب الإيقافات والمحاكمات لا علاقة لها بمقاومة الفساد وهي تهدف إلى تحييد كلّ معارضيّ الرّئيس

*أنت من بين الّذين نادوا بتفعيل الفصل 80. والآن، أصبحت ضدّ مسار 25 جويلية، مع أنّ الرّئيس قام باستفتاء شعبيّ، وكان من حقّ الشّعب أن يرفض؟

-بالرّغم من أنّ رئيس الدّولة قبل أن يُنتخب كان معارضا لأيّة عمليّة استفتاء، إلاّ أنّه غيّر رأيه وقام باستفتاء، شارك فيه 27% فقط وهذا في تقديري غير كافٍ لأنّ مشاركة الشّعب كانت تحت %50. فمن أدراه أنّ 73% الّذين لم يشاركوا، هُم معه، لو كانوا معه لشاركوا في الاستفتاء.

وإجابة على سؤالك نعم الحلّ كان ممكناً ويُرضي الجميع لو اعتمدنا مسارا أكثر عقلانيّة وتشاركيّة في أخذ القرارات المصيريّة للبلاد وللأجيال القادمة. فالانفراد بالقرار لا يُمكن ان ينجح أو يُقبل من العموم لأنّ الحقيقة نسبيّة والرّئيس قد لا يملك إلاّ جزءا منها.

كان على الرئيس أن يدعو إلى حوار وطنيّ يُتوج بمؤتمر وطنيّ للإنقاذ وميثاق وطنيّ تُوقّع عليه كلّ الأطراف والأحزاب السّياسيّة والمنظّمات الوطنيّة ويتمّ تحت إشراف الرّئيس نفسه.

وتتمّ إعادة كتابة الدّستور بناء على الميثاق الوطنيّ وتُدعى إلى ذلك لجنة كفاءات وطنيّة متخصّصة ومستقلّة ويُعرض الدّستور على الاستفتاء ثمّ تُعاد صياغة قانون الانتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة بناء على الدّستور الجديد ويُعرض على الاستفتاء كذلك. ثمّ تُعاد الانتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة. ومن حقّ رئيس الدّولة الحاليّ المشاركة فيها إذا كان لديه رغبة في الاستمرار في السّلطة. ثمّ نتوجه، بعد ذلك، للعمل وبناء تونس الجديدة.

أحترم الرئيس في مقامه كرئيس للدّولة التّونسيّة، لكن ليس من حقّه أن يفرض على الشّعب أفكاره بمجرّد أنّه انتُخب رئيسا، ويُدخل الشّعب التّونسيّ في مغامرات ليست من أولوياته، وهو في غنى عنها اصلا. هذا مستقبل بلادنا ومستقبل الأجيال القادمة، وعلينا، من باب المواطنة والوطنيّة أن نُعارض السّلطة بطريقة سلميّة عند اعتمادها منهجا يتنافى مع المسار الديمقراطي الذي يطمح اليه كل تونسي.

خالد الهرماسي

Related posts

تلقاها البرلمان من الرئاسة…..هذه التعديلات المقترحة في الصلح الجزائي

صابر الحرشاني

رابطة حقوق الإنسان تعتبر إجراءات ختم البحث في قضية التآمر ”تعسّفييّة”

Na Da

النهضة ترفع شكاية و تطالب بالافراج الفوري على نورالدين البحيري

root

Leave a Comment