حاورته يسرى حطاب
تشهد الساحة السياسة التونسية تشتت غير مسبوق رغم محاولات البعض ترميم ما يمكن ترميمه تحت مبادرة ” مواطنون ضد الانقلاب” التي تسعى منذ انطلاقها الى تجميع أكبر عدد ممكن من الاطياف السياسية الديمقراطية بغية تشكيل جبهة سياسية قوية و للحديث عن ذلك و اكتشاف بعض كواليس هذه التجمعات كان لـ 24/24 الحوار التالي مع أحمد نجيب الشابي :
*تقييمك للمناخ السياسي في تونس اليوم
الوضع السياسي في تونس وضع حرج الى أقصى درجة بلادنا تعيش أزمة اقتصادية حادة و خناق خارجي و لسوء الحظ المواطن هو من يدفع الثمن لاسيما بعد فقدان المواد الاستهلاكية الاساسية من السوق اضافة الى تفشي ظاهرة البطالة و الفقر مع ارتفاع الاسعار و انهيار المقدرة الشرائية حتى الجرايات و الرواتب أصبحت غير مضمونة و هذه سابقة تاريخية لم تعيشها البلاد من قبل. هذا الاحتقان الاجتماعي وليدُ الأزمة السياسية الداخلية التي تشهد انقساما عميقا و امام كل هذا الرئيس سعيد لم يتقيد بالقوانين يحل مجلس النواب ,يحل الحكومة و يحل المجلس الاعلى للقضاء حتى انه يعتقل من يريد و يحُاكم عن طريق القضاء العسكري من يريد و يحتجز من يُريد كيف ما يشاءُ ومتى يشاءُ ذلك. و ازاء هذا الوضع المجتمع التونسي منقسم بين تيار لازال تحت تأثير ردة الفعل لما قبل 25 جويلية يلتمس أعذار لما يفعله قيس سعيد و قسم اَخر ينظر الى الحقيقة بعين مجردة و هو ان الدولة وصلت الى حافة الافلاس و حالة من العزلة الخارجية مما عطل الاقتصاد وأدى الى تدهور الوضع الاجتماعي و هذا التيار الثاني يشكو ضعف و تشتت و هذه حقيقة الفشل في تجميع قوى موزاية لسلطة قيس سعيد في الداخل و هذا خطير و ينبئ بأننا نسير نحو المجهول .
“الحكمة وروح المسؤولية تقتضيان الافراج فورا عن نور الدين البحيري”
*موقفك من قضية نورالدين البحيري؟
تعرُض نورالدين البحيري الى الاختطاف ينضاف الى القائمة الطويلة لانتهاك القانون وتهديد الحريات الفردية والعامة. ذلك ان القانون لا يخول لأي جهة إيقاف مواطن دون بطاقة جلب تصدر عن قاض متعهد بالتتبع ،غير ان إيقاف السيد البحيري في ظروف غامضة ومسترابة يتجاوز بعده الحقوقي ليمثل منعطفا خطيرا في الازمة التي تمر بها البلاد وإيذانا بدفع اطرافها الى المواجهة الرأسية ان هذا الاجراء بما ينطوي عليه من استفزاز يمثل تهديدا للسلم الاهلية وللأمن العام في ظرف اجتماعي واقليمي شديد الاضطراب ، وإن الحكمة وروح المسؤولية تقتضيان الافراج فورا عن السيد نور الدين البحيري، واحترام الإجراءات القانونية في حقه والنأي بالقضاء وبقوات الأمن عن التوظيف السياسي.
“حل المجلس الأعلى للقضاء خطيئة كبرى في حق الشعب التونسي”
*حول حل المجلس الاعلى للقضاء و تعويضه بهيئة وقتية ما هو تعليقكم؟
استقلال القضاء مسألة حملتها النخب التونسية عقودا من الزمن لأن القضاء لطالما كان الذراع السياسي للسلطة يخنق بها حرية التعبير و كل الحريات و يحيل للمحاكمات قطاعات واسعة من النقابيين المبدعين و السياسيين و الفنانين ، حيث كان استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية من أهم المطالب التي كرسها دستور 2014، نستطيع ان نقول ما نشاء و لكن الحقائق لا يمكن تزييفها لأن دستور 2014 جعل السلطة القضائية خارج التهديد و بعيدة عن تحكم و سيطرة السلطة التنفيذية و السياسية .و لكن تحت جناح الظلام أصدر رئيس الجمهورية مرسومه المشؤوم بحل المجلس الأعلى للقضاء واستبداله بهيئة مؤقتة تخول له التدخل في تعين القضاة وترقيتهم ومؤاخذتهم ونقلتهم واعفائهم، حقٌ أريد به باطل بتعلة مقاومة الفساد وقع قطع رأس القضاء اليوم تونس تحت نظام الحكم الفردي المطلق و هذا لا يهدد الحريات فقط بل الاقتصاد أيضا فالمستثمرين اذ لم تكن لديهم ثقة في القضاء فلا يمكن ان يُغامروا و يستثمروا و بالتالي لا الأجانب و لا الذين في الداخل منهم يمكنهم المغامرة بإمكانياتهم.
قلعة أخرى من قلاع الحرية وحصن من حصونها يسقط امام اعيننا حل المجلس الأعلى للقضاء خطيئة كبرى في حق الشعب التونسي و بهذه المناسبة أُحي صمود القضاة الشرفاء رغم المحن … وبمباركة منا عقبة أخرى تنزاح على طريق العودة الى الحكم المطلق، في كساء شعبوي رديء هذه المرة ثم بعد …سوف يدفع المجتمع وفي مقدمته النخب بلا شك ثمنا باهظا من الألم والشدة والتضحية بالنفس والنفيس
سوف يزداد الانقسام السياسي تفاقما والازمة الاجتماعية حدة وتعفنا.
” كشف حقائق الاغتيالات السياسية من مشمولات السلطة التنفيذية “
*الى أي مدى تعتبر بطء القضاء في التعامل مع قضية الاغتيالات السياسية و القضايا الارهابية سببا في حل المجلس الأعلى للقضاء؟
حتى و لو تم تسجيل نقيصة لا يعطي ذلك الحق في اتيان عمل باطل حتى لو اعتبرنا ان القضاء تستر على تفاصيل اغتيال الشهيدين بلعيد و البراهمي هذه لا يمكن ان تكون ذريعة لضرب استقلالية القضاء ممكن تكون دافع للسلطة التنفيذية لتضغط عن طريق المؤيدات .عن طريق المخابرات الدولية و القضاء العسكرية و الاجهزة الاستخباراتية .لأن القضاء يجب ان تتوفر لديه الاثباتات و الوثائق اللازمة ليستكمل عمله و هذه مهمة السلطة التنفيذية اضافة الى أن البت في قضايا الارهاب ليس سهلا فنحن الى يون الناس هذا لا نعلم من قتل فرحات حشاد (رغم ورود معلومات عن أحد القتلى في اخر ايامه اعترف و لازالت التفاصيل غامضة…) مهدي بن بركة من المغرب لم يُعرف قاتله ايضا، جون كيندي من أمريكا و غيرهم كُثر. المسألة ليست بيد القضاء بل بيد السلطة التنفيذية هي التي توفر المعلومات .
“هيئة الدفاع عن شكري بلعيد عليها بالبحث عن الاثباتات لا الادعاءات”
*انطباعاتك حول مُخرجات الندوة الصحفية الأخيرة لهيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد و البراهمي؟
هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد و البراهمي مشكورة على بذل المجهودات و يُحسب لها النضال من أجل الحقيقة و الابقاء على القضية حية و راسخة و لكن ليست لهم اثباتات جادة تحيل لهم الكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية التي لازالت حسب تقديري غامضة و كل ذلك رهين تعاون السلطة التنفيذية و لسائل أن يسأل هل للدولة مخابرات أم لا ؟هل للدولة علاقات خارجية؟ هل لديها تعاون دولي في الاجهزة الفنية الأمنية؟ اذا ليست مسؤولية القضاء وحده بل مسؤولية الرئيس سعيد و قبله الباجي قائد السبسي رحمه الله. و بالتالي لا يمكن الفصل في هذه القضايا بالادعاءات بل بالاثباتات.
*نرى اجتماعات مكثفة تحت “مبادرة مواطنون ضد الانقلاب” جمعتك مؤخرا براشد الغنوشي هل يمكن اعتبار ذلك بداية تحالفكم مع حركة النهضة؟
منذ الثورة الى حدوث الانقلاب لم أقترب من النهضة بأي شكلا من الاشكال و كنت في الخط الأول لمعارضة “الترويكا” و من ثمة معارضة كل الحكومات التي شكلتها النهضة مع مختلف التيارات السياسية الاخرى . و نحن اليوم أمام أزمة طرفاها الاساسيان قيس سعيد و حركة النهضة و التونسي المسؤول على بلاده و اولاده لا يمكنه ان ينحاز لأي شق بل عليه ان ينحاز الى شق تونس و بلادنا اليوم يهددها
” الانقلاب” و التهديد الذي كانت تمثله النهضة سقط يوم 25 جويلية اذا الخطر الحقيقي هو قيس سعيد
يجمعني بالنهضة دفاعي عن نورالدين البحيري لأنه تونسي و اتقاطع معها في رفض” الانقلاب ” بكل اشكاله..انا تونسي و سأظل الى نهاية أيامي ارفض الظلم و الكراهية نختلف ايديولوجيا نختلف في الآراء و لكن نعيش جميعا تحت الخيمة التونسية نتنافس من أجل الخير و الأفضل لتونس و بالتالي الكراهية و الحقد لا يمثلاني انا ضد الكراهية و الاستئصال و لا ينتظر مني الدخول في هذا الإحتراب الاهلي الذي انطلق ايديولوجيا و اذا ما توقف سيكون ماديا. أسعى الى عيش كل التونسيين في سلام و امان.
انا عارف روحي في أي اتجاه و متأكد ان الخطر الكبير قيس سعيد و ليس حركة النهضة و بالتالي تقاطع المواقف مع راشد الغنوشي للتصدي لـ “لانقلاب” واجب وطني.
*ماهو الحل حسب تقديرك للخروج من الازمة التي تعيشها تونس اليوم؟
حل الخروج من الأزمة سهل لذوي الالباب و الضمائر الحية ، نحن اليوم أمام أزمة اقتصادية و اجتماعية و مالية و المطلوب انقاذ تونس منها لا بد ان نتحاور من أجل خلق امكانيات و حلول لا بد من الحوار لتقويض فريق مقتدر يمكنه اخراجنا من هذه الحالة المزرية، و للأمانة فأنا بحياتي لم أرى تونس على هذه الحال من قبل انهيار على جميع المستويات لم أعهده لا شبيه بأزمة 1986 و لا ب1978 ما نعيشه كارثة بما للكلمة من معنى .
نعلم جيدا ان ما وصلنا اليه ليس عن طريق الصدفة بل نتاج للنظام السياسي الذي كان قائما قبل 25 جويلية الذي أدى الى انهاك الدولة لتصل مرحلة الشلل التام أجهزتها تضرب بعضها البعض و نظام الأحزاب تملك الدولة عوض خدمتها، وبالتالي الثانية للحوار كيف يتم اصلاح النظام السياسي و هذين النقطتين من المفروض ان يتم الاتفاق عليهما في الحوار، هذا هو هدف الحوار و لكن قيس سعيد لا يريد الحوار نحن نريد حوار بلا اقصاء تشارك فيه جميع الاطياف السياسية دون استثناء لا النهضة و لا الدستوري الحر و قدام الرأي العام و امام الاعلام و الاضواء .
و الجميع يعرف ان الرئيس لا يقبل الحوار مع اي طرف حتى مع الذين ساندوه بعد 25 جويلية على غرار التيار الديمقراطي و حركة الشعب. حتى مع معاونيه لا يتحاور و خير دليل على تسلطه و انفراده بالرأي انسحاب 13 شخص منهم و مؤخرا مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة .
الرئيس لم يتفاعل مع مبادرة اتحاد الشغل و اجهضها في رفوفه حتى اذ ما تحدث عنها تحدث باستهزاء.
*ماهي مشاريعكم في الايام القلية القادمة ؟
هناك مشاورات مستمرة بين مكونات الحركة الديمقراطية و لكن للأسف لم نستطيع تجميع قوتنا ومازلنا نحاول و لن نيأس فالسياسة هي روح الحياة الاجتماعية و ستبقى دائما ماد امت الكرة الارضية موجودة وفيها جماعات بشرية و ستبقى السياسة هي البحث عن الصالح العام في المجتمعات الحديثة التي اختارت الديمقراطية التمثيلية ،الأحزاب السياسية الى حد الاَن هي الاَلية الوحيدة لتمثيل الناس و تونس دخلت في هذا الاطار صحيح ان الاحزاب فيها ضعيفة و فقدت ثقة الرأي العام لكن لا بد من خلق احزاب تقوم بوظيفتها على أكمل وجه .
*المسيرة و المسار ما جرى و ما رأى..اصدارك الجديد ماهي مضامينه ؟
كتاب حول مسيرتي السياسية و الفكرية يتألف من جزأين، القسم الاول حول المسيرة السياسية اي ما عشته على مدار 50عام من أنشطة سياسية و من أحداث قصصته في حوالي 200صفحة و الجزء الثاني خصصته للمقاربات و تناولت قضايا اعتبرها شخصيا قضايا مفصلية من ضمنها شخصية الزعيم الحبيب بورقيبة و فيها قراءة لما قام بيه بورقيبة في تونس السلبيات و الايجابيات و ما حصل في النهاية …
في الجزء الاول و بما اني بدأت نشاطي السياسي في القومية عاصرت الحرب الباردة و المد الناصري …طرحت جملة من الاسئلة من بينها لماذا لم تنتشر القومية كما حصل في الشرق و استخلصت ان العثمانيين وقتها جعلو من المسألة القومية انذاك مسألة انفصال مع تركيا و في مصر و شمال افريقيا كانت البلدان ترجح تحت الاستعمار الغربي كبريطانيا و فرنسا و المانيا و بالتالي لم ينظرو نظرة انفصالية تجاه تركيا لانها لم يعد لها نفوذ عليهم بل هم تحت نفوذ الغرب فكانت النهضة اسلامية عربية لم تكن قومية علمانية .