31.7 C
تونس
12 أغسطس، 2025
وطنية

بعد التلميح و التصريح: اتحاد الشغل يواجه مرحلة جديدة

حمل خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد الأخير بخصوص الاتحاد العام التونسي للشغل إشارات مباشرة إلى ملامح المرحلة المقبلة التي من المتوقع أن تسلكها السلطة التنفيذية في تعاطيها مع هذا الملف.

و برزت في كلمة رئيس الجمهورية خلال لقائه الاخير برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري رسائل واضحة تتجاوز قراءة اللحظة الراهنة إلى رسم خطوط تحرك قادمة.

وفي مستهل حديثه، أقر سعيد بأن المحتجين أمام مقر الاتحاد لم تكن لهم نية الاعتداء أو الاقتحام، نافيا التشبيه بما جرى سنة 2012، وهو ما يعد تثبيتا لرواية مغايرة لما روجته قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل ، ويوحي بموقف ضمني يميز بين التحركات الميدانية الأخيرة وبين الاعتداءات السابقة، الأمر الذي يمكن قراءته كمؤشر على رغبة الرئيس في إعادة ضبط العلاقة مع الاتحاد ضمن معادلة جديدة.

رسائل مباشرة إلى الاتحاد

و في كلمته، وجّه رئيس الجمهورية إشارات مباشرة إلى قيادة الاتحاد العام للشغل، مؤكدا أن المنظمة ليست بمنأى عن المحاسبة وأن القانون سيطبق على الجميع دون استثناء، مستحضرا رموزا من تاريخ الحركة النقابية مثل محمد علي الحامي والطاهر الحداد وفرحات حشاد، في مقارنة ضمنية بين ما اعتبره نقابة ملتزمة بالمصلحة الوطنية في الماضي وبين ما يراه ابتعادا عن هذه القيم اليوم.

و الملاحظ ان الانتقادات كانت مباشرة و متماهية مع الاراء الشعبية حيث شملت الانتقادات أسلوب إدارة المنظمة من خلال الإشارة إلى الاجتماعات في النزل والمطاعم الفاخرة مقابل إهمال الدفاع عن فئات اجتماعية واسعة، وهو ما يعكس توجهه نحو محاسبة مرتقبة لهذه القيادة على خياراتها الاجتماعية والسياسية،كما حملت كلمته تلميحا إلى فتح ملفات مالية، مؤكدا أن الشعب يطالب بالمحاسبة العادلة لاستعادة أمواله كاملة، ما يشير إلى إمكانية إطلاق إجراءات قضائية أو رقابية تستهدف ملفات مرتبطة بتسيير المنظمة أو بعض هياكلها.

والى جانب التلويح بالاجراءات القانونية خلصت كلمة رئيس الجمهورية في جزء منها إلى ابراز ما يصفه البعض بحياد المنظمة الشغيلة عن دورها الرئيسي ما يتيح نوعا من التعبئة الشعبية لقرارات مرتقبة على الارجح، حيث تضمنت كلمة رئيس الجمهورية ايضا تأكيدا على التزامه بحقوق العمال والعاطلين عن العمل، معتبرا أن حرصه على هذه الحقوق يفوق حرص كثيرين اخرين يتاجرون بتلك الحقوق.

ومن خلال استحضار شخصيات تاريخية مثل الطاهر الحداد وفرحات حشاد، ربط الرئيس بين البعد الاجتماعي للحركة النقابية وبين المشروع الوطني الذي يسعى إلى ترسيخه، في إشارة إلى أن أي عمل نقابي يجب أن يظل في إطار المصلحة الوطنية لا المصالح الفئوية أو السياسية الضيقة.

فتح ملفات المحاسبة

و من بين أهم النقاط التي برزت في كلمة الرئيس قيس سعيد إعلانه أن هناك ملفات لابد أن تفتح، وهو تصريح يتجاوز الإطار الخطابي إلى الإشارة لمرحلة عمل ميداني قد تشمل تحقيقات قضائية أو مالية.

ويتناغم هذا التوجه مع سياسته المعلنة منذ 25 جويلية 2021 في مكافحة الفساد وتوسيع دائرة المحاسبة لتشمل كل من يشتبه في تجاوزه للقانون، ومن المرجح أن تشمل هذه الإجراءات مراجعة ملفات مالية أو عقارية أو إدارية تخص الاتحاد أو قيادات سابقة وحالية، وربما التوسع نحو قطاعات أخرى لها ارتباط بالمنظمة، حيث ان الحديث عن استعادة “كل أموال الشعب” يوحي بعملية تدقيق واسعة قد لا تقتصر على ملف الاتحاد بل تمتد إلى مؤسسات وشخصيات مرتبطة به، في إطار إعادة رسم موازين القوى داخل المشهد النقابي والاجتماعي.

إعادة صياغة العلاقة

واوحت كلمة رئيس الجمهورية بأن صفحة جديدة قد فُتحت في علاقة الدولة بالاتحاد، عنوانها الرئيسي هو خضوع الجميع للقانون وضرورة أن يكون العمل النقابي في خدمة الصالح العام، واذا ما اردنا ترجمة ذلك الى اجراءات عملية فيمكن ان يهم إعادة النظر في الامتيازات أو الاتفاقيات السابقة التي حصلت عليها المنظمة، وربما إعادة ضبط الإطار القانوني المنظم للعمل النقابي بما يضمن شفافية أكبر في التسيير وتمثيلية أوسع للقواعد العمالية، كما أن انتقاده لاجتماعات النزل والمطاعم الفاخرة يمكن أن يكون تمهيدا لفرض ضوابط على نفقات المنظمة أو إلزامها بالكشف عن مصادر تمويلها وطريقة صرفها.

ومن خلال الربط بين تصريحات الرئيس قيس سعيد ومجمل سياسته خلال السنوات الأخيرة، يمكن استنتاج أن المرحلة المقبلة قد تشهد سلسلة من الإجراءات التنفيذية في علاقة بالاتحاد، منها إطلاق تدقيق مالي وإداري في هياكل المنظمة، ودفعها نحو مراجعة أولوياتها الاجتماعية، وإعادة تركيزها على الملفات العمالية الأساسية.

كما قد تشمل هذه الإجراءات تفعيل المتابعة القضائية في حال ثبوت مخالفات أو تجاوزات، بالتوازي مع طرح إصلاحات تشريعية تعيد ضبط العلاقة بين الدولة والمنظمات النقابية، وقد يتزامن ذلك مع مبادرات حكومية لتحسين أوضاع الفئات المهمشة، و اصدار مرسوم يتعلق بانتداب من طالت بطالتهم بهدف تقليص المساحة الاجتماعية التي يتحرك فيها الاتحاد، وتعزيز حضور الدولة كفاعل أساسي في المشهد الاجتماعي.

و لم يغب البعد السياسي عن كلمة سعيد، إذ حملت اتهامات مبطنة لبعض الأطراف في الداخل والخارج بالسعي إلى تأجيج الأوضاع والتشكيك في مسار الدولة، حيث أن هذا الاتهام يعكس إدراكا بأن ملف الاتحاد لا ينفصل عن صراعات أوسع داخل المشهد السياسي، وأن إعادة صياغة العلاقة معه جزء من معركة أوسع لإعادة ترتيب مراكز النفوذ، كما أن رفضه توصيف المحتجين كـ”منتسبين زورا لمسار 25 جويلية” يحمل رسالة إلى قواعده السياسية بأنه هو من يحدد من ينتمي إلى هذا المسار ومن يخرج عنه، ما يعزز موقعه كمحدد وحيد لشرعية الفعل السياسي في المرحلة الراهنة.

واللافت ايضا في خطاب الرئيس قيس سعيد هو الحضور المكثف للرموز التاريخية للحركة النقابية والوطنية، من محمد علي الحامي إلى فرحات حشاد، وهو استدعاء يوظف للتأكيد على أن العمل النقابي الحقيقي يجب أن يكون متجذرا في المشروع الوطني لا منفصلا عنه و يؤكد أن الفصل بيّن بين الاتحاد كمنظمة تاريخية عريقة و بين الاتحاد بما هو المكتب التنفيذي الحالي.

Related posts

العاصمة: زوج يقتل زوجته وأمها طعنا

Na Da

هذه الدول تحتفل الثلاثاء بعيد الفطر

root

المهدية: حجز كمية من قوارير الغاز المنزلي والإحتفاظ بشخص

Moufida Ayari

Leave a Comment