36.5 C
تونس
15 أغسطس، 2025
دولي

احتلال غزة: المقامرة الاقتصادية والسياسية التي تهدد استقرار الكيان الصهيوني

  في الوقت الذي يعيش فيه كيان الاحتلال واحدة من أعقد أزماته الاقتصادية منذ تأسيسه على أرض فلسطين العربية، ومع انهيار مؤشرات الثقة بالاقتصاد وتراجع التصنيف الائتماني، يواصل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو التلويح بخيار احتلال كامل لقطاع غزة. هذا الخيار، الذي تحذر منه أوساط عسكرية ومالية وإعلامية إسرائيلية، لا يهدد فقط استقرار الموازنة العامة، بل قد يدفع الاقتصاد إلى حافة الانهيار، في ظل الحرب المستمرة، وإغلاق الموانئ البحرية بفعل الحصار اليمني، وتآكل الثقة الدولية.

تكلفة سنوية فلكية: 49 مليار دولار

حسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن إعادة احتلال القطاع ستفرض على الخزينة الإسرائيلية أعباءً سنوية تتراوح بين 120 و180 مليار شيكل (نحو 32 إلى 49 مليار دولار) أي ما يعادل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان. هذه التكلفة تشمل:

** تجنيد 250 ألف جندي احتياط واستهلاك ذخيرة بقيمة 350 مليون شيكل يوميًا (10–11 مليار شيكل شهريًا).

** إدارة القطاع بعد السيطرة عليه، بكلفة تتراوح بين 10 و15 مليار شيكل شهريًا لتأمين الغذاء والماء والدواء والكهرباء لسكانه.

** إنشاء مخيمات لجوء وتمويل مساعدات إنسانية إجبارية تحت ضغط المجتمع الدولي.

وزارة المالية الإسرائيلية نفسها حذرت من أن هذه الخطوة سترفع العجز المالي إلى نحو 7% هذا العام، مع احتمال خفض إضافي للتصنيف الائتماني، وهو ما سيضاعف كلفة الاقتراض، ويقوض الاستثمارات.

التقشف والضرائب.. ثمن الاحتلال

يشير المراسل الاقتصادي غاد ليؤور إلى أن تمويل هذا العبء يتطلب تقليصات واسعة في التعليم والصحة والرفاه، وفرض ضرائب إضافية على المواطنين، إلى جانب تمديد تجميد خفض معدلات الضرائب. هذا يعني أن المواطن الإسرائيلي العادي سيدفع مباشرة من جيبه ثمن المغامرة العسكرية.

بل إن العام المقبل قد يبدأ من دون موازنة مُعتمدة، لتدار الحكومة بموجب “ميزانية استمرارية” تقلص الاستثمارات العامة وتعيق النمو الاقتصادي.

مقامرة على طريقة العراق

وصفت صحيفة كالكاليست الاقتصادية احتلال غزة بأنه “المقامرة الأعلى تكلفة في تاريخ إسرائيل”، مشبهةً السيناريو المحتمل بتورط الولايات المتحدة في العراق بعد 2003، حيث وجدت واشنطن نفسها مسؤولة عن إدارة حياة ملايين المدنيين في بيئة عدائية، وسط استنزاف مالي وعسكري طويل الأمد.

التقديرات العسكرية تشير إلى أن إدارة غزة ستتطلب 3 إلى 4 فرق عسكرية ميدانية بشكل دائم، وتأمين شبكة مواصلات وتعزيز البنية التحتية الأمنية. لكن الكلفة المالية ليست سوى نصف القصة؛ النصف الآخر هو المستنقع الأمني والسياسي الذي قد تغرق فيه إسرائيل.

مخاطر أمنية واستراتيجية

مصادر أمنية إسرائيلية نقلت عنها كالكاليست أكدت أن غزة ليست جنين أو نابلس، بل ساحة حرب مستمرة، مليئة بالأنفاق والبنية التحتية القتالية المعقدة. الجيش الإسرائيلي يعاني أصلاً من نقص في القوى البشرية، وتراجع المعنويات في صفوف الاحتياط، وازدياد حالات الرفض للخدمة.

أما سياسيًا، فإن احتلال القطاع سيؤدي إلى تآكل إضافي في التأييد الدولي لإسرائيل، في ظل التغطية الإعلامية المكثفة للجرائم ضد المدنيين، وفتح الباب أمام تحقيقات في المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الحرب.

الحصار اليمني وإغلاق الموانئ: ضربة مضاعفة

لا يمكن النظر إلى التكاليف بمعزل عن الظروف الإقليمية. فإغلاق الموانئ الإسرائيلية أو تعطيلها بفعل الهجمات اليمنية على السفن المرتبطة بالكيان أدى إلى شل حركة التجارة البحرية، ما يفاقم الأزمة الاقتصادية.

معظم الصادرات والواردات الإسرائيلية تعتمد على الموانئ البحرية، وأي إغلاق طويل الأمد يهدد قطاعات كاملة مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا. في ظل هذا الوضع، فإن الدخول في التزام مالي وعسكري ضخم في غزة يبدو أقرب إلى انتحار اقتصادي.

غياب استراتيجية الخروج

أحد أبرز الانتقادات التي أوردتها كالكاليست يتعلق بغياب ما يسمى “استراتيجية الخروج”. حتى لو نجح الاحتلال في دخول غزة، لا توجد خطة واضحة لما بعد ذلك:

هل ستبقى القوات الإسرائيلية إلى أجل غير مسمى؟ من سيدير شؤون السكان؟ هل سيتدخل المجتمع الدولي في الإدارة؟

هذه الأسئلة لا تجد جوابًا مقنعًا حتى داخل الحكومة، وهو ما يرفع احتمالية التورط في حرب استنزاف طويلة الأمد.

الانقسام الداخلي

داخل المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) الإسرائيلي، هناك انقسام حاد بين مؤيدين للاجتياح الكامل ومعارضين يرون أنه سيحول غزة إلى “فيتنام إسرائيلية”.

وزارة المالية والجيش يعارضان الخطة، لكن الصوت السياسي لليمين المتطرف هو الأعلى، وهو ما يجعل القرار رهينة لأجندات أيديولوجية أكثر من كونه مبنيًا على حسابات استراتيجية.

السيناريو الكارثي

إذا مضت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في خيار احتلال غزة، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا يتضمن:

** نزيف مالي مستمر يستهلك الميزانية ويعطل الاستثمار الداخلي والخارجي.

** استنزاف عسكري مع خسائر بشرية متزايدة وانخفاض جاهزية الجيش لجبهات أخرى.

** عزلة سياسية دولية وتزايد الضغوط القانونية في المحاكم الدولية.

** اضطرابات داخلية نتيجة الإجراءات التقشفية وتراجع الخدمات العامة.

** تفاقم المخاطر الإقليمية مع استمرار الهجمات على الموانئ الإسرائيلية، ما يهدد شريان التجارة الرئيسي.

مقامرة بحجم الانتحار

إن محاولة احتلال غزة ليست مجرد مقامرة عسكرية، بل مقامرة شاملة تهدد أسس الاقتصاد الإسرائيلي واستقراره السياسي والاجتماعي.

في ظل الأوضاع الراهنة، حيث يعاني الكيان من تراجع النمو، وارتفاع العجز، وضغوط أمنية إقليمية، فإن الدخول في التزام مالي ضخم وغير مضمون النتائج سيكون بمثابة خطوة انتحارية قد تسرع في تفكك البنية الاقتصادية والسياسية لإسرائيل.

المفارقة أن التحذيرات لا تأتي فقط من “أعداء إسرائيل”، بل من داخل أروقة مؤسساتها المالية والأمنية، التي ترى في الخطة فخًا إستراتيجيًا قد تستفيد منه المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها، لإطالة أمد الاستنزاف حتى الانهيار الكامل.

 اعترافات يائير لابيد تكشف هشاشة المنظومة الصهيونية

تعيش منظومة الحكم الصهيونية واحدة من أعقد أزماتها السياسية والعسكرية ، حيث تتكاثف الخلافات الداخلية وتتصاعد الانتقادات حتى من داخل صفوفها القيادية. تصريحات يائير لابيد زعيم المعارضة الصهيونية، الأخيرة لم تكن مجرد نقد سياسي عابر، بل شكّلت اعترافًا صارخًا بفشل الحكومة الحالية في تحقيق أي إنجاز يُذكر خلال الحرب المستمرة على غزة.

بعد مرور عام وتسعة أشهر من العمليات العسكرية، بات واضحًا أن الاحتلال يترنح بين هزائم متتالية وفقدان للرؤية الإستراتيجية، في وقت يدفع فيه الجنود والمستوطنون الثمن الأكبر من الخسائر الميدانية والمعنوية. الحرب التي أرادها بنيامين نتنياهو ورقة سياسية للبقاء في السلطة، تحولت إلى مستنقع استنزاف يبتلع هيبة الجيش الصهيوني ويكشف ضعف منظومته الاستخبارية والعسكرية، هذا الاعتراف الداخلي بالفشل، إذا ما قرئ في سياقه، يكشف عمق الأزمة التي يعيشها الكيان، ويؤكد أن حماس، رغم الحصار والعدوان، استطاعت أن تفرض معادلة صمود ومواجهة أربكت الاحتلال وكسرت أوهامه بالتفوق المطلق.

تصدعات في البنية السياسية الصهيونية

أبرز ما كشفته تصريحات يائير لابيد هو الانقسام الحاد داخل البنية السياسية الصهيونية، حيث تحولت الخلافات إلى معارك علنية بين أقطاب الحكم والمعارضة. عندما يقرّ زعيم المعارضة بأن “من لم يستطع هزيمة حماس خلال عام وتسعة أشهر فهو لا يعرف كيف ينتصر”، فإن ذلك يمثل ضربة موجعة لشرعية القيادة السياسية الحالية.

هذه الكلمات لم تصدر من خصوم أيديولوجيين خارج المنظومة، بل من قلب المؤسسة السياسية التي شاركت سابقًا في إدارة الحكم. الحكومة الحالية، وفق وصف يائير لابيد، باتت عاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية، يغيب عنها رئيس وزراء “غائب عن الساحة”، ووزير خارجية “عديم الفائدة”، ووزراء يطلقون تصريحات تعرض الجيش للخطر. هذا التفكك السياسي ليس مجرد مشهد إعلامي، بل هو مؤشر على فقدان الانسجام والقدرة على التخطيط، الأمر الذي ينعكس على الميدان في صورة قرارات مرتجلة وفوضى عملياتية، مثل هذه الانقسامات تُضعف الجبهة الداخلية وتمنح المقاومة الفلسطينية فرصة أكبر لتعميق مأزق الاحتلال.

الفشل العسكري والاستخباري في غزة

لم يعد الفشل الصهيوني في غزة سرًا؛ فاعترافات القيادات السياسية والعسكرية باتت تملأ وسائل الإعلام العبرية. الاحتلال الذي لطالما تفاخر بقدراته العسكرية والاستخباراتية، يجد نفسه اليوم عاجزًا عن تحقيق أهدافه المعلنة، أكثر من 680 يومًا مرّت على احتجاز المقاومة الفلسطينية لأسرى صهاينة في أنفاق غزة، دون أن تنجح الحكومة في تحريرهم أو حتى تحقيق اختراق تفاوضي ملموس.

العمليات العسكرية تحولت إلى حرب استنزاف مكلفة، تستنزف الموارد والجنود دون أي إنجاز إستراتيجي. كما أن الاستخبارات الصهيونية، التي ادعت امتلاك معلومات دقيقة، فشلت مرارًا في رصد تحركات المقاومة أو تدمير بنيتها التحتية، هذا الإخفاق يعكس ضعفًا هيكليًا في فهم طبيعة المعركة مع خصم يعرف أرضه ويقاتل بعقيدة راسخة، كل ذلك يعيد إنتاج المشهد ذاته: حكومة مرتبكة، جيش منهك، وشعب يعيش في ظل تهديد مستمر، بينما تواصل حماس فرض معادلة الردع والصمود.

ارتداد الحرب على الداخل الصهيوني

الحرب على غزة لم تفشل فقط في تحقيق أهدافها، بل ارتدت آثارها السلبية على الداخل الصهيوني بشكل متسارع. الانقسامات السياسية، والخسائر البشرية، والأزمات الاقتصادية، كلها باتت وقودًا لغضب الشارع ضد الحكومة. تصريحا يائير لابيد حول “الكارثة السياسية” و”الهزيمة وراء الهزيمة” لم تأتِ من فراغ، بل تعكس حالة وعي داخل المجتمع الصهيوني بأن هذه الحرب بلا أفق، وأن استمرارها يعني مزيدًا من النزيف. مشاهد القلق المتزايد بين المستوطنين، وانعدام الثقة في القيادة، وانكشاف فشل الجيش أمام المقاومة، تشكّل جميعها بيئة خصبة لانفجار أزمات داخلية قد تعصف بمنظومة الحكم، هذا التآكل في الجبهة الداخلية يمثل مكسبًا إستراتيجيًا للمقاومة الفلسطينية، التي تدرك أن معركتها ليست فقط في الميدان، بل أيضًا في تفكيك الروح المعنوية للخصم وزرع الشكوك في جدوى قيادته السياسية والعسكرية.

المقاومة عنوان الصمود وانكسار الهيمنة الصهيونية

في ظل هذا الواقع الذي يكشف هشاشة المنظومة الصهيونية، تبرز المقاومة الفلسطينية كرمز للصمود والعزيمة التي لا تلين، الحصار والعدوان المستمر لم يفلتا من عزيمة الشعب الفلسطيني، بل زادا من قوته وصلابته في مواجهة آلة الاحتلال التي تعجز عن تحقيق أي نصر حقيقي، المقاومة ليست مجرد عمل عسكري، بل هي رسالة أمل وتحرر، تُعيد تعريف المعركة من الساحة العسكرية إلى ساحات السياسة والإعلام والوعي الشعبي، وهي التي فرضت معادلات ردع جديدة، أجبرت الاحتلال على إعادة حساباته وأظهرت للعالم ضعف منظومته الأمنية والعسكرية، هذا الصمود المتواصل يشكل درسًا واضحًا بأن القوة الحقيقية ليست في التكنولوجيا أو العدد، بل في الإيمان بالقضية والتمسك بحق الأرض والكرامة. المقاومة اليوم هي الحصن المنيع الذي يكسر أسطورة التفوق الصهيوني ويثبت أن إرادة الشعوب الحرة لا تُقهَر.

في النهاية، تصريحات يائير لابيد ليست مجرد مرافعة سياسية ضد خصم داخلي، بل هي شهادة من قلب المنظومة الصهيونية على فشل مشروعها الحربي في غزة. بعد ما يقارب العامين من العدوان، يتضح أن الاحتلال عاجز عن فرض شروطه أو تحقيق أهدافه، بينما تواصل المقاومة الفلسطينية تعزيز قوتها وتوسيع معادلاتها الميدانية والسياسية. الانقسامات الداخلية، الفشل الاستخباري، التراجع العسكري، والتدهور المعنوي، كلها عوامل تشير إلى أن الكيان الصهيوني يعيش أزمة وجودية تتجاوز حدود هذه الحرب. في المقابل، يظهر الشعب الفلسطيني، رغم الجراح والحصار، أكثر تماسكًا وصلابة، مدعومًا بإيمان بعدالة قضيته وبقدرة مقاومته على كسر أسطورة التفوق الصهيوني، هذه الحرب، بكل ما حملته من دمار، ستظل علامة فارقة تثبت أن إرادة الشعوب الحرة أقوى من ترسانة الاحتلال، وأن الكيان مهما امتلك من قوة سيظل عاجزًا أمام عقيدة المقاومة التي لا تعرف الانكسار.

Related posts

بوتين: روسيا تجري أكبر مناورات بحرية خلال ثلاثة عقود

محمد بن محمود

محقق عمل مع السنوار في سجون إسرائيل يكشف تفاصيل أسلوب حياة زعيم “حـــ…ماس”

محمد بن محمود

روسيا تشن هجومًا صاروخيًا واسعا على أوكرانيا

محمد بن محمود

Leave a Comment