38.2 C
تونس
22 أغسطس، 2025
اقتصاد

لاخراجها من حالة “الموت السريري”: المؤسسات الصغرى والمتوسطة تحتاج الى اجراءات عاجلة تكون لها بمثابة “قبلة الحياة”

في مفتتح شهر جويلية الماضي أصدر بنك الاستثمار الأوروبي والاتحاد الأوروبي تقريرا بعنوان “نحو العالمية: الشركات الصغرى والمتوسطة التونسية أمام واقع السوق” والذي شمل عينة من 150 مؤسسة صغرى ومتوسطة تنشط في عدة قطاعات منها الصناعات الغذائية والنسيج والسيارات وهي قطاعات رائدة في العالم وتتسم بالتنافسية العالية وتفاقم القيود حولها رغم النسق المتسارع لتطورها دوليا في ظل بيئة تنافسية شديدة.

وأكد التقرير أن هذه الشركات تواجه تحديات حقيقية حيث أكدت 60% من الشركات الصغرى والمتوسطة أن زيادة المنافسة وتشبُع السوق بعدة منتجات يعد من أبرز مخاوفهم عند التصدير. وعبر نصف المستجوبين عن استيائهم من نقص التمويل، مما يحد من قدرتهم على الاستثمار دوليًا وحيث تعاني شركة على 10 من عجز في تحقيق نقلة نوعية في مجال التصدير .

وأكد 48%  من اصحاب هذه المؤسسات أن نقص التمويل يُمثل عائقًا رئيسيًا كما بين ربع أصحاب الشركات المستجوبين أن عنصر المنافسة يشكل الصعوبة الرئيسية التي تعيق نموهم مُتقدماً على نقص رأس المال بنسبة 17% .

وتؤكد 6 من 10 شركات صغرى ومتوسطة أن تشبع الأسواق الأجنبية والمنافسة الشديدة يُعيقان نموهم بشدة.

وفي هذا السياق قدم برنامج التجارة والتنافسية تدريباً فنياً لأصحاب هذا الصنف من المؤسسات في تونس حول عدة  تحديات يجب اكتسباها منها مثلا  قواعد المنشأ وإزالة الكربون، بهدف تعزيز مكانة الشركات التنافسية في الأسواق الأوروبية وتمثل الأفكار الجريئة والمبتكرة والتدريب المتواصل آليات للتغلب على هذه العوائق حسب رأي احد أصحاب الشركات المستجوبة.

وبين التقرير أن 48% من المديرين التنفيذيين لأصحاب الشركات الذين شملهم الاستطلاع يرون أن نقص التمويل يُمثل عائقًا رئيسيًا أمام أي توسع دولي رغم أن 88% منهم يُصدّرون بالفعل، إلا أن نصفهم فقط يُصدر بصورة منتظمة بينما لا تزال واحدة من كل عشر شركات صغرى ومتوسطة غائبة تمامًا عن قنوات التصدير بسبب نقص الموارد اللازمة للاستثمار في الابتكار و تطوير الأعمال.

وبين التقرير ايضا ان الشركات الصغرى والمتوسطة التي تطبق فعليا إستراتيجية للتصدير، لا تزال تعاني من العوائق اللوجستية والتجارية حيث صرحت 62% منها أن التكاليف اللوجستية والجمركية وتكاليف شهادات التطابق  الباهظة  وهي اول العوائق وبنسبة 60 بالمائة وجود  تنافسية كبيرة  وضغط منتجات وتشبع كبير في الأسواق.

وأشارت 44% منها إلى صعوبة تحديد شركاء تجاريين أجانب بحيث  تُعيق هذه القيود التقنية والمتعلقة ببناء شراكات  الاندماج في سلاسل القيمة الدولية، رغم انه أمر  ضروري لضمان نمو مستدام للصادرات وفق مسح للتجارة والتنافسية الخاصة  بالشركات الصغرى والمتوسطة في تونس لسنة  2025 بتكليف من بنك الاستثمار الأوروبي أجراه معهد “بتلوك”  لاستطلاعات الرأي .

وتُشكل الشركات التي شملها المسح بشكل رئيسي جزءًا من النسيج الإنتاجي لسلاسل القيمة التصديرية الرئيسية التي يستهدفها برنامج التجارة والتنافسية التابع لبنك الاستثمار الأوروبي، والذي يُشارك في تمويله الاتحاد الأوروبي. تتعلق سلاسل القيمة هذه بقطاعات الأغذية الزراعية، والسيارات، والمنسوجات.

وفي نفس الشهر لكن بعد التقرير بثلاثة اسابيع تقريبا قال رئيس المنظمة التونسية لرواد الأعمال، ياسين قويعة، إن أكثر من 400 ألف مؤسسة اقتصادية صغرى في تونس مهددة بالإفلاس، نتيجة تراكم السياسات العمومية القديمة، والتعقيدات الإدارية والتشريعية، وغياب تفعيل القوانين المصادق عليها.

وأضاف قويعة، أنّ الدولة لم تطبق أيًا من القوانين التي صادق عليها البرلمان مؤخرًا، على غرار قانون عدد 41 (يتعلق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها، والمعروف أيضًا باسم قانون الشيكات دون رصيد)، متسائلًا عن مصير الـ8% التي أُعلن أنها ستُرصد لإنعاش المؤسسات الصغرى.

وأشار إلى أن “عدد المؤسسات الاقتصادية في تونس يبلغ حوالي 825 ألف مؤسسة، منها 97 بالمائة تصنّف كمؤسسات صغرى وصغرى جدًا”، معتبرًا أن ذلك “خلق فجوة عميقة بينها وبين المؤسسات الكبرى، دون وجود حلول ملموسة لدعمها”. وانتقد قويعة ما وصفه بـ”الإسهال التشريعي” في ظل غياب أي تطبيق فعلي لهذه القوانين، مضيفًا: “نحن بلد قانون ولدينا مؤسسات، لكننا نعاني من غياب التنفيذ، وهذا ما يعطّل مشاريعنا ويقضي على مناخ الاعمال”. وختم بالقول إن أصحاب المؤسسات يعيشون اليوم في دوامة، حيث صار أقصى طموحهم الحصول على مرتب شهري فقط، محذرًا من أن استمرار الوضع قد يدفع العديد منهم إلى مغادرة البلاد، في ظل مناخ اقتصادي وسياسي وصفه بـ”المتأخر وكأننا في بداية الاستقلال”.

وفي جانفي من هذا العام أكد الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، عبد الرزاق حواص في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء أن متوسط عمر المؤسسة الصغرى والمتوسطة في تونس لا يتجاوز 18 شهرًا، معتبراً أن السبب الرئيسي وراء إفلاس هذه الشركات وخروجها من السوق يعود إلى الحاجة الملحة لتحديث التشريعات الاقتصادية. وأشار إلى أن العديد من القوانين المعمول بها تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولم تعد تناسب الواقع الاقتصادي الحالي، وفق تقييمه.

تقرير بنك الاستثمار الأوروبي الذي يعد احد اهم الاذرع المالية للاتحاد الاوروبي وما صرح به كل من ياسين قويعة رئيس المنظمة التونسية لرواد الأعمال، وعبد الرزاق حواص الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة تعكس حجم الازمة التي تعيش على وقعها المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس رغم انها عماد الاقتصاد بحكم تكوينها لنسبة مهمة للنسيج الاقتصادي للبلاد وما يوفره ذلك من طاقة تشغيلية عالية واسهامات مهمة في الناتج المحلي للبلاد ودفع النمو .

كل ذلك يبين ان الشركات الصغرى والمتوسطة رغم انها تعتبر العمود الفقري للاقتصاد التونسي باعتبار أهميتها الاقتصادية على مستوى تمثيليتها للشركات عموما والتشغيل وتحفيز النمو الاقتصادي وعلى الرغم من أهميتها إلا أنها تواجه في كل الأوقات عقبات أبرزها عقبة التمويل.

وقد عبر البنك المركزي في بيان مجلس الإدارة قبل عام عن انشغاله إزاء تباطؤ تطور القروض الممنوحة للاقتصاد خلال سنة 2023 والنصف الأول من سنة 2024، والذي شمل بالأساس القروض المسندة للشركات الصغرى والمتوسطة والأفراد، على خلفية السياق الاقتصادي الصعب وتواصل الضغوط التضخمية. وشدّد المجلس على ضرورة تنسيق جهود جميع الأطراف المعنية لدعم الشركات وضمان ديمومتها والحفاظ على مواطن الشغل.

تواجه المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تمثل نحو 90% من مجموع المؤسسات في تونس عديد العقبات لعل أبرزها التمويلات مما يجبر العديد منها على الإغلاق وقد تبنى مشروع قانون المالية 2025، مجموعة من التدابير التي تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال، أبرزها تخصيص 7 مليون دينار على موارد الصندوق الوطني للتشغيل لإنشاء خط تمويل مخصص لإسناد قروض طويلة ومتوسطة المدى للمؤسسات الصغرى والمتوسطة والشركات الناشئة، وذلك بشروط ميسّرة.
وفي إطار السعي إلى تعزيز القدرة التنافسية لهذه المؤسسات في ظل تسجيل طلب كبير على تمويل حاجيات الاستغلال، يقترح مشروع قانون المالية 2025 ، إحداث خط بمبلغ 10 مليون دينار لتمويل قروض التصرف والاستغلال بشروط ميسرة على مستوى نسبة الفائدة ومدة التسديد لفائدة هذه المؤسسات بما يمكنها من مجابهة حاجياتها الهيكلية لتمويل دورة الاستغلال. ومن شأن هذا الأجراء أن يساهم في ضمان ديمومة المؤسسات المعنية وإصلاح هيكلتها المالية.
وقد أكد مدير عام مناخ الأعمال بوزارة الاقتصاد والتخطيط محمد بن عبيد على هامش الدورة 38 لأيام المؤسسة أن المؤسسات الصغرى والمتوسطة تواجه عقبات تبدأ من تعريفها إلى صعوبة التمويل من المؤسسات البنكية ولفت إلى ان العديد من طلبات التمويل يتم رفضها لضعف الملف المقدم داعيا الى مرافقة المؤسسات وفي هذا السياق تجدر الإشارة الى انه يتم الإعداد للإستراتيجية الوطنية للنهوض بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة بهدف تحرير المبادرة الخاصة وضمان ديمومة هذه المؤسسات.
ففي تقرير نشره المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية تمت الإشارة الى ان الشركات الصناعية شركات متناهية الصغر تقدر بنسبة تقارب الـ 91 % في 2018 فيما لا تتجاوز نسبة الشركات الصغرى والمتوسطة والكبيرة  10 % .
وتعتبر مؤسسة صغرى على معنى الأمر المنظم للصفقات العمومية، وفق موقع الصفقات العمومية، المؤسّسة الي يجب أن لا يتجاوز رقم معاملاتها السنوي مبلغا يتراوح بين 60 ألف دينار و1 مليون دينار حسب موضوع الصفقة.
وتختلف تعريف المؤسسات الصغرى والمتوسطة من دولة الى اخرى حسب حجم الاقتصاد من حيث احتساب عدد العاملين فيها ورقم معاملاتها الا ان لايوجد تعريف دقيق لها.

ان هذا النوع من المؤسسات بحكم اتساعه وتكوينه لاغلب النسيج الاقتصادي للبلاد يجب ان ينال رعاية اكبر من المؤسسات المالية التونسية وان يتم ذلك بدفع كبير من وزارة المالية اذ صار ضرورة كبرى وضع خطة وطنية من قبل وزارة المالية لإنعاش المؤسسات الوطنية المتضررة من قانون الشيكات، وذلك من أجل إنقاذ الوضع المالي والإداري لتلك المؤسسات التي أصبحت مهددة بالإفلاس في ظل التراجع الكبير في عمليات البيع والشراء منذ دخول قانون الشيكات الجديد حيز التنفيذ في شهر فيفري الماضي، حيث تمت ملاحظة انخفاض في الإقبال على “الصولد” وتضرر أكثر من 50% من القطاعات التجارية، مثل شركات بيع المواد الإلكترونية والمنزلية ولا بد من وضع مجموعة من البدائل، أبرزها تسهيل عملية البيع والشراء عبر وضع صيغة شيك جديدة بمواصفات ميسرة دون تحديد مبلغ مالي سقفي. لأنه حسب المتضررين من هذا القانون من اصحاب الشركات الصغرى والمتوسطة فان الشيك في صيغته الحالية لا يتناسب مع احتياجات هذا النوع من المؤسسات خاصة في ما يتعلق بدفع كتلة الأجور أو شراء المواد الأولية، مما أدى إلى تراجع حاد في رقم معاملاتها.

كما انه صار من الضروري تقديم تسهيلات ومنح قروض ميسرة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة بهدف إنعاشها، لاخراجها من حالة “الموت سريري” التي خلتها منذ فترة.

وقد اكد  مدير عام مناخ الأعمال بوزارة الاقتصاد والتخطيط محمد بن عبيد خلال منتدى بعنوان ”آفاق خضراء: الشباب والتشغيل في تونس” انعقد يوم 28 ماي 2025 ان

المؤسسات الصغرى والمتوسطة ومتناهية الصغر تمثل 99 بالمائة من النسيج  الاقتصادي في تونس وتساهم بنسبة 43 بالمائة، في نسب التشغيلية في إطار القطاع المنظم، أي أنّها تمثل العمود الفقري للاقتصاد في تونس وهو ما يفرض دعم هذا الصنف من المؤسسات بآليات مرافقة وتمويل وتقييم ما تم اتخاذه منذ سنوات لفائدتهم وتعديل وتحسين هذه الآليات بوضع أخرى متجدّدة بالنظر للتحديات والمُتغيّرات التي تُواجهها هذه المؤسسات، وبيّن محمد بن عبيد أن إستراتيجية الوزارة ترتكز على 6 أسس أهمها تبسيط الإجراءات الإدارية والقانونية من خلال  تقليص الإجراءات اللازمة لإحداث المؤسسات وتخفيض الوقت المستغرق في ذلك، وتوحيد السجل التجاري عبر الإنترنات وثانيا توفير التمويل والدعم المالي عبر منح وقروض ميسّرة من مؤسسات مالية لا فقط البنوك وتطوير المهارات وتنمية القدرات ورابعا دعم الابتكار وريادة الأعمال، وخامسا من خلال تحسين مناخ الاستثمار عبر تحسين الإطار التشريعي والقانوني لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، لخلق بيئة تنافسية عادلة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة بتقليص الرخص وكراسات الشروط وسادسا تعزيز التعاون والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وبين المؤسسات التونسية ونظيراتها الأجنبية لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة المستثمرة في مجالات الاقتصاد المستدام.

كما انه من المهم جدا الاسراع بوضع خارطة طريق لانعاش هذه المؤسسات تتمثل في دعم بنك تمويل المؤسّسات الصغرى والمتوسطة والبنك التونسي للتضامن ليقوما بالدور الذي بُعثا من أجله وهو التنمية والتشجيع على بعث المشاريع واستقطاب العاطلين عن العمل وإقرار إجراءات في قانون المالية للعام القادم تخفف عنها العبء الجبائي و  تسهيل النفاذ إلى خطوط التمويل البنكية ورفع العقبات الحالية التي تفرضها المؤسسات المالية عليها لمساعدتها على استعادة عافيتها والرجوع إلى الدورة الاقتصادية بأقل خسائر ممكنة. وإصدار مجلة الصرف وخصوصا في جانب إقرار اعتماد الصك الإلكتروني وإصلاح نظام الوصول إلى التمويل المُنَظم ومراجعة اللوائح المتعلقة بالتحويلات والبطاقات المصرفية.

Related posts

ترامب يوجه ضربة موجعة لشركات السيارات الأوروبية والصينية

محمد بن محمود

توزر: تقديرات أولية بإنتاج حوالي 62 ألف طن من التمور عالية الجودة

Na Da

منذ بداية سبتمبر 2023: تسجيل 3351 مخالفة إقتصادية

marwa

Leave a Comment