27 أغسطس، 2025
دولي

نزاعات الحدود في إفريقيا: قنابل موقوتة زرعها الاستعمار

بعد نحو 6 عقود من الاستقلال لا تزال العلاقة بين فرنسا وإفريقيا مثار نقاش لم يهدأ مع مطالبة بلدان عدة بفك الارتباط بشكل نهائي مع القوة الاستعمارية السابقة.
بالرغم من حصول البلدان الإفريقية على استقلالها، ظلّت العديد من الأراضي تحت سيطرة القوى الأوروبية، وذلك لاعتبارات جيوسياسية تتعلق بحيوية المعابر المائية وأهميتها الاقتصادية والأمنية.

المغرب.. سبتة ومليلية

يُطالب المغرب باستعادة سبتة ومليلية والجزر الجعفرية على البحر الأبيض المتوسط من إسبانيا، والتي توجد على الأراضي المغربية، لكنها خاضعة للسيادة الإسبانية منذ 5 قرون، ويُعد ملف “الحدود البحرية” أحد أهم “النقاط الخلافية” بين البلدين.
قال الخبير في الشؤون الإسبانية عبد الحميد البجوقي إن “مدينتي سبتة ومليلية تكتسي أهمية استراتيجية بالنسبة لمدريد، يؤكد ذلك الحضور العسكري الإسباني فيهما مقارنة بالحضور المدني أو الاقتصادي”، واعتبر الخبير المغربي أن تمسك إسبانيا بهذه الأراضي يُفسره أيضاً “الحضور البريطاني المستمر في جبل طارق على الضفة الأخرى للمتوسط”.
وفي ديسمبر 2020، اعتبر سعد الدين العثماني، الذي كان يشغل حينها منصب رئيس الحكومة المغربية، أن “سبتة ومليلية من القضايا التي من الضروري أن يُفتح فيها النقاش” مع مدريد، مضيفاً أن “الأولوية حالياً لإنهاء قضية الصحراء”. وتسببت تلك التصريحات في نشوب أزمة بين البلدين، استدعت على إثرها الحكومة الإسبانية سفيرة المغرب في مدريد كريمة بنيعيش وسلمتها احتجاجاً رسمياً، فيما أكدت الرباط تشبثها بمواقفها السابقة.
وفي العام 2002، كاد نزاع حول جزيرة “ليلى” بين المغرب وإسبانيا أن يُشعل مواجهة مسلحة بين الطرفين. وجزيرة “ليلى” أو “تورة” عبارة عن صخرة بمحاذاة الشواطئ المغربية على بعد 200 متر وتبلغ مساحتها 13.5هكتاراً.
وأرسل المغرب بضعة جنود إلى الجزيرة في 11 جويلية 2002، لمراقبة الهجرة غير النظامية بحسب التصريحات الرسمية، لكن الحكومة اليمينية آنذاك بقيادة خوسيه ماريا أثنار رفضت التبرير المغربي، وأرسلت قوات كوماندوز، واقتادت الجنود المغاربة كأسرى، وهو ما شكَّل  تصعيداً خطيراً دفع وزير الخارجية الأميركي كولن باول إلى التدخل لنزع فتيل الأزمة، والعودة إلى وضع ما قبل 11 جويلية 2002.
و رأى البجوقي أن “مشكلة جزيرة ليلى تعود إلى خطأ في التقدير من طرف رئيس الوزراء الإسباني خوسيه ماريا أثنار، الذي كان يبحث عن انتصار معنوي عبر القيام بعملية استعراضية”، بحسب تعبيره.

موريشيوس.. أرخبيل تشاجوس

في أقصى جنوب شرق القارة تُطالب جمهورية موريشيوس باستعادة أرخبيل تشاجوس على المحيط الهندي بين آسيا وإفريقيا من بريطانيا، ويتشكل الأرخبيل من 58 جزيرة استوائية، ويشكل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لبريطانيا والولايات المتحدة.
وفي 22 ماي 2019، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب بريطانيا بإعادة أرخبيل تشاجوس لموريشيوس، كما أصدرت محكمة العدل الدولية في فبراير من العام نفسه حكماً يقضي “بعدم شرعية ” فصل بريطانيا أرخبيل تشاجوس عن موريشيوس بعد استقلالها عام 1968.
وتمتلك الولايات المتحدة إحدى أكبر قواعدها العسكرية بجزيرة سان دييجو، إذ تضم ما يزيد على 3 آلاف عسكري ومدني أميركي، إضافة إلى مطار وميناء يضم قاذفات القنابل وسفناً حربية وغواصات، وهناك أيضاً قيادة قوة الفضاء الأميركية.
وتستعد واشنطن للاحتفاظ بقاعدتها وفق شروط عقد الاستئجار الموقع مع البريطانيين في 1973، إلا أن البلدين يتخوفان من منافسة صينية على الممرات البحرية، خصوصاً أن موريشيوس تربطها علاقات جيدة مع بكين التي تبحث عن موطئ قدم لها في المنطقة.

مدغشقر.. جزر إيبارس

غير بعيد عن موريشيوس، تُطالب مدغشقر، فرنسا باستعادة السيادة على جزر إيبارس الواقعة في المحيط الهندي منذ عام 1973. وفي العام 2019، اتفق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس مدغشقر أندري راجولينا على استئناف المباحثات الخاصة بوضعية هذه الجزر، عبر تشكيل لجنة ثنائية، واستبعاد اللجوء إلى التحكيم الدولي. وكان من المفترض أن تتوصل اللجنة إلى اتفاق يتم الإعلان عنه في الذكرى الـ60 لاستقلال مدغشقر، لكن المحادثات تعطلت بين الطرفين.
وتشير التوقعات إلى وجود موارد مهمة للطاقة في قناة موزمبيق، حيث يتركز ما لا يقل عن 30% من حركة الملاحة البحرية في العالم، وتُمثل أيضاً الجزر 6% من المنطقة الاقتصادية الخالصة لفرنسا، الأمر الذي يخولها الاستغلال الحصري لهذه الموارد.

السودان.. جبهات صراع متعددة

منذ انفصال جنوب السودان عن الشمال عام 2011، يتنازع الطرفان السيادة على العديد من المناطق الحدودية التي لم يحسم اتفاق السلام عام 2005 مصيرها بشكل نهائي. ويشمل النزاع مناطق تمتد على طول الحدود بين البلدين البالغة نحو 2000 كيلومتر، تبدأ من بلدة دبة الفخار بولاية النيل الأبيض، مروراً بالمقينص وكاكا التجارية، والميل 14، وحفرة النحاس (كافيا كينجي) جنوبي دارفور.
وتزيد التداخلات العرقية بين القبائل، وملكية الأراض، وأنشطة الزراعة والرعي، من “تعقيد المشهد على الحدود، كما يؤثر  ذلك بشكل كبير على  استقرار السودان ودول الجوار”، وفقاً للكاتب والمحلل السوداني محمد تورشين.
وخلال العقدين الأخيرين أودت الصدامات المسلحة من أجل السيطرة على منطقة أبيي الغنية بالنفط بحياة عشرات الأشخاص، وتسببت في نزوح الآلاف.
وشهد النزاع فترة هدوء نسبي أعقبت اتفاق 2005، لكن المعارك على الحدود عادت لتندلع ابتداءً من 2008، ما استدعى تدخلاً من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي أمر بنشر قوات دولية في المنطقة يقدر تعدادها بـ4500 جندي.
وفي ماي 2022، انتزعت قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي (FISNUA) اتفاق سلام في مدينة عنتيبي الأوغندية، بين ممثلي قبيلتي المسيرية السودانية و”دينا نقوك” الجنوبية.
أما في الشرق، لا يزال النزاع مشتعلاً بين الخرطوم وأديس أبابا على منطقة الفشقة، رغم الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان في 2008، والذي تعترف بموجبه إثيوبيا بالحدود القانونية، مقابل السماح للمزارعين الإثيوبيين بالعيش هناك دون عائق.
وتؤكد الخرطوم أن الفشقة “أرض سودانية خالصة”، وتتهم مليشيات إثيوبية بتنفيذ هجمات على السكان المحليين بهدف إخلاء الشريط الحدودي من المزارعين السودانيين.
ويرى الباحث محمد تورشين، أن حاجة أديس أبابا للأراضي الخصبة دفعها للبحث عن مساحات صالحة للزراعة في بلدان الجوار، لافتاً إلى أن “إثيوبيا دولة حبيسة وهضبية والمساحات الزراعية فيها محدودة، وتحاول بالتالي التوسع خاصة في الفشقة المعروفة بأراضيها الخصبة”.
كما تتنازع مصر والسودان السيادة على منطقة حلايب (التي تبلغ مساحتها 21 ألف كيلو متر مربع تقريباً)، ونتوء وادي حلفا (يوجد على نهر النيل مساحته الإجمالية 210 كيلو متر مربع تقريباً)، وتتمسك القاهرة بالترسيم المتضمن في اتفاق الحدود 1899، الذي يعتمد خط العرض 22 شمالاً، إلا أن تعديلاً “إدارياً”  تم إدخاله على الاتفاق السابق عام 1902من طرف بريطانيا في حينه، دفع السودان إلى المطالبة بضمهما واعتبارهما أرضاً سودانية.
ورغم مرور أكثر من 60 عاماً على النزاع، لم تهدأ مطالبة الطرفين بالسيادة على المثلث داخل أروقة الأمم المتحدة، كان آخرها الشكوى التي تقدمت بها السودان لمجلس الأمن سنة 2018، وفي العام التالي استدعت الخرطوم السفير المصري في القاهرة على خلفية إصدار مصر لطلب عرض دولي للتنقيب على النفط والغاز في المثلث المتنازع عليه.
كما تُطالب كل من جنوب السودان وكينيا بالسيادة على مثلث “إيليمي” الذي تبلغ مساحته 14 ألف كيلو متر مربع، والمثلث عبارة عن أراض غير مأهولة، لكنها غنية بالموارد الطبيعية.
وفي 17 جوان 2017، وقّع البلدان مذكرة تفاهم لترسيم حدودهما المشتركة، إلا أن الاضطرابات الأمنية الناتجة عن المناوشات بين القبائل على طرفي الحدود، أجهضت جهودهما للتوصل إلى مخرج دائم للنزاع.
واتفق الجانبان في أوت 2023 على تعزيز التعاون بينهما في قطاع الموانئ والمواصلات، وذلك في بادرة حسن نية لتطبيع العلاقات، لكن ما لبث أن عاد النزاع الحدودي إلى الواجهة في السنة التالية، إذ اتهمت جنوب السودان كينيا بالاستيلاء على 42 نقطة حدودية في منطقة نادابال.
وصرّح نائب وزير خارجية جنوب السودان دينق داو أن كلاً من كينيا وأوغندا تحاولان السيطرة على أراضي جنوب السودان، وتعهد بعدم “التفريط في شبر من هذه الأراضي”.

زامبيا والكونغو.. حروب مستمرة

رغم توقيعهما اتفاقاً لترسيم أزيد عن 200 كيلو متر من الحدود عام 1989، لا يزال الخلاف قائماً بين الكونغو وزامبيا على حدود بحيرة تنجانيقا والقرى المجاورة لها.
وخاض جيشا البلدين معارك عديدة أعوام 1996، و2006، ثم 2016، على خلفية صراعهما الحدودي. وفي مارس 2020، كادت أن تندلع مواجهات جديدة، عندما نشرت زامبيا قوات على الجانب الكونغولي بمواقع في كوبانجا، وكالوبامبا، وليبوندوي، وموليرو، ومينينيي الحدودية. ثم نجحت وساطة إقليمية قامت بها مجموعة التنمية في إفريقيا الجنوبية “SADC” من تهدئة الأوضاع، وتم الاتفاق على تكوين فريق من الخبراء الفنيين من الكونغو وزامبيا وبوتساونا وزمباوي، بهدف الدفع نحو “تسهيل رسم الحدود والخرائط الطبوغرافية”.

غينيا والغابون.. تنافس على 3 جزر

في وسط إفريقيا تتصارع كل من الجابون وغينيا الاستوائية منذ سبعينيات القرن الماضي السيادة على 3 جزر بالمحيط الأطلسي، هي مبانيي، أكبر الجزر مساحة بــ20 هكتاراً، وجزيرتي كوكوتيرز وكونجا الغنية بالموارد الطبيعية.

ولتجنب نشوب حرب بين البلدين الجارين، وافقت ليبرفيل ومالابو على عرض خلافهما الحدودي على محكمة العدل الدولية بلاهاي، لكن الإجراء وبحسب مراقبين قد يأخذ سنوات طويلة قبل إصدار الحكم النهائي.

التحكيم الدولي.. مخرج للتسوية

على عكس معظم النزاعات الحدودية التي تحولت إلى مواجهات مسلحة، فإن العديد من النقاط الساخنة الأخرى في القارة الإفريقية، وبفعل اللجوء إلى التحكيم الدولي، نحت منحى التهدئة في أفق الوصول إلى مخرج وتسوية نهائية.

Related posts

الإعلام العبري يرسم سيناريو هجوم إسرائيلي على مصر

محمد بن محمود

آخرها كلية المنستير..كل جامعات الطب التونسية باتت معتمدة دوليا..

Ichrak Ben Hamouda

أزمة دبلوماسية بين فرنسا وأمريكا

محمد بن محمود

Leave a Comment