27 أغسطس، 2025
اقتصاد

في ظل تزايد تحويلات التونسيين بالخارج: الحاجة إلى استثمارها تتأكد

تسجّل عائدات تحويلات التونسيين المقيمن بالخارج نسقا تصاعديا في السنوات الأخيرة، يمكن من خلاص جزء مهم من الديون، ما يدفع الى ضرورة التفكير في امكانية تحويل جزء من هذه الموارد الى الاستثمار.

و تحويلات المقيمين بالخارج هي الأموال التي يرسلها التونسيون العاملون أو المقيمون خارج البلاد إلى عائلاتهم أو حساباتهم في تونس، وتشكل موردا هاما للعملة الصعبة والاقتصاد الوطني.

و بحسب مؤشرات نقدية كشفها البنك المركزي مؤخرا، فإن تحويلات التونسيين بالخارج شهدت ارتفاعا بنسبة 8.2 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي حيث بلغت 4.6 مليار دينار وسط ترجيحات بأن تتجاوز الارقام مع نهاية السنة الجارية عتبة الـ10 مليار دينار.

و بيّن المدير العام لديوان التونسيين بالخارج حلمي التليلي أن التحويلات المالية للجالية التونسية بالخارج تشهد نسقا تصاعديا مشضيرا الى ضرورة توجيه جزء من هذه التحويلات نحو الاستثمار بما يفضي الى الاستغلال الامثل لهذه العائدات المالية المهمة و حتى لا تبقى حكرا على عملية الاستهلاك فحسب وفق وجهة نظره.

نسق متصاعد

و شهدت تحويلات التونسيين بالخارج نموا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، فقد سجلت سنة 2022 ما يفوق 9.3 مليار دينار مقابل 7.5 مليار دينار في سنة 2021، واستمر هذا النسق في التصاعد سنة 2023 ليبلغ حوالي 9.6 مليار دينار، وهو ما يعادل أكثر من 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ويمثل هذا الحجم من التحويلات موردا ماليا يعادل أو يفوق أحيانا عائدات صادرات قطاعات تقليدية على غرار الفلاحة أو بعض الصناعات.

و تفسر عدة عوامل ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج بعوامل عديدة من بينها تدهور المقدرة الشرائية الذي  دفع العائلات إلى الاعتماد أكثر على دعم أبنائها المهاجرين. و استفاد بعض المهاجرين من ارتفاع الأجور في بلدان الاستقبال خاصة في أوروبا، ما مكنهم من تحويل مبالغ أكبر، كما تلعب المناسبات الدينية والاجتماعية دورا مهما، ففي شهر رمضان وعيد الأضحى ترتفع التحويلات بشكل لافت، بينما تزداد أيضا في فصل الصيف مع عودة أبناء الجالية لقضاء عطلتهم في تونس.

منافع مباشرة على الاقتصاد

وتظهر منافع تحويلات التونسيين بوضوح في دعم التوازنات المالية، حيث تضخ كميات كبيرة من العملة الصعبة في السوق النقدية وتساهم في تعزيز احتياطي البلاد من النقد الأجنبي. وقد مكّنت في أكثر من مناسبة من تغطية عجز ميزان الدفوعات. ويمثل هذا التدفق المالي رئة أساسية للاقتصاد التونسي الذي يعاني من عجز تجاري مزمن ومن التزامات متزايدة تجاه المانحين الدوليين.

كما تمنح التحويلات متنفسا للعائلات التي تستعملها في الاستهلاك اليومي أو في اقتناء مسكن أو في تمويل تعليم الأبناء، ويؤدي ذلك إلى تحريك الدورة الاقتصادية الداخلية وتنشيط قطاعات واسعة مثل التجارة والخدمات والعقارات و غيرها من القطاعات الاخرى.

و تستغل الدولة هذه الموارد مع ما توفره مداخيل السياحة والصادرات الفلاحية والصناعية من أجل سداد أقساط الديون الخارجية في آجالها، وقد أشار البنك المركزي في عدة تقارير إلى أن تحويلات الجالية التونسية تساهم سنويا بما يوازي نصف ما تحتاجه البلاد لتغطية خدمة الدين الخارجي. وبدون هذه التحويلات ستجد المالية العمومية صعوبة بالغة في مواجهة التزاماتها الدولية، بمعنى ان تحويلات التونسيين بالخارج باتت جزءا من المعادلة الاقتصادية الكبرى.

الحاجة إلى استثمار التحويلات

و أمام هذا الواقع، يطرح السؤال حول كيفية استثمار جزء من هذه الموارد حتى تخرج من دائرة الاستهلاك المباشر إلى دائرة الإنتاج. فالتجارب الدولية تؤكد أن العديد من الدول قد وضعت آليات عملية لتوجيه تحويلات جالياتها إلى صناديق استثمارية أو إلى مشاريع صغيرة ومتوسطة.

ويرى عدد من الخبراء انه يمكن لبلادنا أن تتبنى مقاربة مماثلة عبر توفير حوافز جبائية وقانونية تشجع الجالية على ضخ أموالها في مشاريع إنتاجية، كما يمكن أيضا إحداث أدوات مالية جديدة مثل سندات الادخار المخصصة للتونسيين بالخارج أو صناديق مشتركة تتيح لهم المساهمة في مشاريع البنية التحتية وغيرها.

كما يرى الخبراء ان استثمار جزء من التحويلات يمكن ان يتيح تنويع موارد التمويل الداخلية، وان يساعد على خلق مواطن شغل جديدة ويعزز بذلك  النمو الاقتصادي على المدى المتوسط و ان يؤدي الى تقليص الفوارق الجهوية إذا ما تم توجيه الاستثمارات نحو الجهات الداخلية.

وعلى الرغم من أهمية هذا التوجه، فإن تحويل هذه الموارد نحو الاستثمار يبقى رهين شروط عديدة، فالأولوية لدى الدولة تبقى مرتبطة بخلاص أقساط الديون وضمان الاستقرار المالي. وبالتالي فإن التفكير في استثمار التحويلات يتطلب توفير مناخ ملائم للاستثمار، ووضع آليات ناجعة تحمي أموال الجالية من المخاطر وتضمن مردودية واضحة، فتحويلات التونسيين بالخارج ستظل في المدى المنظور مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة وضمانة لتغطية الالتزامات المالية. ومع ذلك، فإن استثمار جزء منها يظل رهانا حقيقيا يستوجب في المقام الاول صياغة برامج عملية قادرة على استغلال هذا النسق التصاعدي في خدمة التنمية.

Related posts

عائدات صادرات التمور ترتفع الى هذه النسبة

محمد بن محمود

افتتاح الأشغال النصف سنوية للجمعية العمومية للجهاز الافريقي للاعتماد

رمزي أفضال

ديوان البحرية التجارية والموانئ: إمضاء عقد صنع واقتناء 6 جرارات بحرية متطوّرة

Ichrak Ben Hamouda

Leave a Comment