زينة البكري / نشر هذا المقال في النسخة الورقية من جريدة 24/24
تدرجت العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة نجلاء بودن من الترحيب والدعم المشروط إلى الجفاء والقطيعة، وذلك في فترة زمنية قصيرة حيث تسلمت الحكومة مهامها قبل 3 أشهر فقط.
ويبدو أن اتحاد الشغل كان يعتقد أنه سيستفيد كثيرا من الأحداث التي عاشتها البلاد بعد 25 جويلية وكان ينتظر أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة بداية لتسقيف المرحلة الاستثنائية وإطلاق حوار وطني بعد الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد وهو ما لم يحدث.
وبينما توقع كثيرون أن تكون العلاقة بين اتحاد الشغل وحكومة بودن مبنية على التوافق والدعم خصوصا وأن الاتحاد رحب في البداية بإجراءات 25 جويلية التي أعلنها الرئيس، قيس سعيد، ثم رحب بتشكيل الحكومة وتكليف امرأة لقيادتها في خطوة غير مسبوقة، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى قطيعة واضحة خصوصا بعد الكشف عن البرنامج الاقتصادي للحكومة والذي يخطط للتخفيض في الأجور وتجميدها ورفع الدعم عن المواد الأساسية.
الطبوبي يهاجم
وخلال إشرافه على المؤتمر العادي للمكتب الوطني للمرأة العاملة، الأربعاء الماضي، هاجم الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، وانتقد توجّهها نحو التخفيض في الأجور في الوظيفة العمومية وتجميدها لـ5 سنوات.
ورأى الطبوبي أن هذا التوجه هو”خيانة عظمى”، مضيفا “إن أرادوها معركة تقدم وازدهار وبناء سنكون في المقدمة، أمّا إن أرادوها معركة كسر عظام فنحن جاهزون لها وليس لنا أي خيار آخر”، واتحاد الشغل لا يمكن إلا أن يكون في صفّ الشعب، ولن يعطي صكًّا على بياض لأيٍّ كان”، على حد تعبيره.
وفي حديثه عن “المشروع السياسي لقيس سعيّد، اعتبر الطبوبي أنّ “البناء القاعدي لا سبيل إليه في تونس وأن اتحاد الشغل سيقف ضدّ ذلك”، حسب قوله.
كما انتقد الطبوبي تجاهل الرئيس للأحزاب السياسية ليقول “الأحزاب السياسية ليست جميعها سيئة وأن الأحزاب هي التي تبني الحياة السياسية وتصنع وعي المجتمع داعيا سعيد إلى إبعاد الأحزاب بالصندوق’.
المنشور عدد 20
وإلى جانب البرنامج الاقتصادي الذي أجج الصراع بين الحكومة واتحاد الشغل، فإن المنشور 20 والذي يحدد شروط التفاوض مع النقابات عبر التنسيق مع الكتابة العامة للحكومة يعد بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس وأظهرت وجود توتر بين حكومة بودن والاتحاد العام التونسي للشغل.
وبداية شهر ديسمبر الجاري، وجهت رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، منشورا إلى كافة الوزراء وكتّاب الدولة والمديرين العامين والرؤساء المديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية، حدّدت فيه شروط وضوابط التفاوض مع النقابات عبر التنسيق بصفة مسبقة مع الكتابة العامة للحكومة وعدم الشروع في التفاوض مع النقابات سواء فيما يخص مجال الوظيفة العمومية أو المؤسسات والمنشآت العمومية إلاّ بعد الترخيص في ذلك من قبلها.
وشددت على ضرورة دراسة الطلبات المقدمة من النقابات وموافقة رئاسة الحكومة، بتقرير مفصّل في الغرض حول مطابقتها النصوص القانونية مع بيان كلفتها المالية وذلك بالتنسيق مع المصالح المختصة بوزارة المالية، كما قررت بمقتضاه إلغاء المنشور عدد 10 المؤرخ في 28 مارس 2014 القاضي بإمكانية الشروع في التفاوض مع النقابات على ألاّ يكون الإمضاء إلاّ بعد الرجوع إلى رئاسة الحكومة وهو ما رفضته المنظمة الشغيلة.
وانتقد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل والناطق الرسمي باسمه سامي الطاهري، ما جاء في منشور رئيسة الحكومة، معتبرا أنه “يشكل خرقا للدستور والقانون الدولي ويفتح الباب على مصراعيه أمام مواجهة اجتماعية”.
وقال الطاهري، في حديث لوكالة الأنباء الرسمية “أن الاتحاد سيراسل رئيسة الحكومة نجلاء بودن، من أجل دعوتها إلى سحب هذا المنشور، معتبرا أنه “مخالف للاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية رقم 98 التي تنظم المفاوضة الاجتماعية كما انه يدمر تاريخا من الحوار الاجتماعي الذي مكن من تجاوز الخلافات والنزاعات الشغلية”.
وعبر الطاهري في ذات السياق، “عن قلقه من أن يكون الهدف من إصدار المنشور المذكور التضييق على العمل النقابي على خلفية المواقف السياسية الصادرة عن المنظمة الشغيلة”.
وأكد الطاهري “أن هياكل المنظمة العمالية ستخوض نضالات ميدانية لالغاء العمل بالمنشور المذكور، ولم ينف إمكانية إثارة اتحاد الشغل للمنشور أمام منظمة العمل الدولية، مشيرا إلى أنها خطوة آجلة يمكن اتخاذها من طرف الاتحاد”.
صراع فقطيعة
يرى المحلل السياسي، محمد بوعود، أن العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة نجلاء بودن سيطر عليها في البداية الانتظار والتوجس ثم تحولت هذه العلاقة إلى الصدام والقطيعة.
وأضاف بوعود في حديث لجريدة 24/24، أن السبب في تصدع العلاقة بين الطرفين هو باعتبار أن برامج حكومة نجلاء بودن هي أبعد ما يكون عن تطلعات الشغالين وحتى عن واقع الاتفاقات السابقة التي لم يقع تفعليها إضافة إلى النوجه نحو الترفيع في اسعار المواد الأساسية وتدهور المققدرة الشرائية لعموم الشغالين والموظفين والأجراء.
يضيف ‘أما بخصوص علاقة الرئيس سعيد باتحاد الشغل فإنها شهدت نوع من التغير في الأسابيع الأخيرة، ففي البداية كان الاتحاد أول من ساند الرئيس لكن يبدو ان الرئيس له حسابات تتجاوز كل الأحزاب والمنظمات” وفق قوله.
وتابع “انقطعت العلاقة إذا بين سعيد واتحاد الشغل وتوترت العلاقة بين الاتحاد والحكومة التي تقودها نجلاء بودن وهو ما تسبب في قطيعة واضحة بين جميع الأطراف ولعل تصريح الطبوبي الذي أكد فيه جاهزبتهم لما سماها “معركة كسر العظام خير دليل على ذلك”.
وللإشارة، فقد كشف نور الدين الطبوبي في وقت سابق ، أن حكومة نجلاء بودن طلبت من الإتحاد الموافقة على برنامج اقتصادي يشمل التخفيض بنسبة 10 % في أجور الوظيفة العمومية، وتجميد الأجور لخمس سنوات قادمة ورفع الدعم عن المواد الأساسية والتفويت في عدد من مؤسسات القطاع العام.
ودعا الطبوبي إلى مصارحة الشعب بحقيقة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والكشف عن الإشكاليات التي تعيشها البلاد أمام الرأي العام.