أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيّد مساء أمس الخميس على اجتماع لمجلس الأمن القومي، الذي تناول عديد المواضيع المتعلقة بسير دواليب الدولة بوجه عام، وعددًا من المسائل الأمنية، أبرزها مكافحة الهجرة غير الشرعية، والتهريب، والمضاربة، والاحتكار، إضافة إلى مقاومة تفشي المخدرات.
“محاولات لإرباك البلاد قبل رمضان”
قال رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي، إنّ ”جيوب الردة تحاول يائسة أن تواصل مخططها”، مشيرًا إلى أن ”بعض الجهات المفضوحة والمأجورة تدعو لحوار وطني، إلا أن الدعوة فشلت لأنّ الشعب ألقى بمن بادر بها في مزبلة التاريخ”.
وأضاف سعيّد: ”تتالت جملة من الحوادث قبل حلول شهر رمضان، أسبوع للانتحارات بإضرام النار، وأسبوع لحالات تسمم، وقطع للطرقات، وغياب مفاجئ في بعض المناطق للسلع والبضائع، ورشق بالحجارة بعد الإفطار تقريبًا كل يوم على الساعة 21:15 دقيقة في عدد من المناطق، كما كان الحال في سنتي 2011 و2012، عندما كانت الشماريخ تُطلق في نفس التوقيت بجميع أنحاء الجمهورية، بالتزامن مع اجتماع بإحدى العواصم الغربية لم يأبه به أحد”.
وأضاف: ”كل هذا تزامن مع محاكمة المتهمين في قضية التآمر على أمن الدولة، والصورة لا تحتاج إلى توضيح”.
“تحالفات جديدة بين الخصوم”
أوضح رئيس الجمهورية أن خصوم الأمس قد تحولوا إلى حلفاء، وأصبح الأعداء الذين كانوا في الظاهر متناحرين إخوةً وأصدقاء، مشيرًا إلى أن ”العدو الذي كان لدودًا بالأمس، صار اليوم خليلاً ودودًا لمن لم يكن عدوّه من قبل”. وأضاف: ”لعلّ اتفاقهم يشبه ذلك الاتفاق التاريخي في زمن حروب الردة، حين زُعِم أن نصف قريش سيكون من نصيب من ادّعت النبوة، والنصف الآخر لمن قَبِل بها زوجةً”.
أشار رئيس الجمهورية إلى أن الضغوط التي مُورست كانت شديدة، ومن مصادر متعددة في الداخل والخارج، إلا أن الإرادة في مواصلة معركة التحرير الوطني كانت أشد وأقوى.
وأكد أنه تم التعامل مع كل الأحداث بكثير من التأنّي والصبر، وكان الهاجس الأول هو الحفاظ على السلم الاجتماعي، الذي كان مهددًا بمخاطر كبيرة، إلى جانب الحفاظ على وحدة الدولة ومحاربة المفسدين وفق القانون.
وشدّد على أن ما تحقق لم يكن ليتم لولا الوعي العميق للشعب التونسي وإدراكه لكل التفاصيل وأدقها، إضافة إلى يقظة القوات المسلحة العسكرية والأمنية، وتفاني المسؤولين الوطنيين الأحرار في أداء واجبهم الوطني.
“تفشي الفساد في المرافق العمومية”
وفي سياق متصل، أكّد رئيس الجمهورية أن العصابات الإجرامية التي تنشط في عديد المرافق العمومية عبر وكلائها قد آن الأوان لوضع حدّ لها، مشددًا على ضرورة تحميل أي مسؤول المسؤولية الكاملة، مهما كان موقعه، ومهما كانت طبيعة تواطئه أو تقصيره.
وقال في هذا السياق: “يكفي من هذا الانفلات، ويكفي من التهرّب من المسؤولية، ويكفي من التلاعب بالمواطنين وتعطيل أبسط حقوقهم في الخدمات.”
وأشار إلى أن هذا الوضع لم يقتصر على مستوى معين، بل امتدّ حتى إلى البلديات، حيث اضطر شخصيًا للتدخل يوم أول أمس لدعوة أحد الكُتّاب العامين للقيام بعمله، وهو عمل يدخل في صميم مهامه ومسؤولياته.
وأضاف أن بعض الجهات مازالت تهيئ نفسها لارتكاب جرائم أخرى بحق الشعب التونسي، مؤكدًا أنه لا بد من فرض سيادة القانون على الجميع، دون استثناء، وعلى قدم المساواة.
” لا مجال للإفلات من العقاب”
تطرق رئيس الجمهورية إلى ما شهدته تونس خلال شهر جانفي 2011، حين تدفقت الجماهير إلى ساحة القصبة في اعتصام تاريخي، موضحًا أن هذه الجماهير كانت واعية بأن امتدادات اللوبيات والكارتلات تجد في قصر الحكومة من يخدمها ويحميها.
وشدّد على أنه لا يمكن إنكار وجود وطنيين أحرار في مختلف مؤسسات الدولة، ممن دفعوا ثمن إخلاصهم غاليًا، وهناك مَن مازال يدفع هذا الثمن إلى اليوم.
وأكد أن تونس دولة قائمة بمؤسساتها، وأنه لا مجال بعد اليوم للإفلات من المحاسبة أو الإضرار بمصالح الشعب التونسي، مشددًا على أن زمن التسيّب قد ولّى، وأن القانون سيُفرض على الجميع دون تمييز.
“ لا تراجع عن المحاسبة”
أكد رئيس الجمهورية أن تونس ستواصل معركة التحرير حتى تطهير البلاد من كل المفسدين، وحتى يعمّ العدل بين جميع المواطنين، ويتم تحقيق الأهداف التي استُشهد من أجلها المئات من أبناء الشعب التونسي.
وأضاف: “سنواصل إحباط كل المؤامرات والمناورات حتى نبقى أعزّاء، وحتى تبقى الراية التونسية مرفوعة عالية، ولن نفرّط أبدًا في ذرة واحدة من تراب هذا الوطن العزيز، فإما حياة تسرّ الصديق، وإما ممات يغيظ العِدى.”