37.3 C
تونس
30 يونيو، 2025
عالمية

من درع إلى عبء: القبة الحديدية في اختبار النار والفشل

في قلب صراع تتكثف فيه التهديدات من كل الجهات، أصبحت منظومة القبة الحديدية رمزًا دفاعيًا بارزًا لكيان الاحتلال الإسرائيلي. هذا النظام الذي طالما تباهت به تل أبيب كحاجز منيع يحمي سماءها، لم يعد اليوم محصنًا من الانتقادات بعد أن انكشفت هشاشته في أكثر من مواجهة. فما الذي تخفيه هذه المنظومة؟ وهل لا تزال تستحق سمعة “الدرع الذي لا يُخترق”؟

 من ولادة الدرع إلى صدمة الواقع

بدأت فكرة القبة الحديدية عقب حرب لبنان الثانية عام 2006، وتكرّست مع العدوان على غزة في 2008، حيث أدرك كيان الاحتلال أنه في حاجة إلى مظلة جوية تعترض الصواريخ والقذائف القصيرة المدى القادمة من جنوب لبنان وقطاع غزة. وبمساعدة مباشرة من الولايات المتحدة، تم تطوير هذه المنظومة من قبل شركة “رافائيل” لأنظمة الدفاع المتقدمة، لتدخل الخدمة رسميًا سنة 2011.

وعلى مدى السنوات اللاحقة، قدمت القبة أداءً مقبولاً في التصدي لوابل القذائف القادمة من غزة، وكانت حاسمة في تحييد تهديدات ذات مدى محدود. غير أن معارك أكثر تعقيدًا، كسيل الصواريخ الإيرانية وعملية “طوفان الأقصى”، كشفت عن فجوات يصعب تجاهلها في هذا النظام.

 كيف تعمل القبة الحديدية؟

تعتمد القبة الحديدية على ثلاث مكونات رئيسية: رادار متطور يكتشف ويلاحق المقذوفات المعادية، مركز قيادة وتحكم يحلل مسار التهديد، ومنصات إطلاق تحمل صواريخ اعتراضية من نوع “تامير”. وبمجرد أن يكتشف الرادار صاروخًا معاديًا، يحلل النظام ما إذا كان سيسقط في منطقة مأهولة، فإن تأكدت الخطورة، يتم إطلاق صاروخ اعتراض يفجّره في الجو.

لكن الفعالية هنا مشروطة. فكلما زاد مدى الصاروخ، زادت صعوبة تقدير مساره، وكل انحراف طفيف يمكن أن يؤدي إلى فشل الاعتراض. كما أن المدى الأدنى للمنظومة هو 4.5 كيلومترات، ما يجعل بعض القذائف قريبة المدى خارج نطاق الاعتراض.

تطويرات وتحسينات محدودة الأثر

سعت إسرائيل إلى ترقية النظام عدة مرات، كان أبرزها في 2017، حيث زُوّدت المنظومة بقدرة اعتراض أدق لقذائف الهاون الصغيرة. ثم في 2021، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن تطوير جديد يمكّن النظام من التعامل مع الطائرات بدون طيار والصواريخ في آنٍ واحد.

لكن، رغم هذه التحديثات، فإن المنظومة ظلت رهينة تصميمها الأصلي، أي صدّ التهديدات قصيرة المدى، وهو ما لم يعد كافيًا في ظل تطور ترسانة خصومها.

تكلفة باهظة لأداء محدود

تكلفة تشغيل هذه المنظومة تثير الكثير من الجدل: فبطارية واحدة تكلف حوالي 50 مليون دولار، في حين تتراوح تكلفة كل صاروخ “تامير” بين 40 إلى 50 ألف دولار. وبين عامي 2011 و2021، موّلت الولايات المتحدة هذه المنظومة بحوالي 1.6 مليار دولار، قبل أن تضيف مليارًا آخر في 2022 لتجديد الصواريخ.

هذه التكلفة الضخمة تثير تساؤلات جدية: هل تبرر النتائج كل هذا الإنفاق؟ وماذا عن اللحظات التي فشلت فيها القبة في أداء وظيفتها؟

درع يفضحه الواقع الإيراني

في المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل، والتي كانت الأولى من نوعها بهذا الحجم، انكشفت الثغرات الحقيقية للمنظومة. فرغم تمكن القبة من اعتراض عدد من المقذوفات، إلا أن صواريخ باليستية إيرانية تمكنت من اختراق الدفاعات الجوية والوصول إلى أهداف داخل تل أبيب.

السبب؟ أن المنظومة لم تُصمَّم أصلًا لمواجهة صواريخ بعيدة المدى أو ذات سرعة عالية مثل الصواريخ الإيرانية. كما أن التصعيد كشف ضعف التكامل بين القبة الحديدية وبقية الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية، مما جعل المجال الجوي لتل أبيب معرضًا للاختراق.

طوفان الأقصى: الضربة القاصمة

الضربة الأكثر إحراجًا للقبة الحديدية جاءت من المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، خلال عملية “طوفان الأقصى”. فقد أطلقت المقاومة مئات الصواريخ دفعة واحدة، بالتزامن مع عمليات إنزال عبر مظلات على ارتفاع منخفض. هذا التكتيك أربك رادارات القبة وأدى إلى عجزها عن التعامل مع كثافة النيران. بل أكثر من ذلك، فشل النظام في رصد قذائف هاون من عيار 120 ملم وصواريخ ذات مسار حاد، حسب ما أكده خبراء عسكريون لموقع “الجزيرة نت”. هذه المعطيات لم تكن مفاجئة للمراقبين، لكنها كانت صدمة للرأي العام الإسرائيلي، الذي اعتاد الثقة العمياء بهذه المنظومة.

 بين الدعاية العسكرية والحقيقة الميدانية

لطالما قدم كيان الاحتلال القبة الحديدية كأيقونة تكنولوجية تمثل “تفوقه النوعي” في الشرق الأوسط. لكنها في الواقع، ورغم نجاحاتها الموضعية، ليست منظومة معصومة من الفشل.

الاعتماد الكلي عليها دون تحديث شامل أو تكامل فعّال مع أنظمة دفاع أخرى قد يجعلها عبئًا أكثر منها أداة دفاعية حاسمة. فمع تطور الصواريخ الإيرانية وتكتيكات المقاومة الفلسطينية، باتت “القبة الحديدية” أشبه بمظلة مثقوبة، تتساقط منها الصواريخ بدلًا من صدّها.

في زمن تتغير فيه طبيعة الحروب بسرعة مذهلة، لم يعد بالإمكان الاعتماد على “منظومات التفوق” القديمة. القبة الحديدية، رغم ضجيجها الإعلامي، أثبتت أنها مجرد طبقة دفاعية محدودة القدرات، يمكن اختراقها بالإبداع، وبكثافة النيران، وبالزمن. وقد آن الأوان للواقع أن يفرض نفسه على أسطورة ظلت لعقد كامل تحلق فوق الحقيقة.

Related posts

بعد شائعات لم تهدأ.. أسماء الأسد تطل وتطمئن

Moufida Ayari

ماكرون: لست مضطرا لطلب الصفح من الجزائريين

محمد بن محمود

وزير تركي: لن نغادر منطقة الزلازل قبل بنائها وإعادة إحيائها

محمد بن محمود

Leave a Comment