32.8 C
تونس
9 يوليو، 2025
وطنية

نساء بلا صوت:العاملات الفلاحيات بين نسيان المجتمع المدني لهن وجشع المستثمرين

في قلب أراضينا الفلاحية التونسية، حيث تنبض الحياة من رحم التراب، تقف نساء كادحات، وجوههن لفحتها الشمس، وأجسادهن أنهكها التعب، يقدمن عرقهن قربانًا لصمت القانون وتواطؤ المستثمرين، هنّ العاملات في القطاع الفلاحي، نساء لا يعرفن معنى العطل المدفوعة، ولا الحد الأدنى للأجور، ولا حتى كرامة النقل الآمن. ورغم ما شهدته قوانين الشغل من تنقيحات وتعديلات، فإن واقعهن ظل جامدًا، بل ربما ازداد قسوة.

بين النصوص القانونية والواقع: فجوة لا تُردم

في السنوات الأخيرة، شهدت بلادنا تحركات تشريعية تهدف إلى تحسين أوضاع العمل، خاصة بعد 25 جويلية 2021 حيث تم تعديل مجلة الشغل، وتم إقرار قوانين جديدة تضمن الحد الأدنى للأجور، والتغطية الاجتماعية، وحقوق النقل الآمن. لكن هذه القوانين، رغم وجاهتها لم تجد طريقها إلى الحقول لان المشغلين يتفنون في التلاعب بالقانون ويمارسون ضغوطات شتى على العاملات حتى لا تخرج اصواتهن صادحة بما يتعرضن له من ضيم كما ان منظمات المجتمع المدني تهتم بهذه المعضلة بطريقة موسمية وطبيعي في هذه الحالة ان يتم تجاهل القوانين التي تصدرها الدولة التي لا يمكن لها ان تعلم بتواصل مثل هذه الاوضاع في ظل صمت العاملات وموسمية نشاط منظمات المجتمع المدني او تحريكهن لمثل هذه القضايا لغيايات سياسية لا غير.

و لايخفاكم أن الحد الأدنى للأجور في تونس يتجاوز 470 دينار شهريًا، لكن العاملات في الفلاحة يتقاضين بين 15 و20 دينارًا في اليوم، وأحيانًا أقل و بلا عقود عمل، بلا تغطية اجتماعية، بلا تأمين ضد الحوادث، ولا حتى احترام لساعات العمل القانونية.

كما يتم نقل العاملات في ظروف مهينة، على متن شاحنات مكشوفة أو جرارات، في خرق صارخ لقانون النقل البري وسلامة العمل. فأين هيبة القانون؟ وأين النقابات التي تدّعي الدفاع عن الطبقة العاملة؟

استغلال مزدوج بين الحاجة والصمت

الاستغلال في القطاع الفلاحي لا يقتصر على تدني الأجور أو غياب الحقوق، بل يتجلى في استغلال اجتماعي ممنهج، المستثمرون والفلاحون الكبار يدركون هشاشة الوضع الاجتماعي للعاملات، فيستغلون حاجتهن الماسة للعمل، وغياب البدائل، ليُخضعوهن لشروط مجحفة. فالكثير من العاملات أرامل أو مطلقات أو معيلات لأسر بأكملها.

و بعضهن يعملن لسداد ديون أو لتأمين مصاريف دراسة أبنائهن. فالصمت هو الثمن الذي يدفعنه مقابل لقمة العيش، فـ”الشكوى تعني الطرد”. وهكذا، يتحول العمل من وسيلة للعيش الكريم إلى أداة إذلال يومي، تُمارس فيه السلطة الاقتصادية بأبشع صورها.

النقل…رحلة الموت اليومية

من أكثر الجوانب مأساوية في واقع العاملات الفلاحيات هو وسائل النقل، لا حافلات مهيأة، ولا احترام لعدد الركاب، بل مجرد شاحنات أو جرارات تُكدّس فيها النساء كما تُكدّس البضائع. و دعنا لا ننسي او نتناسى أنه في أفريل 2019، اهتزت تونس على وقع حادثة السبالة،  حيث توفيت 12 عاملة فلاحية في حادث سير مروع بسبب نقل غير آمن، ورغم الوعود الرسمية حينها بإصلاح جذري، لم يتغير شيء. الحقول ما زالت تستقبل النساء على ظهر الشاحنات، والموت ما زال يترصدهن كل صباح. وهذه ليست مجرد “حوادث”، بل جرائم صامتة تُرتكب يوميًا، بتواطؤ الجميع المستثمرين، وحتى المجتمع الذي اعتاد على مشهد النساء المكدسات في الشاحنات دون أن يرف له جفن.

الرقابة ضعيفة؟

من المؤلم أن نلاحظ أن الرقابة بدل أن تكون حامية للحقوق، تبدو في كثير من الأحيان غائبة او حتى شبه منعدمة، والمخالفات تمر دون عقاب، والوعود لا تتجاوز البلاغات الصحفية. فلماذا لا تُفرض عقوبات على المستثمرين المخالفين؟ ولماذا لا يتم دعم التعاونيات النسائية الفلاحية كبديل عادل ومستدام؟ ولماذا لا تُخصص ميزانية لنقل العاملات بوسائل آمنة ومحترمة؟

هنا الجواب بسيط لأن العاملات الفلاحيات لا يملكن صوتًا مؤثرًا، ولا لوبيًا اقتصاديًا ضاغطًا، ولا حتى تغطية إعلامية كافية. هنّ نساء منسيات في برنامج عمل منظمات وجمعيات تتغنى بالدفاع عن العدالة الاجتماعية.

شهادات من الميدان

في حديث مع بعض العاملات في منطقة زغوان و رغم تحفظهن على الكلام فٱنه تتكرر نفس العبارات “نخدم من الخمسة متاع الصباح، نرجع مع الستة متاع العشية، وناخذ 17 دينار… شنوّة نعمل بيهم؟ “الجرار يركبونا فيه كيف السلعة، وإذا صار حادث، يقولولك ربي يرحمها. “ما نجمش نطلب حقي، خاطر إذا نحكي، ما يعاودوش يعيطولي.”

هذه الشهادات ليست مجرد قصص شخصية، بل مرآة لواقع جماعي، يفضح هشاشة منظومة العمل في تونس، ويكشف عن عمق الفجوة بين القانون والممارسة.

نحو حلول جذرية

الحديث عن العاملات الفلاحيات لا يجب أن يظل في إطار التنديد فقط، بل يجب أن يتحول إلى دعوة للفعل ومن بين الحلول الممكنة فرض رقابة صارمة على المستثمرين والفلاحين، وتغريم كل من يخالف قانون الشغل أو النقل وتقوية موارد صندوق الدعم الخاص بالعاملات الفلاحيات، حتى يضمن لهن الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية وتشجيع التعاونيات النسائية، ومنحها امتيازات ضريبية وقروضًا ميسرة مع إطلاق حملات توعوية في المناطق الريفية حول الحقوق الشغلية وسبل التبليغ عن الانتهاكات و لما لا إدماج العاملات في النقابات، وتخصيص لجان خاصة بهن داخل الاتحاد العام التونسي للشغل.

كفى صمتًا

العاملات في القطاع الفلاحي لسن مجرد أرقام في تقارير التنمية، ولا مجرد أيادٍ عاملة تُستغل ثم تُنسى. هنّ نساء تونس الحقيقيات ، من يحملن الوطن على أكتافهن، ويزرعن الحياة في أرضه. إن استمرار الصمت على متاعبهن هو وصمة عار في جبين المجتمع. وقد آن الأوان لنكسر هذا الصمت، ونرفع الصوت عاليًا الكرامة لا تُجزأ، والعدالة لا تُؤجل، والحق في العمل الكريم ليس ترفًا، بل أساس المواطنة.

Related posts

أهالي زوارة الليبية يزودون سيّارات قافلة الصمود بالوقود مجانا

Na Da

غدا الاحد : انقطاع التيار الكهربائي بهذه المناطق من ولايتي سوسة والمنستير

root

انقلاب سيارة بماجل بلعباس يسفر عن إصابة 24 عاملا فلاحيا

marwa

Leave a Comment