تركن الاسرة التربوية بعد اسابيع قليلة الى الراحة بعد سنة دراسية تضمنت الكثير من التحديات، و جدّدت الحاجة الى بدأ الاصلاح التربوي الذي تعد عطلة الصيف فرصة ملائمة للشروع فيه
المجلس الأعلى للتربية: خطوة نحو التغيير
و في مفتتح الشهر الجاري اعلن وزير التربية، نور الدين النوري، عن قرب انطلاق أشغال المجلس الأعلى للتربية والتعليم، الذي سيتحمل وفق المرسوم الرئاسي المحدث له، مسؤولية التخطيط الاستراتيجي للسياسات التربوية ومتابعة تنفيذها.
ويأتي هذا الإعلان بعد صدور الأمر الرئاسي عدد 246 لسنة 2025، المؤرخ في 8 ماي 2025، المتعلق بضبط التنظيم الإداري والمالي للمجلس الأعلى للتربية والتعليم.
و الجدير بالذكر أن الاستشارة الالكترونية المتعلقة باصلاح قطاعي التربية و التعليم قد تم الانتهاء منها منذ مايقارب السنتين، و تبلورت عنها الخطوط و الاتجاهات الكبرى لعملية الاصلاح، ما يعني أنّ المرور من مرحلة الدرس الى صياغة الاصلاحات قد حانت.
وفي شهر افريل من سنة 2023 أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد على جلسة عمل حول الاستشارة الوطنية المتعلقة بإصلاح التربية والتعليم، و اكد خلالها أنّ التعليم العمومي هو أساس أي إصلاح وانه لا يمكن التفريط في هذا المكسب ،وان الازدهار الحقيقي للشعب يتم بفكر حر و مستنير ،مشددا على أن الأمر يتعلق بمستقبل الأجيال المقبلة لتونس .
و لا يختلف عاقلان في توفر كل اسباب الموضوعية للمضي في اصلاح تربوي و في مجال التعليم بعد ان بلغ قطاعي التربية و التعليم حالة كبيرة من التردي و عدم مواكبة التطورات الحاصلة في المجتمع ذلك ان بلادنا قد شرعت في اول اصلاح للتعليم سنة 1958 ويمكن القول أن مسيرة الاصلاحات قد توقفت سنة 2002 عند النظام التوجيهي.
و تبدو الفرصة مواتية جدّا بأن تكون السنة المقبلة هي منطلق تطبيق الاصلاحات التربوية، حيث توفرالعطلة الصيفية فرصة مواتية لتعميق النقاشات ذلك أن توقف الديناميكية التعليمية فيه ”هدنة ظرفية” بين الفاعلين في الحقل التربوي و التعليمي، و بالتالي فيه اتاحة للفرصة لتبادل الاراء و المواقف و التصورات على الاصلاح التربوي بمختلف مجالاته الادارية و العلمية و البيداغوجية و غيرها من المجالات.
ملفات حارقة على طاولة الإصلاح
و باتت الملفات التربوية المتراكمة تتطلب معالجة عاجلة وحازمة، فعلى رأس هذه الأولويات تأتي مسألة إعادة النظر في البرامج والمناهج التعليمية التي لم تعد تواكب تحولات العصر، سواء على مستوى المحتوى أو طرق التدريس.
كما أن تردي البنية التحتية للمدارس، خاصة في المناطق الداخلية، وتفاقم ظاهرة الانقطاع المدرسي، وتدهور صورة المدرسة العمومية، جميعها ملفات تؤكد الحاجة إلى تدخلات سريعة وشاملة.
ويعتبر الخبراء أن عطلة الصيف تمثل الإطار الزمني الأمثل للشروع في مراجعة عميقة للمناهج، وتجريب آليات جديدة في التقييم والتدريس، إلى جانب الاستعداد للانطلاق بمنظور مغاير للسنة الدراسية المقبلة.
تكوين الإطار التربوي… نقطة ارتكاز الإصلاح
و من الجوانب المحورية لأي إصلاح تربوي ناجح، الاهتمام بالإطار التربوي، الذي يعيش منذ سنوات حالة من الإرهاق وعدم الاستقرار بسبب كثافة التحركات القطاعية وتراجع القدرة الشرائية وضعف الحوافز.
وتُطرح خلال عطلة الصيف إمكانية تكثيف الدورات التكوينية لفائدة المدرسين، سواء في المجال البيداغوجي أو الرقمي أو في دعم المهارات الحياتية والاجتماعية، بما يسمح ببناء قدرات جديدة داخل المدرسة التونسية.
كما أن التكوين المستمر يمكن أن يُعيد الاعتبار للوظيفة التربوية، ويمنح المربّين شعورا أكبر بالتمكين والتجدد، وهو ما من شأنه أن ينعكس مباشرة على مردودهم وعلى المناخ التربوي العام.
أهمية المقاربة التشاركية
و يرى العديد من الفاعلين في المجال التربوي أن تشريك الأطراف المتدخلة، من نقابات وجمعيات أولياء وخبراء ومؤسسات جامعية، سيكون محددا أساسيا في مدى جدوى الإصلاح. فالإصلاح الذي يُفرض من أعلى لن يكون قابلًا للاستدامة، في حين أن الإصلاح القائم على التوافق والمشاركة يُرسّخ ملكيته المجتمعية خاصة و ان للمجلس الاعلى للتربية دورا استشاريا و ليسا تقريريا
وفي هذا السياق، قد تكون عطلة الصيف مناسبة لعقد منتديات جهوية ووطنية للتفكير في مستقبل التربية، وتقديم المقترحات وصياغة ملامح خريطة طريق واقعية ومرحلية.
كما يجمع الخبراء في الحقل التربوي على أن الإصلاح لا يكون مجديا ما لم يضع المتعلّم في صلب اهتماماته. وعليه، يُفترض أن تُستغل العطلة في إنجاز بحوث واستطلاعات ميدانية حول انتظارات التلاميذ والصعوبات التي يواجهونها، وتوظيف نتائجها في بلورة سياسات تربوية تستجيب فعلًا لحاجياتهم.
كما أن التفكير في حلول للحد من الدروس الخصوصية، وتحسين جودة التعلم داخل القسم، وتطوير الأنشطة الثقافية والرياضية في المؤسسات التربوية، هي أيضًا عناصر لا تقل أهمية.
وتبدو عطلة الصيف مناسبة فريدة للشروع في إصلاح المنظومة التربوية، خصوصًا في ظل التطورات الأخيرة المتعلقة بتركيز المجلس الأعلى للتربية.غير أن النجاح في ذلك يتوقف على مدى الجدية في التعاطي مع ملفات القطاع، وعلى توفر إرادة الإصلاح الحقيقية، وعلى تشريك الجميع في صياغة مستقبل المدرسة التونسية.