32.2 C
تونس
22 يوليو، 2025
أخبار الجهات

التراث المهجور في زغوان: من إرث منسي إلى محرك للتنمية

تحتفظ مدينة زغوان العتيقة بالعديد من المباني القديمة التي تحمل قصصًا غنية وأهمية تاريخية كبيرة، لكنها تعاني من الإهمال والتهميش. في وسط المدينة، يظهر منزل قديم بطراز فرنسي ومقر مركز الشرطة القديم كأمثلة بارزة للعقارات المهجورة. هذه المباني ليست الوحيدة؛ فالقائمة تطول لتشمل مقر إقامة المراقب المدني خلف معتمدية زغوان، الكنيسة القديمة، مقر منطقة الشرطة السابق بجانب السوق المركزي، ومقر البلدية القديم في السوق القديمة، بالإضافة إلى العديد من المباني الأخرى.

القيمة التاريخية والموقع الاستراتيجي

رغم القيمة التاريخية والموقع الاستراتيجي لهذه العقارات، إلا أنها تظل مهملة وغير مستغلة. وهنا يبرز السؤال: لماذا لا يتم استغلال هذه الفضاءات لخدمة المصلحة العامة؟ في وقت تعاني فيه الجمعيات المحلية في زغوان من غياب مقرات خاصة بها، يمكن لهذه العقارات أن تكون حلاً عمليًا لتحسين ظروف العمل المدني وتعزيز النشاط المجتمعي.

و يعود استمرار هذا الوضع إلى عدة أسباب رئيسية، أهمها غياب الإرادة السياسية وضعف التخطيط الاستراتيجي. بدلاً من أن تبقى هذه العقارات عبئًا على المدينة بصورتها الحالية، يمكن تحويلها إلى مراكز حيوية تخدم الجمعيات وتساهم في إحياء المدينة العتيقة وتحسين جودة الحياة فيها.

دعوة للتحرك و الحلول المقترحة
ما تحتاجه زغوان اليوم هو مبادرة جادة لحل مشكلة العقارات المهجورة، تبدأ بحصر هذه الممتلكات ومعالجة وضعها القانوني، ثم إشراك المجتمع المدني في تحديد أولويات استغلالها. هذا الحل لا يتطلب موارد ضخمة، بل يتطلب إرادة صادقة ورؤية تخدم المصلحة العامة.
إن إعادة تأهيل العقارات المهجورة لا يجب أن تكون مجرد فكرة، بل يمكن تحقيقها من خلال التخطيط السليم والتعاون بين جميع الأطراف المعنية. المجتمع المدني يجب أن يكون شريكًا فعالًا في هذه المبادرة، من خلال تقديم أفكار واقتراحات حول كيفية استغلال هذه العقارات بأفضل طريقة ممكنة. يمكن تحويل هذه المباني إلى مراكز ثقافية، تعليمية، أو حتى تجارية، مما سيساهم في إحياء المدينة وجذب الاستثمارات.
و يمكن استغلال المباني المهجورة لتحويلها إلى مراكز ثقافية وفنية، تستضيف معارض وورش عمل للفنانين المحليين والدوليين. هذا النوع من المشاريع يمكن أن يجذب السياحة الثقافية ويضيف بعدًا جديدًا للحياة في زغوان. المراكز الثقافية يمكن أن تكون مكانًا لتبادل الأفكار وتعزيز التواصل بين مختلف فئات المجتمع، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وتنوعًا.

دراسات ونماذج ناجحة

في العديد من المدن حول العالم، تم تحويل المباني المهجورة إلى فضاءات حيوية من خلال مشاريع مجتمعية ناجحة. على سبيل المثال، في مدينة برشلونة الإسبانية، تم تحويل العديد من المصانع القديمة إلى مراكز ثقافية وفنية تستقطب الزوار وتساهم في الاقتصاد المحلي. كما شهدت مدينة تورينو الإيطالية تحويل مجموعة من المباني المهجورة إلى حاضنات للشركات الناشئة والمشاريع الاجتماعية، مما ساهم في إعادة إحياء المناطق القديمة في المدينة.
إن تحويل المباني المهجورة إلى مراكز ناشطة يمكن أن يساهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد المحلي. هذا النوع من المشاريع يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة للشباب ويحفز الابتكار وريادة الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمشاريع التجارية والاجتماعية أن تجذب الاستثمارات من خارج المدينة، مما يعزز النمو الاقتصادي المستدام.

حان الوقت للسلطات المحلية في زغوان أن تستجيب لتطلعات الأهالي وأن تجعل من هذه البنايات المهجورة فرصة للتنمية بدل أن تبقى شاهدة على الإهمال. إعادة الحياة لهذه المباني هو استثمار في تراث المدينة ومستقبلها. إن تحويل هذه العقارات إلى فضاءات تخدم المجتمع ستعود بفوائد عديدة على المدينة وسكانها، وستحول الإهمال إلى فرصة جديدة للإبداع والنمو.

و لتحقيق هذه الرؤية، يمكن تقديم بعض التوصيات والمقترحات العملية التي قدمها لنا مجموعة من الخبراء و الناشطين و التي تتمثل في إجراء مسح شامل لجميع المباني المهجورة في المدينة وتوثيق حالتها مع حل القضايا القانونية المتعلقة بملكية هذه العقارات لضمان إمكانية استخدامها، عقد ورش عمل وجلسات استماع مع المجتمع المدني لتحديد الأولويات والأفكار لاستغلال هذه العقارات و البحث عن مصادر تمويل، سواء من الجهات الحكومية أو القطاع الخاص، لدعم مشاريع إعادة تأهيل هذه المباني و إطلاق حملات توعية وترويجية للمشاريع المحتملة لإشراك أكبر عدد ممكن من الفاعلين المجتمعيين والمستثمرين.
و يمكن استخدام بعض المباني المهجورة كمراكز تدريب وتعليم لتطوير مهارات الشباب وتأهيلهم لسوق العمل. توفير ورش عمل تدريبية وبرامج تعليمية يمكن أن يساهم في تحسين فرص العمل والحد من البطالة في المدينة.

الرؤية المستقبلية و التعاون مع المجتمع المدني

يجب أن تكون إعادة تأهيل العقارات المهجورة في زغوان جزءًا من استراتيجية شاملة للتنمية المستدامة. هذه المباني ليست مجرد هياكل خرسانية، بل هي جزء من ذاكرة المدينة وتراثها الثقافي، واستثمارها بشكل صحيح سيعزز من هوية المدينة ويجعلها مكانًا أفضل للعيش والعمل.
إن إعادة تأهيل العقارات المهجورة يتطلب تعاونًا جماعيًا من جميع الجهات المعنية، بدءًا من السلطات المحلية والمجتمع المدني وصولاً إلى المواطنين العاديين. كل فرد في المجتمع له دور في بناء مستقبل مشرق لزغوان، سواء من خلال تقديم الأفكار، المشاركة في المشاريع، أو دعم المبادرات المجتمعية.
فالاهتمام بالتفاصيل الصغيرة والتخطيط الدقيق سيساهم في تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس. تحويل المباني المهجورة إلى مراكز حيوية ليس فقط حلاً لمشكلة الإهمال، بل هو فرصة لخلق بيئة مستدامة ونشطة تجذب الاستثمارات وتحسن جودة الحياة للجميع.
بتحقيق هذه الأهداف، يمكن لزغوان أن تصبح نموذجًا يحتذى به في مجال استثمار التراث العمراني لأغراض تنموية. إحياء المدينة يتطلب جهودًا مشتركة ورؤية بعيدة المدى، ولكن النتائج ستكون بلا شك تستحق العناء. تحويل الإهمال إلى فرصة هو السبيل لبناء مستقبل أفضل لجميع سكان زغوان.

إن تحويل المباني المهجورة إلى مراكز ناشطة وحيوية هو مشروع يحقق فوائد متعددة على مستوى المجتمع والاقتصاد المحلي. يتطلب النجاح في هذه المهمة تعاونًا مشتركًا بين جميع الأطراف المعنية وتوجيه الجهود نحو تحقيق رؤية مستدامة تخدم الجميع. بإرادة صادقة وتخطيط سليم، يمكن تحويل زغوان إلى مدينة مزدهرة تحتضن تراثها وتستفيد منه في بناء مستقبل مشرق.

Related posts

اصطدام سيارتين يسفر عن إصابة 5 ركاب بإصابات متفاوتة الخطورة

marwa

والي قابس يقوم بزيارة سوق الجملة للخضر والغلال

رمزي أفضال

صفاقس: تمت معاينة عدة اخلالات و غيابات في الإدارات العمومية خلال أول أيام شهر رمضان

رمزي أفضال

Leave a Comment