28.4 C
تونس
5 أغسطس، 2025
وطنية

عددها قليل و منخرطوها لا يتجاوزون 87 الف: متى تستعيد دور الشباب دورها؟

ما تزال مؤسسات دور الشباب تبحث عن دور فعلي لتكون الحاضنة الاولى للوعي و المواطنة و الثقافة في وقت تتفاقم فيه آفات مثل المخدرات والعنف والانقطاع المبكر عن الدراسة.

ومنذ سنة 1963، عندما تمّ بعث أول دار شباب في رادس، بدأت الدولة التونسية في تركيز شبكة وطنية من المؤسسات الشبابية، تراوحت بين دور شباب قارّة، ومركبات شبابية، ونواد ريفية، ووحدات متنقلة. وقد بلغ عددها  777 مؤسسة موزّعة على  تراب الجمهورية.

و تضم هذه الشبكة اليوم ما يزيد عن  360 دار شباب، واذ  تبدو هذه الأرقام مبشّرة ومعبّرة عن اهتمام كبير، ولكن واقع الحال يروي حكاية أخرى، قوامها ضعف الإقبال، وقلة التأثير، وتدهور البنية التحتية، وشحّ في الموارد البشرية.

وتُعدّ دُور الشباب فضاءات حيوية تحتضن طاقات الناشئة وتوجّهها نحو مسارات بنّاءة، فهي تمثل مجالًا مفتوحا للتعبير، والتكوين، وتنمية المواهب في مجالات الثقافة، والفنون، والرياضة. وتوفّر هذه الفضاءات بيئة آمنة تُعزّز روح المبادرة والعمل الجماعي، وتسهم في حماية الشباب من مظاهر الانحراف والتطرّف.

وضعية مأسوية

وعديدة هي دور الشباب التي اغلقت ابوابها أو التي تعمل بالحد الادنى أو الاقل من الاطارات الشبابية و التي تعاني ضعف الاقبال من الشباب الذي باتت فضاءات اخرى خطرة تستقطبه.

وبلغة الأرقام الرسمية، لا يتجاوز عدد المنخرطين في دور الشباب 87 ألف شاب، من أصل ملايين الشبان المنتشرين في الأحياء والقرى والمدن.

وتفتح هذه النسبة الضئيلة أبواب التساؤل حول أسباب عزوف الشباب عن هذه المؤسسات التي يُفترض أنها وُجدت لأجلهم، ورغم تعدد الأنشطة وتنوع العروض من نوادٍ بيئية وصحية وفنية وسمعية بصرية، فإنّ أغلبها بقي في شكل برامج تقليدية لا تواكب تطلعات الجيل الجديد، ولا تجذب انتباهه في عصر الرقمنة والوسائط المتعددة وفق شهادات للشباب انفسهم.

و من أبرز الملاحظات أن كثيرا من دور الشباب تحوّلت إلى فضاءات إدارية، غاب عنها النبض الشبابي، وحلّت محلّه ملفات ورقية وخطط تنشيط موسمية لا تملك الاستمرارية، كما أن البنية التحتية لعدد كبير من هذه الدور لم تعد صالحة لاستقبال جمهور واسع، إما بسبب التقادم، أو لغياب الصيانة، أو لنقص التجهيزات الحديثة التي تستجيب لما ينتظره الشاب من تجربة ثقافية أو رياضية أو فنية متكاملة.

أزمة الموارد البشرية.

ولا تتوقّف الأزمة عند البنية والمحتوى فحسب، بل تمتد لتشمل الإطار العامل نفسه، إذ تشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 700 أستاذ تنشيط معطّل عن العمل، بعضهم ينتظر منذ أكثر من عشر سنوات.

ورغم وجود هذا العدد، إلا أنّ عدّة مؤسسات شبابية تُسيّر اليوم بإطارات محدودة العدد أو بكفاءات خارج الاختصاص، ممّا ينعكس على جودة البرامج ونجاعة التفاعل مع الشباب.

و بينما تتسع رقعة التهميش الاجتماعي، ويُدفع بالشباب إلى أحضان الشارع والتطرّف والانحراف، تظلّ مؤسسات الشباب عاجزة عن استيعاب طاقاته، وفي ظل هذه المعادلة المختلّة، يصبح من الضروري مساءلة السياسات العمومية عن جدوى الاستثمار في مؤسسات لا تجد جمهورها، ولا تنجح في استقطاب الفئات المستهدفة.

وسبق لرئيس الجمهورية قيس سعيد أن لاحظ هذا التدهور الحاصل في دور الشباب، داعيا الى تجاوز الوضعية الحاصلين في لقائين على الاقل مع وزير الشباب و الرياضة الصادق المورالي.

وفي السنوات الأخيرة، ارتفعت مؤشرات تعاطي المخدرات بين الفئات العمرية من 15 إلى 25 سنة، وظهرت بوادر خطيرة لعنف مدرسي، وانقطاع مبكر عن التعليم، وكلّ هذه المؤشرات لا يمكن مواجهتها بحلول أمنيّة أو قانونيّة صرفة، بل تحتاج إلى جبهة ثقافية ومجتمعية تبدأ من دور الشباب، وتُبنى على تأطير حقيقي وتعليم غير نظامي يكمّل المدرسة والأسرة.

و في غياب هذا الدور، تبقى دار الشباب أشبه بفضاء مهمّش داخل حيّ مأهول، لا يزوره أحد، ولا يفتقده أحد، ولئن كانت البلاد تراهن عليه كمنفذ للتعبير وصقل المواهب وتكريس الوعي، فإن الواقع الحالي يضعنا أمام مؤسسات منهكة، تُراوح بين الروتين الإداري والمبادرات الفردية.

و من الضروري أيضًا التفكير في آليات جديدة لتمويل هذه المؤسسات، سواء عبر شراكات محلية، أو عبر استثمار كفاءات المجتمع المدني، أو بفتح أبواب العمل التطوعي المنظّم، فالمسألة لا تتعلق بعدد المؤسسات أو حجم الاعتمادات، بل بمدى إدماج هذه الفضاءات ضمن السياسات الاجتماعية والثقافية للدولة والمجتمع على حدّ سواء.

اية حلول ؟

و تبدو الحاجة ماسة الى وضع تصور نموذج جديد لهذه الفضاءات، يكون قادرا على استيعاب تطلعات الجيل الجديد، ويُوفّر له بيئة حاضنة للإبداع والانخراط في الشأن العام.

و في عصر تتغيّر فيه المرجعيات الثقافية والتكنولوجية بسرعة، لم يعد ممكنًا أن تشتغل دور الشباب بنفس الوتيرة التي كانت عليها في التسعينات، فالشاب اليوم يريد فضاء مفتوحا، سريع التفاعل، متعدد الأنشطة، يُمكّنه من المبادرة، ويعترف بخصوصياته، ويُدمجه في قضايا مجتمعه، لا أن يعيد عليه نفس دروس التعبير الجسماني أو النحت أو مسرح الهواة بأساليب تقليدية فقدت بريقها هذا ان وجدت.

ويبقى هذا السؤال قائما حول موعد استعادة دور الشباب لدورها،في انتظارات اجابات تُعيد الاعتبار للسياسات الثقافية والاجتماعية، وتمنح الشباب ما يستحقه من اهتمام وتخطيط.

Related posts

القصرين: إحالة مشروع قاعة العروض بدار الثقافة ماجل بلعباس على التحقيق

Na Da

جائزة دولية للباحثين البارزين من نصيب الباحث التونسي سالم شعيب

root

حجز مواد مخدرة بنية ترويجها للطلبة والتلاميذ

Moufida Ayari

Leave a Comment