33.2 C
تونس
5 أغسطس، 2025
دولي

مؤتمر حل الدولتين.. توصياته بين النظرية والتطبيق

هل بدأ العالم وخصوصاً اوروبا في التحرر من عقدة الذنب التي كانت تخضعه لاملاءات الكيان الصهيوني…؟ اذا صح ذلك فقد كان ثمنه باهظأ جداً وقد تحمله على مدار الاثنين وعشرين شهراً الماضية اهل قطاع غزة ودفعوه من دمائهم واشلائهم وجماجمهم وبيوتهم ومستقبل اولادهم واملهم في الحياة وكل ما يملكوه من متاع هذه الدنيا.

في خطوة لها دلالات سياسية ودبلوماسية وقانونية كبيرة أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عزمه على الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة المقررة في نيويورك خلال شهر سبتمبر القادم وأكد ذلك بكل حماس ووضوح وزير خارجيته جان نويل بارو خلال مؤتمر حل الدولتين برئاسة كلا من المملكة العربية السعودية وفرنسا وشهدته اروقة الامم المتحدة في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شهر جويلية 2025.

بهذا الاعلان كسرت فرنسا حاجزاً كبيراً من أمام العديد من الدول للاعتراف بدولة فلسطين.. الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين يحمل قيمة سياسية ودبلوماسية وقانونية كبيرة فهي الدولة الاولى في مجموعة السبع الكبار وثالث الدول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة وأكبر واهم دولة اوروبية غربية تبادر بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بالاضافة الى ما يتبعها من بقايا مستعمراتها السابقة من دول وجزر شبه مستقلة وراء البحار تدور في فلكها وتتبعها سياسياً واقتصادياً وامنياً وفي جميع المجالات ومن المتوقع ان تتبعها في الاعتراف بدولة فلسطين.

رغم أهمية اعتراف فرنسا بفلسطين الا ان اعلان رئيس وزراء بريطانيا عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية له مغزى في غاية الاهمية كون هذه الاعتراف يحمل في طياته بعداً تاريخياً خاصا  وله دلالات سياسية وقانونية في غاية الاهمية كون بريطانيا هي المسؤولة بالدرجة الاولى عن كل هذه المعاناة وهذه العذابات وهذه المرارة التي تجرعها الشعب الفلسطيني طوال اكثر من 77 عاماً ومازال يأن تحت وطاتها داخل فلسطين وخارجها كون بريطانيا هي الام البيولوجية للكيان الصهيوني تاريخياً, ابتداءاً من مؤتمر بانرمان في لندن عام 1904 والذي استضافه رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت هنري كامبل بانرمان بحضور الدول الاستعمارية الغربية وبهدف احكام سيطرة هذه الدول على مستعمراتها وكان من ابرز توصيات ذلك المؤتمر ضرورة إنشاء جسم بشري غريب يفصل بين شطري العالم العربي مشرقه عن مغربه ويكون دوره اثارة ونشر الفوضى والتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة العربية الواقعة بين المجيط الاطلسي والخليج العربي لاضعاف العرب وسهولة السيطرة عليهم وسرقة ثرواتهم ونهب مقدراتهم, مروراً بالوعد المشؤوم الذي قطعه بتاريخ 2 نوفمبر عام 1917 وزير الخارجية البريطاني الاسبق سئ الذكر ارثر بلفور لابزر شخصية يهودية بريطانية الصهيوني اللورد ليونيل روتشيلد بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ووصولاً الى ما قام به الاستعمار البريطاني الذي كان يحتل ويسيطر على كل فلسطين عام 1948 بتسليم أكثر من نصف الأراضي الفلسطينية للعصابات الصهيونية بعدما سلحها ودربها ودعهمها عسكريا سياسياً وعلى كافة الاصعدة ومكنها حينئذ من اعلان ما يسمى “دولة اسرائيل” على اكثر من 52% من اراضي فلسطين بعدما تم التنكيل بأهل هذه الارض قتلاً وحرقاً واغتصاباً واجبار من بقي حياً منهم على الهروب والرحيل عن ارضه وبيته بقوة الحديد والنار.

انطلاقاً من هذه الخلفية التاريخية بما تحمل من الم وحزن ودلالات وتبعات قانونية اعلن كير ستارمر من لندن عزم بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمبر المقبل خلال اجتماعات الجمعية العامة ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جادة لإنهاء الوضع المروع في غزة، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والتوضيح أنه لن يكون هناك ضم للضفة الغربية، والالتزام بعملية سلام طويلة الأمد تؤدي إلى حل الدولتين”، وفقا لبيان حكومي بريطاني رسمي اعقب تصريحات ستارمر.

وكان ملفتاً ان تصريحات ستارمر هذه اعقبها  مباشرة تصريحات مشابهة لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي امام مؤتمر حل الدولتين المشار اليه في نيويورك وأكد هو الاخر على نية بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة القادمة في سبتمبر القادم وكان ملفتاً ايضاً ما قاله وزير الخارجية البريطاني بوضوح “أن إعلان سلفه وزير الخارجية البريطاني الاسبق ارثر بلفور الذي جاء في خطاب وجهه الى اليهودي ليونيل روتشيلد بتاريخ 2 نوفمبر1917 كان “مجرد وعد” وشدد الوزير البريطاني ان وعد بلفور “لم ينص على المساس بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني” وهذا التصريح الهام يعني بلغة السياسة ان بريطانيا تؤيد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني على ارضه فلسطين وفي طليعتها حقه في تقرير مصيره في دولة مستقلة وذات سيادة.

هذا من جهة ومن جهة اخرى يكتسي اعتراف بريطانيا بعداً سياسياً اخر فهناك عشرات الدول والاقاليم التي تدور في الفلك البريطاني وتتناغم سياساتها وقراراتها على الاغلب مع السياسات البريطانية وهي دول الكومنولث والدول التابعة للتاج البريطاني ومن أبرزهذه الدول كندا واستراليا ونيوزيلاندا وجاماييك وغرينادا وغيرها ووفقاً لمنطق الامور من المتوقع قيام أغلب هذه الدول ان لم يكن كلها بالاعتراف بفلسطين في حال قامت بريطانيا بذلك وهو المرجح حسب كل المعطيات الدولية الراهنة مما يعني ان كل دول العالم ستصبح تعترف بالدولة الفلسطينية تقريباً باستثناء الولايات المتحدة والكيان الصهوني.

امام هذا المد اصبحت الولايات المتحدة الوحيدة تقريباً التي تعترض على ارادة كل دول العالم بقيام دولة فلسطينية في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والتي رسخت فلسطينيتها قرارات عدة صادرة عن مجلس الامن الدولي والجمعية العامة للامم المتحدة.

غير المنطقي وغيرالمعقول ان تنجر دولة عظمى كالولايات المتحدة خلف حكومة ارهابيين مدانين بالارهاب حتى في المحاكم الصهونية ومجرمين مطاردين مطلوبين للمحاكم الدولية, وتنقلب على كافة المواثيق والقوانين والقرارات الدولية الصادرة عن هيئات ومنظمات العالمية هي نفسها سبق ان ايدتها ووافقت عليها, وتختار اليوم الوقوف ضد كل دول العالم تقريباً وضد كل قرارات الشرعية الدولية وحتى ضد المصالح الامريكية الفعلية, مما يدعو للدهشة والاستغراب.

السؤال الذي يتبادر الى الذهن في ظل ما هو طاغ حالياً على الساحة الاعلامية والسياسية الامريكية, هل نجح الكيان الصهيوني في ابتزاز صانع القرار الامريكي واجباره على الوقوف وحيداً ومعزولاً امام ارادة العالم بأسره حتى ضد مصالح الولايات المتحدة نفسها, ودفعه للسير ضد التيار الدولي الجارف نحو الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعيش بكرامة في دولة خاصة به كسائر البشر…؟ وقد يتم ايجاد جواب لهذا السؤال الغريب العجيب في ملفات جفري ابستين

عملياً لا نتوقع قيام دولة فلسطينية مستقلة مباشرة اثر الاعتراف البريطاني الفرنسي بالدولة الفلسطينية ولكن تكمن اهمية هذه الخطوة في كونها صادرة عن قوى عظمى واعضاء في مجموعة السبع الكبار وادت الى توجه نحو  15 دولة للسير على نفس الطريق من كندا العضو في مجموعة السبع ايضا بالاضافة الى استراليا ونيوزيلاندا ومالطا وغيرها وقيام الحزب الاجتماعي الديموقراطي الالماني (SPD) ثالث اكبر كتلة برلمانية (120 مقعد من 630) بالطلب من الحكومة الالمانية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وتلميح وزير الخارجية الالماني الى ذلك وكذلك تحول دراماتيكي في موقف هولندا التي كانت من اكبر الداعمين للكيان الصهيوني الارهابي عسكريا وسياسياً في اوروبا الى حد قيام الوكالة الوطنية للامن الهولندي بإدراج هذا الكيان المجرم رسمياً على قائمة الدول التي تهدد الامن القومي الهولندي وصنفته في خانة الاعداء.!!

ومن ابرز مخرجات مؤتمر حل الدولتين وفقاً لاعلان نيويورك المكون من 42 فقرة العمل على انهاء الحرب في غزة, التزام جميع الدول المشاركة باتخاذ خطوات ملموسة ومحددة زمنياً ولا رجعة فيها من أجل التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حلّ الدولتين وقيام دولة فلسطينية وفقاً للمرجعيات الدولية ذات الصلة, الدعوة الى ايجاد آلية دولية لحماية الشعب الفلسطيني.

كل هذا كلام جميل ولكن الملفت ان تركيز المشاركين في المؤتمر على نزع سلاح حركة حماس بدون اي ربط ذلك باي خطوات فعلية لقيام دولة فلسطينية وضمانات دولية موثوقة من اطراف لها مصداقية عالمية وقوة كافية لتحقيق هذه الضمانات والتعهدات وفقاً للاتفاقات التي سيتم اعتمادها وليس نزع سلاح حماس لمجرد وعود يمكن التنصل منها بأي ذريعة وبأي حجة, والتجارب مع الكيان الصهيوني برهنت بما لا يدع مجالاً للشك انه لا يمكن الوثوق باي وعد او عهد معه وقد نكث  بأكثر من 99.99% من الاتفاقيات والوعود التي ابرمها مع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية. 

كان من الانجع لو ان المؤتمر جعل موضوع تسليم سلاح حماس كسلاح مقاومة على مراحل وفقاً آلية محددة وربطه بمراحل قيام الدولة الفلسطينية, والتشديد على ضرورة ان يكون هذا الترابط بين تسليم السلاح وقيام الدول عضوياً وغير قابل للانفصام تحت اي ظرف كان ومتزامناً وفق جدوال زمنية محددة ويؤثر احدهما على الأخر.

هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لم يوضح اي من مسؤولي الدول التي اعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية ما هي الدولة الفلسطينية التي يقصدونها ؟ هل هي على كل الاراضي الفلسطينية التي احتلتها الكيان الصهيوني عام 1967 بما فيها القدس الشرقية ام دولة على المقاس الصهيوني عبارة عن كانتونات هنا وهناك على بعض اجزاء غير متصلة يتكدس فيها 7 ملايين فلسطيني بدون قوات امنية فاعلة وبدون مطارات وبدون موانئ ورموز سيادة حقيقية.

واخيرا ما هو الموقف الفعلي للحكومة الصهيونية التي تأخذ الارض الفلسطينية ومن عليها رهائن منذ عشرات السنين, اي بيدهم مفتاح الحل, هل ستوافق الحكومة الاشد تطرفاً في تاريخ الصراع على التخلي عن شبر من الاراضي الفلسطينية التي تحتلها بالقوة منذ عدة عقود..؟ واذا وافقت مقابل ماذا ولمن..؟ السياسة خذ وهات الفلسطينيون كما يدعي الصهاينة ليس لديهم شيئاً ذو قيمة ليعطوه مقابل استعادة ارضهم فلماذا يعطوهم اي شئ,وهنا يأتي دور الدول العربية وخصوصاً الخليجية وتحديداً المملكة العربية السعودية وهنا أهمية الدور السعودي الحاسم..!!

الرئيس الامريكي دونالد ترامب وادارته سارعوا الى رفض توصيات المؤتمر والتمترس الى جانب الكيان الصهيوني الذي لا يريد اي اتفاقات من شأنها ان تعيد شبر ارض الى اهلها وهذا ما صرح به علناً عميحاي بن الياهو احد وزراء الحكومة الصهيونية الحالية قائلاً: “ان هؤلاء ويقصد كل الدول المشاركة يطالبونا بالتخلي عن حقنا التاريخي في يهودا والسامرة”, وهذا ما يردده مراراً  وتكراراً  الوزيران الفاشيان في حكومة نتنياهو الحالية سموترتس, وبن غفير داعين الى المبادرة بضم الضفة الغربية واحتلال قطاع غزة واعلان السيادة الصهيونية على جميع الاراضي الفلسطينية والتلخص من اهلها الفلسطينيين بطردهم منها الى الخارج او قتلهم او بأي طريقة كانت.

لكن الملفت ان ترامب قام فجاة بزيارة خاصة لاسكتلندا لزيارة نادي الغولف الذي يملكه هناك كما ذكر البيت الابيض وخلال هذه الزيارة اجتمع مطولاً مع رئيس الوزراء البريطاني   والملفت ان ستارمر اعلن عن نيته الاعتراف بدولة فلسطين خلال الشهر القادم بعد اقل من 24 ساعة من اجتماعه المشار اليه مع ترامب فهل كان ذلك صدفة؟

بصراحة رغم نفي ترامب انه ناقش هذا الموضوع مع ستارمر او علمه بنية الاخير بالاعتراف بفلسطين لا يمكن تصديق هذا النفي لا من قريب او بعيد ويمكن الجزم ان سبب زيارته الرئيسي هو هذا الموضوع وليس نادي الغولف لان الطقس في هذا الوقت في اسكتلندا يميل الى الحرارة ولا يناسب اي نشاطات لها علاقة بالغولف والتي تجري في الخارج في الاراضي المكشوفة كما هو معروف.

Related posts

الاحتلال يقتحم قلقيلية وبيت لحم

Walid Walid

إعلام إسرائيلي: الحرب على إيران هي الأكثر تعقيداً في تاريخ “الجيش” الإسرائيلي

محمد بن محمود

عالمة مناخ: 85% من الأنهار الجليدية بفرنسا مهددة بالزوال بسبب الاحتباس الحراري

محمد بن محمود

Leave a Comment