38.2 C
تونس
22 أغسطس، 2025
وطنية

بعد استكمال تداول المجالس: قريبا الشروع في بلورة مخطط التنمية

يتواصل مسار إعداد مخطط التنمية للفترة 2026-2030 بعد أشهر من المداولات التي انطلقت من القاعدة المحلية وصعدت تدريجيا إلى الجهات ثم الأقاليم، ويبلغ مرحلته الأخيرة قبل صياغة المشروع النهائي الذي سيعرض مطلع السنة المقبلة على مصادقة الغرفتين التشريعيتين.

ويعمل مجلس الأقاليم منذ أسابيع على تداول المقترحات الواردة من الجهات وصياغة رؤية إقليمية موحدة تجمع بين خصوصيات كل ولاية وإمكاناتها وبين الأهداف الوطنية العامة.

مرحلة التأليف الثالثة

 ويبحث ممثلو هذه المجالس في سبل التوفيق بين الأولويات المحلية المتعددة حتى يضمنوا إدراجها في التقرير التأليفي الذي سترفعه الوزارة المعنية قريبا، وقد خصص وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ مؤخرا ملتقى وطنيا لمرافقة هذه المجالس وتقديم الدعم الفني لها عبر الحوار مع الوزارات والهياكل العمومية بما يسمح بصياغة متناسقة للمخطط.

وتؤكد وزارة الاقتصاد والتخطيط أن عملها لا يقتصر على جمع المخرجات فحسب بل يمتد إلى تدقيق الأولويات وضبط السياسات العامة وترتيب البرامج والمشاريع بما يتلاءم مع الإمكانيات، وستتولى الوزارة لاحقا بلورة النسخة النهائية التي تعرض على مجلس الوزراء ثم على المجلس الوطني للجهات والأقاليم ومجلس نواب الشعب، وذلك في أفق ديسمبر المقبل كما نص المنشور الحكومي الصادر في الثاني والعشرين من أفريل الماضي، وهو منشور حدد آجال إعداد المخطط بثمانية أشهر منذ صدوره.

رهان على اصلاح مرتقبة

ويطرح المخطط الجديد رهانات عديدة تتجاوز الجوانب التقنية إلى خيارات استراتيجية كبرى، إذ يسعى إلى تحقيق نقلة نوعية في مستوى العيش عبر ضمان العدالة الاجتماعية والاقتصادية وإعادة توزيع الثروة بشكل أكثر إنصافا، كما يراهن على معالجة التفاوت بين الجهات وعلى توسيع قاعدة النمو من خلال الاستثمار في الطاقات المحلية والجهوية، ويدعو إلى تسريع نسق الإصلاحات الاقتصادية حتى يستعيد الاقتصاد الوطني قدرته على النمو واندماجه في سلاسل القيمة العالمية.

ويستند هذا المخطط إلى مقاربة جديدة تنطلق من الأسفل نحو الأعلى، حيث بدأ المسار بتشخيص الوضع التنموي على مستوى المعتمديات وتقديم مقترحات المشاريع من قبل المجالس المحلية، ثم تداولت المجالس الجهوية تلك التقارير وأعادت ترتيبها قبل أن تحيلها على المجالس الإقليمية، وقد التزم هذا المسار بتوسيع المشاركة في صياغة القرار التنموي حتى لا يبقى حكرا على المركز مثلما كان الحال في الماضي.

رهانات اجتماعية و اقتصادية

ويحمل الجانب الاجتماعي من المخطط رهانات كبرى، إذ يتطلع إلى تطوير المنظومة التربوية وتحسين جودة التعليم والتكوين المهني والتعليم العالي حتى يدعم رأس المال البشري، كما يسعى إلى إصلاح المنظومة الصحية وتوسيعها حتى تشمل جميع المواطنين بصفة عادلة، ويضع الشباب في قلب اهتماماته عبر تمكينه من فرص الشغل اللائق ودعمه في بعث المبادرات، ويريد أن يعزز الثقافة الوطنية ويجعلها رافدا للإشعاع الحضاري.

ويرتبط المخطط أيضا بأهداف الإدماج الاجتماعي حيث يسعى إلى الإحاطة بالفئات الهشة والعناية بكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة وضمان حقوق المرأة وتعزيز مكانتها، ويعمل على ترسيخ المساواة بين الجنسين ويطمح إلى توسيع التغطية الاجتماعية وتحسين الحماية الموجهة إلى العمال، وهو ما يعكس حرص الدولة على المحافظة على البعد الاجتماعي لسياساتها رغم ضغوط الوضع المالي.

أما على الصعيد الاقتصادي فيتعلق الرهان الأساسي باستعادة نسق النمو عبر تطوير هيكلة الاقتصاد الوطني وتحسين تنافسيته، ويتطلب ذلك مراجعة التشريعات وتسهيل المبادرة الخاصة وتحفيز الاستثمار الوطني والأجنبي في إطار شراكة أوثق بين القطاعين العام والخاص، كما يسعى إلى استغلال الميزات التفاضلية التي تتوزع على الجهات حتى يتحول كل إقليم إلى قطب اقتصادي قادر على خلق مواطن شغل وتنمية صادراته.

وينتظر أن يولي المخطط عناية خاصة بالمناطق الحدودية والأقل نموا، حيث يخطط إلى تحسين البنية التحتية وتطوير المعابر وبعث مناطق لوجستية وفتح آفاق للتعاون مع دول الجوار والفضاءات الإفريقية، كما يسعى إلى تحسين ظروف العيش في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية عبر توفير الخدمات الأساسية وحوكمة التوسع العمراني، ويضع على عاتق المجالس المحلية والجهوية مسؤولية أكبر في اقتراح المشاريع وتنفيذها بما يكرس اللامركزية ويعزز قدراتها.

و يعود تاريخ المخططات التنموية في تونس إلى بداية الستينات حين شرعت الدولة سنة 1962 في أول مخطط ثلاثي، ثم تواصلت التجربة مع المخططات الرباعية والخماسية وصولا إلى 2011، وبعد الثورة تغيرت المقاربة نحو ميزانيات سنوية ذات بعد تشاركي قصير المدى، لكن تعقد التحديات الراهنة أعاد إحياء فكرة المخططات المتوسطة المدى بما يسمح بوضع رؤية متناسقة وتعبئة الموارد على مدى أطول.

و يعول الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون على هذا المخطط لتحقيق انطلاقة جديدة تعيد الثقة بين المواطن والدولة وتفتح آفاقا أوسع للاستثمار، فالتونسيون ينتظرون تحسين الخدمات العمومية وتوفير الشغل بينما يطمح المستثمرون إلى بيئة أكثر استقرارا وجاذبية، أما الحكومة فترى في هذا المخطط فرصة لترجمة الشعارات إلى برامج فعلية تعزز موقع تونس إقليميا ودوليا.

وفي ظل ضغوط التوازنات المالية يحتاج تنفيذ مخطط تنمية طموح الى تكاثف كل الجهود و البحث على التمويلات الضرورية في انتظار الشكل النهائي للنسخة الاولية للمخطط التي ستعدها وزارة الاقتصاد و التخطيط.

Related posts

كاتب الدولة لدى وزير التشغيل ..نحو الترفيع في سقف تمويل الشركات الأهلية الى مليار

Moufida Ayari

وزيرة التجهيز تشرف على جلسة عمل لمتابعة تقدم انجاز مختلف عناصر البرنامج الخصوصي للسّكن الاجتماع

Na Da

التوقعات الجوية لليوم الجمعة 28 أكتوبر 2022

سنية خميسي

Leave a Comment