29 أكتوبر، 2025
غير مصنف

بين الادماج الاقتصادي و امتحان التنفيذ…خطوط تمويل جديدة في مشروع قانون المالية

تتجه الحكومة من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2026 إلى دعم آليات التمويل الموجهة للفئات الضعيفة والشباب المبادر وصغار الفلاحين وذوي الإعاقة، عبر إحداث أربعة خطوط تمويل جديدة.

وشرع مجلس نواب الشعب منذ ايام قليلة في درس مشروع قانون المالية و مختلف الوثائق المتصلة به.

أربعة خطوط تمويل جديدة… بنفس الفلسفة الاجتماعية

ويقترح مشروع القانون في فصله 27 إحداث أول خط تمويل تحت عنوان دعم التمويل الذاتي لباعثي المشاريع والمؤسسات الصغرى، بمبلغ قدره 23 مليون دينار على موارد الصندوق الوطني للتشغيل. يُسنَد في شكل قروض دون فائدة ودون اشتراط ضمانات، على أن يُصرف بداية من 1 جانفي إلى غاية 31 ديسمبر 2026، ويتولى البنك التونسي للتضامن التصرف فيه باتفاقية مع وزارتي المالية والتشغيل تحدد شروط الانتفاع وآليات المتابعة.

ويعد الخط الثاني موجّه إلى صغار الفلاحين لتمويل قروض موسمية بشروط ميسرة تخصّ الموسم الفلاحي 2025-2026، بمبلغ 10 ملايين دينار أيضًا من موارد الصندوق الوطني للتشغيل، ويتولى البنك التونسي للتضامن التصرف فيه وفق نفس الآلية التعاقدية مع وزارة المالية. هذا الخط يأتي استجابة للضغط المتصاعد من الهياكل الفلاحية المطالبة بتمويل أقل تعقيدا وأكثر سرعة في الصرف خلال المواسم.

أما الخط الثالث، فهو مواصلة تفعيل الصندوق المخصص للأشخاص ذوي الإعاقة الذي تم إحداثه في قانون المالية 2025، حيث يقترح مشروع 2026 تمديد فترة الانتفاع بسنتين إضافيتين، مع الترفيع في الاعتماد المرصود بـ5 ملايين دينار. يمنح هذا الخط قروضًا دون فائدة لا تتجاوز 10 آلاف دينار، تُسدَّد على مدى ثماني سنوات منها سنتا إمهال، في إطار تعزيز الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئة.

ويندرج الخط الرابع أيضا ضمن تعزيز الإدماج المالي والاقتصادي للفئات محدودة الدخل، بمبلغ 20 مليون دينار تُسند في شكل قروض دون فائدة لا تتجاوز 10 آلاف دينار للقرض الواحد، بين جانفي 2026 وديسمبر 2027، مع إمكانية السداد على مدة أقصاها ست سنوات بما في ذلك سنة إمهال.

خطوط تمويل تحتاج التفعيل

وتضمن قانون المالية الحالي لسنة 2025 10 خطوط تمويل متنوعة من بينها 20 مليون دينار للفئات الضعيفة ومحدودة الدخل، و5 ملايين دينار للأشخاص ذوي الإعاقة، و7 ملايين للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، و20 مليون دينار للشركات الأهلية، إضافة إلى آليات لدعم الاقتصاد الأخضر، والمبادرة الذاتية، وضحايا الإرهاب وعائلات الشهداء.

غير أن هذه الخطوط لم تُفعَّل إلى اليوم، ولم تصدر بشأنها القرارات الترتيبية الكفيلة بجعلها قابلة للصرف، ما دفع نوابًا إلى التساؤل المباشر داخل اللجان: هل أصبح قانون المالية يشتغل بمنطق “الإعلان المالي” لا بمنطق التنفيذ الفعلي؟

ولم يقتصر الإشكال وفق عدد من النواب على مسألة التفعيل فحسب، بل على تشتت هذه الخطوط وتداخل أهدافها، إذ تتشابه عناوينها وتُدار جميعها تقريبًا عبر البنك التونسي للتضامن، ما يطرح سؤالًا حول قدرة هذا الهيكل وحده على إدارة أكثر من 14 خط تمويل في ظرف سنتين، دون أن تصبح الإجراءات مضخّمة أو تتداخل الملفات أو تُفتح ثغرات سوء التصرف والولاءات.

مقابل ذلك دفع عدد من النواب في اتجاه النظر الى المسألة بايجابية و البحث في اسباب تعثر بعض الاليات بهدف اصلاحها و سن اجراءات مساعدة لها بدلا من السعي الى الاتهامات و المزايدات التي لا طائل منها.

التمكين المالي بديل للدعم المباشر

و تطرح هذه الخطوط الجديدة من حيث الفلسفة تصورا اجتماعيا واضحا في خيارات الدولة، يقوم على التمكين المالي بدل الدعم المباشر، وعلى تحويل الفئات الضعيفة من مستهلكة للمساعدات إلى فاعلة في الدورة الاقتصادية. كما تُظهر أن الدولة تريد الاستثمار في خلق مؤسسات صغرى محلية، خاصة في الاقتصاد الأخضر والأزرق والاقتصاد التضامني والمبادرة الذاتية.

ولاحظ نواب وجود تشتت شديد في التصور التنفيذي: أربعة خطوط جديدة تُضاف إلى عشرة خطوط سابقة، كلها تُدار بنفس الآليات ، دون وضوح في نسب الإنجاز ودون تقييم مرحلي علني. كما لا تُدرج أي مؤشرات كمية عن نسب الانتفاع، ولا عن مدى عودة هذه القروض إلى الدورة المالية، ولا عن نسبة المشاريع المستديمة التي نشأت بفضل هذا التمويل.

ويبدو ان المطلوب اليوم ليس التراجع عن هذه الخطوط، بل دمجها في سياسة ائتمانية شاملة واضحة المعايير، تُعرض بتناغم مع المخطط التنموي 2026-2030، وتُصاحَب بمنصات رقمية شفافة تُتيح نشر نسب الصرف الفعلية، ومعايير الانتفاع، وأثرها الاجتماعي. فالإعلان عن تمويلات دون تنفيذ فعلي يخسر الدولة مرتين: مرة في الثقة السياسية، ومرة في الوقت التنموي الضائع.

في الخلاصة، يمثل مشروع قانون المالية 2026 استمرارا للخيار الاجتماعي في التمويل، لكنه يواجه امتحانًا حقيقيًا هو “المرور من النص إلى الواقع”. وإذا لم تُرفَق هذه الخطوط لأول مرة بإرادة تنفيذية صارمة ومؤشرات متابعة دورية معلنة، فإنها ستظل عناوين مالية جميلة على الورق… لا أكثر.

Related posts

السيرة الذاتية لوزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر

Moufida Ayari

نجاح أول عملية تسريح لجلطة دماغية بواسطة تقنية ‘ترومبوليز’

marwa

في االمعبر الحدودي برأس جدير حجز أكثر من عشرين ألف حبة إكستازي وكمية من الكوكايين

Mohamed mabrouk Sallami

Leave a Comment